أخبار موريتانياالأخبارالصدى الثقافي

تخليد مولد النبي صلى الله عليه وسلم في مدينة الشيخ إبراهيم نياس / محمد الحافظ ولد محم

محمد الحافظ ولد محم/ اعلامي وباحث في الثقافة الاسلامية العربية

لقد من الله عليُّ هذه الأيام بالتعرض لنفحات مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في مدينة الشيخ إبراهيم نياس التي شددت الرحال إليها في العشر الأوائل من شهر ربيع الأول الأنور، مع آلاف المؤمنين الصادقين القادمين من كل اصقاع المعمورة  ، وذلك لتعظيم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونصرته وتوقيره.

وهكذا نفعل ومنذ عشرات السنين والحمد لله رب العالمين . ولقد من الله عليّ ، فضلا منه وكرما ، أن حضرت مع شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم تظاهرات تخليد المولد النبوي الشريف مرتين أو ثلاثة قبل وفاته رضي الله عنه ( يوم السبت 15 رجب من سنة 1395 الموافق 26 يوليو 1975). ومن هذه المواسم التي حضرت آخر مولد للشيخ إبراهيم نياس في عام 1395هـ.

وقد تميز الشيخ إبراهيم بمحبته للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث حرم على نفسه الشعر إلا في مدحه عليه الصلاة والسلام، وقد بلغت دواوينه المديحية حوالي (6000) بيت، تضاف إلى ذلك الأنظام والخطب والتوجيهات والرسائل والفتاوي التي تركز كلها على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمسك بشريعته والاهتداء بهديه.

وقد ألف في نصرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كتابه “نجوم الهدى في كون نبينا أفضل من دعا إلى الله وهدى” الذي ترجم إلى اللغات الأجنبية.

 

برنامج الشيخ إبراهيم في الاحتفال بالمولد

أسس الشيخ إبراهيم نياس في هذه المنطقة من إفريقيا تخليدا متميزا للمولد النبوي الشريف؛ فهو يفرح به ويحتفل به من أول يوم من أيام شهر ربيع الأول وهو القائل:

هنيئا لإبراهيم لاح هلاله *** هلال بدا للناظرين جماله

هلال ربيع فيه جاء محمد *** فتم لنا البشرى وعم نواله

وتتلخص مظاهر احتفال الشيخ إبراهيم نياس بالمولد النبوي في الأمور التالية:

– حفل للمديح النبوي في أول ليلة من ليالي شهر ربيع الأول، ينظم بعد صلاة العشاء، ويقرأ فيه الشيخ مقطوعات مديحية مركزا على قصيدة العلامة محمدي (بدي) بن سيدينا المعروفة “بتهنئة الربيع” ومطلعها:

تهنئة الربيع *** بمدحة الشفيع *** بالمنطق البديع *** أبغي بها مؤملي

ويستمر هذا الحفل في كل ليلة إلى ليلة المولد.

– تنظيم حفل ثقافي كبير مساء الـ 11 ربيع الأول يلقي فيه الشيخ الكلمة المولدية الرئيسية يتحدث فيها عن صاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام، ويوجه الناس إلى ما فيه الخير والرشاد، ويتحدث عن الأوضاع الراهنة للمسلمين ويدعو الله للحاضرين وللأمة الإسلامية جمعاء.. ويستمع الشيخ إلى الشعراء والخطباء وهم يتبارون في مدحه عليه الصلاة والسلام.

– بعد صلاة العشاء من ليلة المولد يتوقف الحفل الثقافي ويبدأ إطعام الطعام إكراما لضيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ويشاهد الزائر في المساء ذبائح البقر أمام العديد من منازل مدينة الشيخ.. وفي الليل توزع الموائد هنا وهناك.

– بعد منتصف الليل تبدأ سهرة المولد وهي مخصصة للمدائح، ومحاضرات عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد تتاح الفرصة لخطابات وقصائد لم يجد أصحابها الفرصة في الحفل المسائي.. هذه السهرة الكبرى تستمر إلى ضحوة يوم المولد، وفي نهايتها يتقدم من اقتنعوا بهذا الدين القويم إلى الشيخ للدخول في دائرة الإسلام ويعلن لهم الشيخ الشهادة ويكررها كل واحد منهم.. ويبدل لهم الشيخ أسماءهم بأسماء المسلمين.

وفي كل مرة يعتنق الإسلام العشرات من المسيحيين والوثنيين.. ويستمع الشيخ في نهاية هذا الحفل إلى الأطفال الذين حفظوا القرآن ويهنئ آباءهم وهو القائل:

فلتجعلن حفظ كتابك الكريم *** كرامتي إلى لقائك العظيم

ويختم هذا الحفل بختمة للقرآن الكريم قراءة في المصحف ثم الدعاء.

كان الشيخ إبراهيم نياس يشرف بنفسه على هذا البرنامج الاحتفالي بمولده صلى الله عليه وسلم ويدعو له الوفود خاصة من الدول العربية وقد حافظ خلفاء الشيخ من بعده على هذا البرنامج ولم يزيدوا على ذلك، إلا أنهم واكبوا تطور الوسائل والتقنيات؛ فقد رمموا المنصة القديمة التي كان الشيخ يقيم عليها هذه الحفلات وشيدوا فوقها خيمة كبرى بصناعة حديثة ومجهزة تجهيزا كاملا ومثبتة، تتسع لآلاف الزائرين.

وأقاموا شاشات كبرى لنقل الحفل لمن لم تتسع لهم خيمة الحفل.. وأصبحت هذه الاحتفالات تنقل عبر الإذاعات المحلية مباشرة وكذلك عبر التلفزيونات، وأقيمت في مدينة دور للضيافة مع أن كل منازل أهل مدينه دور للضيافة خلال هذا الموسم.

 

استنباط الشيخ لهذا الاحتفال

لم أتبين متى بدأ الشيخ إبراهيم نياس الاحتفال بالمولد النبوي على هذا النحو.. لكن كتاب : (جواهر الرسائل الحاوي بعض علوم وسيلة الوسائل مولانا الشيخ الحاج إبراهيم بن الحاج عبد الله التجاني الكولخي) لجامعه وناشره الشيخ أحمد أبي الفتح بن علي التجاني.. هذا الكتاب يحوي عدة كلمات ألقاها الشيخ إبراهيم نياس في حفل المولد ، وأقدمها كانت في عام 1380هـ (1960).. ويقول فيها الشيخ: (إن الله تعالى بهذا العيد السنوي لأهل محبة سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين أوجد لنا مؤتمرا يجمعنا مع أحبابنا من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى الجنوب بل ومن الأرض إلى السماء والإنس والجن والحيوانات والجمادات فرحا بالحبيب المقرب وتعظيما وإجلالا له صلى الله عليه وسلم).

ويتحدث في هذه الخطبة عن سبع نقاط:

أولا: تصحيح الإيمان بالله الذي له ملك السماوات والأرض لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا ولا ظهيرا ولا وزيرا تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

ثانيا: إتقان العبادة لله بالإخلاص كما أمرنا قال جل وعلا “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين”.

ثالثا: المنافسة في محبته صلى الله عليه وسلم لأنه حبيب الله.

رابعا: تعلم الدروس التي ألقتها علينا حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم

خامسا: الوصية بالجد والاجتهاد في المحافظة على الفروض والسنن والآداب والأذكار والأوراد.

سادسا: العمل والكسب للمعاش ولا بد من الكد.. فالحياة عبارة عن العمل.

سابعا: السياسة؛ الإسلام ما فرق بين الدين والسياسة.

 

وشرح الشيخ كل نقطة من هذه النقاط وأورد الأدلة من الكتاب والسنة..

من جملة ما قال الشيخ  في النقطة الثالثة؛ أن عمل المولد نستنبطه من الآية الكريمة: “وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك”.. فنحن نقص أنباء نبينا ليثبت الله قلوبنا على الإيمان به وبما جاءنا به، لأننا نعرف يقينا أن الله عظمه بما لم يعظم به أحدا من خلقه من الأنبياء والمرسلين والملائكة ” .

 

تزامنت ذكرى المولد هذا العام مع الليلة الغراء ليلة الجمعة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة عليه فيها.. وقد سعدنا بحضورها مع الشيخ إبراهيم نياس وتعرضنا لنفحات هذه الذكرى السعيدة.. ذكرى مولد خير البشر الفاتح الخاتم  الهادي عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى