إفريقي ومغاربيالأخبارالاقتصاد والتنميةتحقيقات

الخبير النفطي الليبي رمزي الجدي يكتب : الفساد يرفع تكلفة إنتاج النفط

· لماذا قفزت تكلفة إنتاج برميل النفط في ليبيا لتصل إلى 23.8 دولار للبرميل بعد أن كانت لا تتجاوز الـ7 دولار للبرميل؟

· لماذا تكلفة إنتاج برميل النفط في العراق 10.7 دولار بينما تصل في ليبيا 23.8 دولار على الرغم من الظروف الأمنية المتشابهة؟

· لماذا ليبيا هي الأعلى تكلفة لإنتاج النفط من الحقول البرية بين جميع دول الأوبك؟

· ما تأثير الفساد والسرقة والرشوة في الشركات الوطنية على التكلفة الإنتاجية لأي حقل نفطي؟

· ما هي انعكاسات ارتفاع تكلفة الإنتاج وانخفاض سعر برميل النفط على الدخل القومي لليبيا؟

إن الفساد في قطاع النفط على الرغم من كونه الأكثر والأعمق والأخطر فإنَّ ملفه لم يفتح من قبل لأنه يتوارى خلف ستار من الغموض والتخفي ولأن ممارسيه من العيار الثقيل والرؤوس الكبيرة التي كونت حولها مافيا محترفة ولوبيات فساد وجماعات مصلحية شكلت في مجموعها شبكة فساد واسعة ومتشعبة استطاعت نهب وطن وسرقة ثروات شعب وكونت لنفسها إمبراطوريات مالية ضخمة تمكنت بها من استخدام المليشيات لحمايتها وإخفاء كل ما من شأنه أن يدين ارتكابها هذه الجريمة بحق المال العام وثروات الوطن ومقدراته.

هذا الفساد أصبح يطفو على السطح مع بداية هبوط أسعار النفط سنة 2014 لأن تدني الأسعار جعل ارتفاع تكلفة إنتاج النفط أكثر وضوحا في ظل تراجع عائدات الدولة وبالتالي الميزانية العامة في ليبيا والتي تفقد قرابة 5 مليار دولار سنويا بسبب الفساد في قطاع النفط و5 مليار دولار بسبب تهريب المحروقات، وهذا الرقم أصبح أكثر وضوحا مع انخفاض الميزانية العامة للبلاد والتي وصلت إلى 21 مليار دولار فأصبح الفساد في ثلث ميزانية البلاد وهذه كارثة حقيقة، الأمر الذي أصبح يحتم علينا فتح ملف الفساد في قطاع النفط بالرغم من المخاطر المتوقعة من جراء فتح ملف كهذا. لكن قول المثل الليبي “اللي يركب على الجمل ما يواطيش رأسه”.

في البداية لنفهم ما هي تكلفة الإنتاج؟ وما تأثير ارتفاعها على اقتصاد الدولة؟.
إنَّ أكثر المتضررين من انخفاض سعر النفط هي الدول المنتجة ذات التكلفة الإنتاجية العالية وارتفاع التكلفة يعد مقياسا لمدى تأثر الدولة من انخفاض أسعار النفط، حيث يختلف سعر إنتاج برميل النفط باختلاف الدول المنتجة والتكلفة الإجمالية لإنتاج النفط تعتمد على التكلفة الرأسمالية والتكلفة التشغيلية لإنتاج برميل واحد من النفط والتي هي:

1. تكاليف الإنتاج التشغيلية:

التكاليف المتعلقة بعمليات ضخ النفط من الحقول وأعمال الصيانة ومرتبات العاملين بقطاع النفط وعمليات نقل النفط الخام وقد وصلت في ليبيا إلى 7.2 دولار للبرميل.

2. التكاليف الرأسمالية:

التكاليف المتعلقة بعمليات التنقيب والحفر والمعالجة وبناء المنشآت والأنابيب والمعدات والتي وصلت في ليبيا إلى 16.6 دولار للبرميل الواحد.

حيث يكون مجموع تكلفة الإنتاج للبرميل الواحد في ليبيا هو 23.8 دولار وهذه التكلفة مقاربة لإنتاج النفط الصخري الذي يعد الأعلى عالميا. وكي نستوعب ما مدى ارتفاع تكاليف إنتاج برميل النفط بمقارنة أسعار تكلفة إنتاج برميل من النفط في مصدرين مختلفين كلياً حيث أن تكلفة استخراج النفط في الدول العربية لا تتجاوز الـ13 دولارا للبرميل في حين أن تكلفة الإنتاج في كندا أو الولايات المتحدة الأميركية تصل إلى 41 دولار للبرميل، ويجب أن نشير هنا إلى أن ما يسبب ارتفاع التكلفة هو استنزاف مصادر النفط الرخيصة واللجوء للمصادر الأكثر كلفة مثل النفط الصخري.

ويمكن القول إن طبيعة وجغرافية المكان هي أهم العناصر المؤثرة على تكلفة الإنتاج النفطي، حيث نلاحظ أن تكلفة الإنتاج في الحقول البرية أقل بكثير من تكلفة الإنتاج في الحقول البحرية بالمياه الضحلة أما تكاليف الحقول في المياه العميقة كما هو الحال في خليج المكسيك و نيجيريا فهي مرتفعة جدا وتزداد تكلفة الاستخراج كلما امتد الاستخراج إلى مخزونات أو احيتاطيات ذات جودة أو نقاء أقل.

لذلك نجد أن التكلفة الإجمالية لإنتاج برميل واحد من النفط البريطاني تشكل الكلفة التشغيلية منه 30.72 دولار ونفقات رأسمالية 21.78 دولار للبرميل والكلفة الكلية 52.5 دولار بسبب صعوبة الاستخراج في الأحواض البحرية في حين إن أدنى تكلفة إنتاج للنفط في العالم هي النفط الكويتي حيث تصل إلى 8.5 دولار للبرميل الواحد أما برميل النفط السعودي فتبلغ تكلفته الإجمالية 9.9 دولار منها 4.5 دولار نفقات رأسمالية و5.4 نفقات تشغيلية بينما تبلغ تكلفة برميل النفط العراقي 10.7 دولار (5.6 دولار نفقات رأسمالية و 5.1 دولار نفقات تشغيلية)، ويليه النفط الإماراتي بتكلفة إنتاج البرميل الواحد 12.3 دولار، منها 6.6 دولار نفقات رأسمالية و5.7 دولار نفقات تشغيلية مع العلم أن هذه الدول تستخدم أحدث التقنيات وآخر ما توصل إليه العلم من تقنيات ذات تكلفة عالية في التنقيب والاستخراج.

وفي ليبيا التي ما زالت تستعمل التقنيات الرخيصة وشبه البدائية تعتبر أعلى تكلفة لإنتاج النفط الخام. حيث يبلغ إجمالي تكلفة الإنتاج في ليبيا 23.80 دولار للبرميل الأمر الذي يطرح السؤال، لماذا؟

ويذكر أن تكلفة استخراج النفط العراقي الذي يعاني ظروف أمنية مشابهة لليبيا منخفضة هي الأخرى بالرغم وجود العديد من التحديات السياسية والأمنية التي تزيد من تكاليف الاستثمار في قطاع النفط العراقي وما زال العراق يواجه تحديات كبيرة نتيجة الأزمة المالية التي تعانيها البلاد والمواجهات التي حصلت مع تنظيم داعش وما رافق ذلك من أزمات أمنية.

و هنا يجب أن نشير وننوه بأن انخفاض أسعار النفط العالمية يكون تأثيره على الدول ذات الكلفة الإنتاجية العالية أشد والتي تأثرت موازناتها وتتكبد خسائر كبيرة، وقد شرعت الكثير من هذه الدول باتباع خطط تقشفية وترشيدية ، وهناك دول مثل العراق وفنزويلا وهي الدول الريعية الأكثر اعتمادا على النفط لم تصل تكلفة إنتاجها إلى تكلفة الإنتاج في ليبيا رغم أن المستخدمين في قطاع النفط في هاتين الدولتين يمثل أضعاف العدد في ليبيا وكذلك مرتبات العاملين في القطاع أضعاف ما يتقاضاه المستخدم في ليبيا. لماذا؟؟

مع التأكيد أن الفساد في قطاع النفط الليبي يعتبر هو الأكبر والأخطر إلا أنه ما زال متوارياً خلف أسوار قلعته الحصينة والمنيعة المشيدة منذ عقود النظام السابق ولن تنكشف خفاياه وأسراره الكبرى إلا في حال تصدعت جدران قلعة الفساد الحالية.

الفساد في قطاع النفط في ليبيا له تاريخ طويل إلا أنه تضاعف وتشعب وازدادت شراسته منذ سنة 2011 وعجزت وزارة النفط سابقا والمؤسسة الوطنية للنفط عن معالجة الاختلالات وزادت عملية الفساد ولم تقم بمعالجة أو تقديم حلول عملية سواء للمشاكل السابقة أو الحالية الأمر الذي فاقم التدهور الاقتصادي بحكم اعتماد الاقتصاد الليبي على عوائد الصادرات النفطية التي تمثل نسبة 95 % من اقتصاد البلاد.

توجد في ليبيا شبكة للفساد في الشركات النفطية المنتجة تربط بين أعضائها المصالح المادية وتتستر على أفرادها وهي غالبا ما تتلاعب في الترقيات والتنقلات الإدارية والتعيينات حيث يتم اختيار الإدارات في هذه الشركات بعناية فائقة وبواسطة أشخاص متمرسين ذوي خبرة عالية في الفساد ونهب المال العام وكل منهم يوظف الأسرة والأقارب على شكل متعاقدين أو منتدبين من وزارات أخرى دون أي ضوابط قانونية محتكرين كل ما من شأنه أن يسمح بصرف المال العام وبأبشع الأساليب والإجراءات والممارسات حتى يصل الحال بالبعض من ضعفاء النفس والإرادة إلى الاستسلام والسير في ركبهم.

هذه الشبكة الفاسدة تعتبر هي العامل الأساسي في ارتفاع تكلفة إنتاج النفط في ليبيا من خلال عدة أساليب منها على سبيل المثال لا الحصر ما يغلف بطابع قانوني لاستنزاف المال مثل:

· ابتزاز المستثمرين الحقيقتين وفرض الشراكة معهم مقابل منحهم عقوداً بمبالغ مضاعفة للتكلفة الحقيقة.

· المناقصات المخالفة للشروط وعقد صفقات مباشرة دون إجراء المناقصات وبدون وجود أي رقيب أو حسيب مما يتسبب بخسائر مئات الملايين تذهب إلى أرصدة الفاسدين.

· تنفيذ مشاريع عبثية وغير ضرورية بهدف نهب الخزينة واستغلال المال العام.

· التعاقد مع شركات محلية ليست لديه القدرة ولا الخبرة ولا الإمكانات لإنجاز العمل لكنها فقط تابعة لكبار الفاسدين في الدولة.

· تقاضي كبار المسؤولين لعمولات من الشركات الأجنبية مقابل موافقتهم على صفقات مشبوهة.

· تدمير البيئة الطبيعية والعجز في مواجهة التلوث واستخدام طرق بدائية في التعامل مع النفايات.

· كبار المسئولين في الدولة يؤجرون عقاراتهم كمقرات ومباني للشركات الأجنبية مع أن المتعارف عليه عالمياً ان الشركات النفطية تبني مقراتها ومنشآتها التي تؤول عند نهاية عملها إلى الحكومة ويتم التأجير بمبالغ خيالي.

· عدم توفير معدات رسمية رغم المبالغ الكثيرة التي تنفق على المشاريع والقطاعات ويتم العبث بها فمثلاً لا يوجد قطع غيار و لا صيانة لحفارات شركة الحفر الوطنية في حين المقاول المتعاقد بالباطن مع شركة الحفر الوطنية متوفر لديه كل ما سبق بسبب وجود شركاء من شخصيات نافذة.

· محاربة ووضع العراقيل أمام الشركات الخدمية الوطنية مثل الجوف والحفر الوطنية من قبل صغار الموظفين مقابل رشاوى تدفع لهم من شركة خاصة تطمع أن تتحصل على العطاء ووصلت بأحد الموظفين في إحدى الشركات المنتجة أن قام بكتابة تقرير لاستبعاد شركة الجوف مقابل دراجة رياضية.

· مبالغ شهرية تصل إلى ملايين الدولارات تدفع لبعض المليشيات لحماية لوبي الفساد وتدفع بحجة حماية مواقع نفطية وفي الحقيقة هي لحماية عصابة نفطية.

· استقدام عمالة رديئة الكفاءة والجودة وباهظة التكاليف وفي تخصصات فنية ومهنية وخدمية بسيطة من قبل الشركات المقاولة من الباطن بكلف وأسعار عالية ما يترتب عليه رفع كلف الإنتاج

· يتم صرف مبالغ مالية كبيرة كمكافآت نثريات وبدلات لمديري الإدارات وكبار المسؤولين ويتم صرف مبالغ مالية في عدة كشوف حيث تكررت في جميعها أسماء بذواتها سواء كان الصرف مكافأة أو بدلات أو نثريات أو صيانة أو مهام خدمية أو إدارية بسيطة يقوم بها الموظف العادي وتعتبر جزء من مهامه أو من صميم عمله في حين هنالك عبث واستبداد وعراقيل توضع لإيقاف مستحقات المستحقين من المهندسين والفنيين في قطاع النفط .

“يعني بمختصر العبارة أنه مقابل كل برميل نفط يصدر من ليبيا هنالك 11 دولار تذهب إلى جيوب أعضاء شبكة الفساد في قطاع النفط”

و يجب أن لا ننسى تهريب المشتقات النفطية الذي أصبح معروفا عند الكل والذي لم تتجرأ حكومة الفساد واللوبي من خلفها على قطع دابرها برفع الدعم عن المحروقات على الرغم من أن أصوات المواطن البسيط صارت ترتفع مطالبة برفع الدعم حتى وإن كان على حسابه هو وأسرته لكن لوبي الفساد يسمح بصدور هكذا قرار فهو المستفيد من الدعم ولا ينال المواطن من هذا الدعم إلا الاسم الكاذب.

إن الفساد بات أحد أبرز سمات المشهد في ليبيا ليزيد الطين بلة في ظل الأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد التي باتت تصنّف من الدول العالم الأكثر فسادًا حسب مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية وهو ما يهدد بمزيد من الخسائر في القطاع النفطي وما سيترتب على ذلك من عجز في الميزانية إذا لم تشهد أسعار النفط طفرة جديدة, لكي تتواصل معاناة المواطن الليبي في ظل تغول لوبي الفساد في ليبيا.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى