الأخبارمقالات و تحليلات

الكيالي، و شحرور، وعدنان .. وشعور الخوف على ديننا العظيم / هشام حمزة

العنوان الأصلي للمقالة : الكيالي، وساقا بلقيس (1-2)

هشام حمزة / إعلامي وخبير متخصص في علوم اللغة العربية

حينما أضطر إلى الاستماع لما يقوله علي الكيالي، ومحمد شحرور، وعدنان الرفاعي، وأمثالهم، تنتابني الخشية، والخوف، على ديننا العظيم، فالكيالي مثلًا، يخوض في العلم، واللغة، لدعم أفكاره المضللة، ولكنه يخفق في الأمرين، فلا يفلح في ميدان العلم، كما قال عالم الفيزياء العراقي الدكتور محمد باسل الطائي، ولا أصاب من حيث اللغة، كما يقول أهل اللسان العربي المبين، وهو لا يملك من اللغة إلا لهجته الحلبية، ومخارج حروفه المضطربة.
يذكرني هؤلاء بأناس أعرفهم من قرب، فقد عشت معهم أيام الطفولة، والشباب، والكهولة، وأذكر منهم، على سبيل المثال، ذلك الصديق المُدَّعي، الذي كان يحاول مجاراة جلسائه، بزعم أنه يعلم، ويعرف، مثل ما يعلمون، ويعرفون.
فمرة قال أحدهم إنه رأى صباح فخري في دمشق، فسارع محمود بالقول: وأنا أيضًا التقيت صباح فخري، وكانت ترتدي (فستانًا) أحمر، فانقلب الحاضرون على ظهورهم من شدة الضحك، وقالوا له: هذه كذبة كبيرة يا محمود، فصباح فخري رجل.
وكان لي صديق اسمه عثمان، ينتقد أي طعام يقدم في الولائم، حتى ولو كان من صنع أمهر الطهاة، فكان يقول مثلًا، هذا الطعام ينقصه كذا، وكذا، وهذا الطعام لا يصنع بهذه الطريقة، واللحم قليل، و….
في إحدى الولائم، وكان صاحبها طاهيًا مشهودًا له بإتقان صنعته، ومشهورا بالدعابة والظرف، وضعت المائدة وعليها ما لذ وطاب من الأطعمة والمأكولات، وفيها طبق من الدجاج. وقبل أن يدعو صاحب الوليمة ضيوفه إلى الطعام، فتح كتابًا للمرحلة الابتدائية، وقال لأحد الضيوف: اقرأ، فقرأ الضيف: الدجاجة طائر، له جناحان، ورجلان و…
تعجب الضيوف من هذا الأمر، وقبل أن يسألوا المضيف عن سر هذه القراءة، قال: هذه ثلاث دجاجات على المائدة، وهذه ستة أفخاذ، وستة أجنحة كاملة، وقد خشيت أن يقول عثمان: أين الفخذ السابع، أو الثامن، أو التاسع؟
هذا حال علي الكيالي، والشحرور، والرفاعي عندما يفسرون القرآن، وهم يسيرون على المثل القائل: خالف تعرف، وبالفعل فقد عُرِفوا، ولا يهمهم إن كانوا على حق، أو باطل.
في تفسير الكيالي آية في سورة النمل، لم يعجبه أن تكشف بلقيس عن ساقيها، وقال كيف للنبي سليمان عليه السلام، أن يصنع حيلة لبلقيس، حتى تكشف عن ساقيها؟ وقال: هذا ليس من أخلاق الأنبياء.
هذا هو الكيالي المضلل، يفسر على هواه، والآية الكريمة لم تذكر من قريب، أو من بعيد، أن هذا مكر مكره سليمان لإجبار بلقيس على كشف ساقيها، وإنما أراد أن يبين عظمة الخالق، وقدرته على خلق أعظم مما تملكه بلقيس، فأمر جنوده من الإنس، والجن بإحضار عرش بلقيس من سبأ، وبناء صرح من الزجاج، فلما رأته بلقيس حسبته ماء، وكان لا بد أن ترفع طرف ردائها حتى لا يبتل من الماء، الذي توهمته. أما الكيالي فقد فسر(كشفت عن ساقيها) بالأمر الشديد، وبأن الأمر لا يتعلق بساقي بلقيس، مستندًا إلى قول العرب الذين يَذْكُرونَ الساقَ إذا أرادوا شدَّةَ الأمرِ، والإِخْبارَ عن هَوْلِهِ، لكنه كعادته، يستدل بما يريد، ويتناسى ما لا يوافق هواه، والآية واضحة جلية، فهي تتحدث عن ساقين، ساقي بلقيس، وليست ساقا واحدة، وسياق الآية يثبت ذلك، وهذا ما لا يعرفه الكيالي وأمثاله، إن أحسنَّا الظن، أو يتجاهله عمدًا لغرض في نفسه، وهوى، والله أعلم.
يقول الله تبارك وتعالى:
(قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين(44) سورة النمل.
أتحفنا الكيالي بتفسيره، الذي لم يسبقه إليه أحد من العالمين، كما زعم، ونسي، أو تجاهل قصة يوسف عليه السلام، عندما أمر بإخفاء صواع الملك، حيلة منه لإبقاء أخيه عنده، وأن للأنبياء وغيرهم أن يمكروا، في أمور يراد بها الخير والإصلاح.
سأحدثكم في مقال آخر عن تحدي الكيالي لعلماء الأمة أجمعين، عندما قال: (أتحدى أن أحدًا قبلي أدرك التفسير الصحيح لآيتين في سورة الكهف، وهما: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ…)، و(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ…)، وقال إنه يعلم بسر تحول القرية إلى مدينة، ما بين المساء والصباح.
وأنا، طالب العلم الصغير، أقول له: تعلم اللسان العربي، قبل أن تتحدى، وأتحداه أن يقرأ آية واحدة من القرآن الكريم، كما ينبغي، ومن دون فواحش النطق، و(كبائرالإثم) اللغوية.

……………....الكيالي، وساقا بلقيس (2-2)………………………

يقول علي الكيالي إنه جاء بما لم يستطعه الأوائل، بعد أن تحدى علماء الأمة كافة، بأن يبلغوا مبلغ علمه بسر تحول القرية إلى مدينة، في الآيتين الكريمتين من سورة الكهف، وهما:
(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ …)
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا…)
قال الكيالي: كانت قرية في المساء، وفي الصباح صارت مدينة، ولا أدري كيف عرف أن الأمر كان بين مساء وصباح!
يقول الكيالي إن القرية تطلق على تجمع بشري، كله من الكفار، أو البخلاء، أو من تجمعهم كلهم صفات مشتركة ليست حميدة.
أما المدينة فهي تضم مؤمنين وكفارًا، وأناسًا غير متجانسي الصفات…ولذلك سماها الله في الآية الأولى قرية، لأن أهلها أجمعوا على البخل، والشر، ثم سماها مدينة في الآية الثانية لذكر اليتيمين، وأبيهما الصالح، وهذه حجة داحضة، وافتراء على لغة العرب الفصحاء، والقرآن الكريم. فهذه آية من آيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أن القرية قد يكون من أهلها المؤمنون والكفار، والأخيار والأشرار:
(وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75)
فهؤلاء المستضعفون هم أهل القرية من المؤمنين، لذلك دعوا الله أن يخرجهم من القرية، ويبعدهم عن الظالمين.
وفي سورة يوسف، قال الله عز وجل على لسان إخوته:
(وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)، وهذه القرية فيها يوسف، عليه السلام، ومعه مؤمنون.
وهذه قرية ثالثة، فيها النبي لوط عليه السلام:
(وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ).
وتقول العرب: القَرْيةُ قد تطلق على المدينة، جمعُها قرًى،
وأُمُّ القُرى هي مكة، والقَرْيَتَان، في قوله تعالى: (رجلٍ من القَرْيَتَيْن عظيمٍ)؛ مكة، والطائف، فمكة قرية، ولا يخفى على أحد أن إبراهيم عليه السلام، عاش فيها، وكذلك رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن آمن برسالته.
إذن، هذه هي القرية، وليس كما أرادها الكيالي.
الأهم من ذلك أن لا ترادف في القرآن الكريم، كما قال علماؤنا بالإجماع، فلا يطلق اسمان على مسمى واحد، أو معنى، أو مدلول واحد، فلا يمكن أن تسمى قرية مرة، ومدينة مرة أخرى، وهي ذاتها تلك القرية التي فيها الجدار. لذلك أرى، والله أعلم، أن الآية الأولى تتحدث عن قرية، والآية الثانية تذكر مدينة غير تلك القرية، والأمر هنا يتعلق بسياق الآيات التي تحدثت عن رحلة موسى، والرجل الصالح (الخضر)عليهما السلام.
بدأت الرحلة بركوب السفينة:
(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا).
ثم وصلا إلى المدينة، وهذه تُعلم من سياق الآية، إذ لا بد، بعد وصول السفينة إلى الشاطئ، من أن يدخلا في المدينة، وهناك كانت قصة الغلام:
(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ….)
المحطة الثانية كانت القرية، ويعلم ذلك أيضًا من سياق الآية، فكلمة حتى تفيد الانتقال من مكان إلى آخر:
)فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ…).
انتهت الرحلة، وبدأ (الخضر) تَأْوِيلِ القصص الثلاث، وبدأ بقصة خرق السفينة، وبيَّن أن هناك ملكًا يأخذ السفن السليمة، الخالية من العيب، ومقر الملك كما معلوم، لا يكون في القرية، بل في المدينة:
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا).
وهنا الدليل، والله أعلم، على أن الجدار كان في القرية، وأن اليتيمين كانا يعيشان في المدينة بعد وفاة والدهما، والدليل قول الله تبارك وتعالى:
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ…)، ولو كان الغلامان في القرية، والمدينة هي نفسها القرية، لما كانت هناك حاجة لذكر المدينة، ولو كان الأمر كما قال الكيالي، القرية نفسها صارت مدينة، لكفى أن يقال، (خارج القرآن): (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين)، لأن موسى يعلم أن الجدار كان في القرية، هذا كلام البشر، فما بالكم بلغة القرآن المعجزة بإيجازها، وبلاغتها!
هذا هو الكيالي الذي يحاول الاجتهاد، وهو أمر محمود، لكن عليه أن يتفن العربية، لغة القرآن الكريم، أولًا، وأن يقرأ، ويتدبر، وأن يفسر الآيات من خلال سياقها، وألا يجتزأ، أو ينتقي من القرآن آيات لتأييد رأيه، في الظاهر، ويتجاهل أخرى، تدحض مزاعمه بالأدلة والبراهين.
في مقالة مقبلة، إن شاء الله، سأحدثكم عن تحميل الكيالي آدم عليه السلام المسؤولية الكاملة عن خروجه، وزوجه حواء عليهما السلام من الجنة، فجاء بآيات تبين أن آدم وحده الذي عصى، وأكل من الشجرة، وغوى، وغض البصر عن آيات أخرى تبين أن آدم وحواء اشتركا في ذلك. لا أدري، لعل الكيالي يريد أن يسبق من يسمون أنفسهم(زورًا) دعاة تحرير المرأة، وهي الكريمة الحرة، في إسلامنا العظيم، وصاحبة المكانة السامية في ديننا الحنيف.

 

نقلا عن صفحة الكاتب هشام حمزة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى