الصدى الثقافي

الشّاعرة التونسية نسرين مباركة حسن : امرة خاسرة

الشّاعرة التونسية نسرين مباركة حسن

مستعدّةٌ أنا أن أفعل المستحيل

مستعدّة أنا أن “أعيش” لأجل هذا البلد

مستعدّة أنا أن أقوم صباحا

وأضع غلاّية القهوة على نار هادئة

وأن أرتّب شعري بطريقة لائقة

وأن أرتدي فستانا بزهر الرّبيع

وأبتسم لرجال الحيّ اتسامة صادقة


مستعدّة أن أخطو نحو الرّتابة

مستعدّة أنا أن أقول صباح الخير

-“صباح الخير أيتها الكابة”

وأنا أعرف تماما أنّ الخير

صورتنا الجميلة التي نعلّقها في السماء

لنحلم بها

فتزمجر فوقنا

وتمطر بعيدا مثل أيّ سحابة

ومع ذلك “صباح الخير أيتها الكابة”


مستعدّة أنا أن أضع أحمر الشّفاه

وأن أقبّل الحجر

وأن أعلّق وحدي على رائحة الياسمين

اذا ما تضوّع في الكروم

ولا ألعن الضّجر


مستعدّة أن أفكّ عن القبيلة

لعنة الساحرة

وأعجن مع الربّ لغة أخرى

حتّى نقول كلاما جمبلا

كلاما عميقا

لا ينسحب كدخان السّجائر

كغيمة عابرة

لا ينتهي اذا ما انتهينا

ووضعنا جانبا جسدينا

ليموت النّوم طوبلا

وأفنى أنا في النشوة الخاسرة

ماهكذا تفتح فراشات الدنتيل عن ظهور النساء

إن الحبّ فلسفة ماكرة

سأقترح على الربّ حروفا ناسفة

وحروفا خافتة

وحروفا سائلة

وحروفا ناسلة

وحروفا ثائرة

حتى نقول كلاما جميلا

كلاما عميقا

اذا ما انتهى صوته من المدى

لا ينسحب من الذّاكرة


مستعدّة أنا أن أفعل المستحيل

مستعدّة أنا أمشي هذي الطريق

وأشدّ زوايا الشفتين الى الأعلى قليلا

وأدّعي أني أبتسم لما يحدث حولي

وهل يحدث حولي شيئا قليلا

وكيف للابتسام..مجرّد ابتسام

أن يصبح -في هذي البلاد-شيئا مستحيلا


مستعدّة أنا أن لا أتثبّت في الخطى

في المشية العاثرة

في الخطوة المتصلفة

في الأقدام المسرعة

بلا موعد بلا مكان

المشي متشابه كامتداد الصّفوف

مهمّش وفوضوي

وجهنّمي ومتسارع

كأنه اقتطاع لتذاكر الاخرة


مستعدّة أنا أن أفعل المستحيل

أن لا أتثبّت في الخطى الغاضبة

بلا سبب وبسبب

تمشي ذات المشية في سوق الحرير في سوق البعير

في سوق الذهب

في المدرسة في الحافلة في المستشفيات

في مسيرات الارتياح والرضاء

في مسيرات الاحتياج والاحتجاج

في مسيرات الغضب

“لا نعرف حتى كيف نمشي!”

ومع ذلك مستعدّة أنا أفعل المستحيل

وأصل المواعيد السّخيفة

في “الانحناءة” المجاورة

تماما دون تأخير “على الساعة العاشرة”

لأعود غدا

وبعد غدٍ

وأقف طويلا في انتظار الأماكن الشاغرة

مستعدّة أنا أن أفعل المستحيل

لكن لا يمكن أن تصفق عينايا للصّلف

ولو غمزة ولو طرف

أموت من أجل موعد

ولا أحيا حياة عاهرة

ومع ذلك مستعدة أنا أن أفعل المستحيل

فأرفع اللّبس عن هذا الجسد

وأدخل الحياة من بابها الكبير

امرأة خاسرة


مستعدة أنا أن أفعل المستحيل

وأقول في الصّحافة

أنّ النظام التربوي تربويٌّ

وقابل للاصلاح

سأكتب مقالة بلا نكد في الصّفحة المتفائلة

ليبدو الأمرا ناجحا جدا

ومتماسك ومتناسق وتوافقيّ

فالتوافق سُنّةَ هذا البلد

مبارك كالتناصف وضروريٌّ

ستنجح كل الأشياء

مثلما مضى من أشواط النكاح:

البرلمانيّ والتشريعيّ والرّئاسيّ

وسينجح حتما شوط النكاح “البلديُ”

مستعدّة أن أفعل المستحيل

وأظهر حماسي الشّديد للنتيجة

وأبتهج كثيرا فأقفز مثلما كنت أفعل عندما كنت صغيره

ذلك أني “ابتهجت” اخر مرّة عندما كنت

“لا أعرف كيف أحتسب عمري”

فاذا ما سألوني

رفعت شارة النصر كثيرَا

كم كنت حين كنت لا أعرف عمري صغيره


مستعدّة أنا أن أفعل المستحيل

وأكتب قصيدة عن الأمل

ولو عاش بعيدا عن هذي البلاد

لاجئا في مصبّات الدّول

مستعدة أنا أن أفعل المستحيل

لأكتب سطرا في هذا الفضاء

مدوّن بالوقت والذاكرة

لأصدّق فيروزنا حين تغنّي

“ايه فيه أمـــــــــــــــــل”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى