افتتاحية الصدىالأخبارمقالات و تحليلات

تصل براحة الوزير محمد فال ولد بلال رئيس “المستقلة للانتخابات” / محمد عبد الرحمن المجتبى

تنويه : تم نشر هذه الرسالة في نسخة الصدى الورقية بتاريخ 07/08/2018

محمد عبد الرحمن المجتبى /رئيس التحرير

معالي الوزير السابق الرئيس الحالي للجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات السيد محمد فال ولد بلال …، كنت تعرفت على جنابك الكريم خلال الحملة الانتخابية الأخيرة للرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع ، حيث كنت ناطقا باسمها ، كنت حينها مميزا بالنسبة للصحفيين ولي شخصيا من بين أباطرة الحزب الجمهوري ، بما تحرص عليه من توزيع دائم للابتسامات ، وبما تتحلى به من تواضع غير مألوف لدى كبار الشخصيات “الجمهورية” حينها ، وتوطدت معرفتي بك أكثر معالي الوزير عندما أجريت معك حوارا خاصا لقناة أبوظبي بعد سقوط ولد الطايع بشهور قليلة ، ولا أخفي أنني اكتشفت فيك خصالا نادرة تجمع بين التواضع والبساطة و الذكاء الخارق  والحنكة السياسية وبعد الرؤية وعمق استشرافها ، وطبعا لا أدعي من خلال هذه السطور الأهلية لتقييم شخصية بارزة بحجمك معالي الوزير الرئيس ، واليوم أستحضر ما عرفت من مناقبك المميزة لاستخدامها كمظروف لرسالتي التي أتمنى أن تجد لحظات من وقتك المشحون لقرائتها

سيدي الرئيس في هذه اللحظة الوطنية المفجوعة من أوجاع هذا الشعب التائه في دروب التنمية المؤجلة حتى إشعار لا يراد له أن يأتي ، يتم تكليفك برئاسة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ، ذلك الجهاز الذي يعود له ولرئيسه الدور المحوري الأبرز  في تطوير أو تدمير العملية السياسية والتنموية في البلاد.

كثيرون في المعارضة والموالاة شككوا في “طهارة”قرار تعيينك المفاجئ على رأس المستقلة للانتخابات ، وكثيرون قالوا فيك ما لم يقل مالك في الخمر ، ورهط من أهل “رترت” فتحوا لنا دفتر ذكريات الكادحين و التعيين المفاجئ على إدارة التوثيق ، وقلة هم من أنصفوك و استبشروا خيرا بهذا التعيين المفاجئ في منعطف سياسي حساس

ولكن بعيدا عن هؤلاء وأولئك بكل تأكيد يعتبر تعيينك موفقا بالنسبة لي إلى أقصى درجة ، فأنت خدمت مع هذا النظام قبل أن تستفيد من حقك في التقاعد ،وكنت قياديا في منتدى المعارضة بعد التقاعد ، وبالتالي وبغض النظر عن كل القراءات أنت حكم من أهله (النظام)و حكم من أهلها (المعارضة)

بيد أنك اليوم محسوب فقط على قسمك الدستوري  وضميرك المهني  وطنيتك التي  لا مجال للتشكيك فيها

سيدي الرئيس تعلم جيدا أكثر مني أن بلدنا منكوب بنخبه المتآمرة عليه ، وأن الوجع التنموي والديمقراطي بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لعلاج ناجع يستأصل الأوجاع المزمنة ، المترتبة على تراكمات العبث التنموي و التسيب السياسي والتزوير الانتخابي.

تدرك جيدا سيدي الرئيس أن هذه الاستحقاقات التي نخوض غمارها اليوم حساسة جدا لكونها تجري في منعطف تاريخي خطير ستحدد فيه الهوية الديمقراطية لبلادنا ، هل ستنعم بتناوب ديمقراطي هادئ وشفاف بعد شهور، يغسل بعض قبائح الوجه الديمقراطي الدميم ، أم أننا سنبقى في مربع “الديمكتاتورية” التي تسخر الدولة ومقدراتها لخدمة وعبادة طغمة حاكمة ، على حساب شعب مسلوب الإرادة مفعول به وبموارده.

سيدي الرئيس إنطلاقا مما سبق أعتقد أنك تشاطرني الرأي أنك الشخص الأهم والأكثر محورية اليوم في العملية السياسية الموريتانية ، فجسامة مهمتك يترتب عليها من المسؤوليات ما لا يخطر على بال ، و المشرع الموريتاني أنصفك بل أسعدك بما أتاح لك من الصلاحيات الواسعة ، تمنحك اتخاذ قراراتك بكل أريحية وأنت تشرف على العملية الانتخابية المصيرية في تاريخ البلاد.

سيدي الرئيس .. نحن لا نتوقع شفاء كل الأوجاع الديمقراطية على يدك في هذه المأمورية القصيرة ، لكننا نتطلع لحلم وحيد هو أن تعبر تجربتنا الديمقراطية  لمرحلة استحالة التشكيك في نتائج الانتخابات ، فخلال تغطياتي للإنتخابات في بلدان قريبة من موريتانيا وكنت أحضر سجالات سياسية حادة بين المنتخبين وبين المعارضة و الحكومة ، ولكنني لم أسمع مطلقا أي تشكيك في نزاهة لجنة الانتخابات ، (وما السنغال منا ببعيد)

فمتى تصبح اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات  فوق الشبهات في بلادنا ؟

تدرك جيدا سيدي الرئيس رداءة أداء اللجان السابقة ، باستثناء اللجنة الأولى في عهد الرئيس إعلي ولد محمد فال رحمه الله ، بقيادة العقيد المتقاعد الوزير والسفير الشيخ سيد أحمد ولد بابه أمين ، تلك اللجنة التي شهد القاصي والداني محليا ودوليا بنزاهتها وبروعة أدائها وتميزه ، رغم أنها أول تجربة في البلاد ، ويمكن الى حد ما  ، أن نضيف لها اللجنة الثانية بقيادة السفير المتقاعد سيدي أحمد ولد الدي وإن كان لم يمتلك الشجاعة الكافية لإعلان أو إلغاء الانتخابات ، واكتفى بالانسحاب والصمت في لحظة حساسة!!!.

و تدرك جيدا سيدي الرئيس سيطرة المخزن خاصة في المناطق الداخلية ، تدرك جيدا سيدي الرئيس ما يتم من تلاعب بإرادة الناخبين على يد “رجال الدولة” وبآليات الدولة وممتلكاتها ، وعلى يد رجال القبائل والعشائر و المشيخات التقليدية والروحية ، تدرك جيدا سيدي الرئيس كل معوقات العملية الانتخابية في البلاد ، شراء الذمم ، الضغط على المرشحين للانسحاب لصالح الحزب الحاكم ، التزوير.. التزوير.. والتزوير…

سيدي الرئيس تدرك كل ذلك فما ذا أنت فاعل ؟.. فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

سيدي الرئيس إن دورك اليوم في العملية السياسية محوري وحساس وباق للأجيال القادمة ، أنت من ستسطر الفصل الأهم من حياتك المهنية والسياسية ، وأتمنى من كل قلبي أن يكون فصلا مشرفا لك ولموريتانيا.

سيدي الرئيس إسمح لي أن أستحضر فقرة قصيرة من مقال لكم بعنوان لا مأمورية ثالثة ، والفقرة هي : (.. النظام الحالي على أهبة الاستعداد للسفر عنكم “اكراعُو اعل الحَارِكـ” حتى لا أقول إنه في الرّمق الأخير، وينتظر لحظة إعلان المغادرة؛ فالمسألة مسألة أشهر ليس إلاّ. وهو مشغولٌ الآن بتوظيف ما تبقي من أذرعه لتأمين خروجه بأقل ضرر ممكن، وصناعة « شيء » إسمه « برلمان » يكون آلة ضغط بيده وسيف مسلط على رأس خلفه).
-إنتهى الاستشهاد-

سيدي الرئيس لا شك أنها مفارقة غريبة أن تكون أنت شخصيا من سيتولى صناعة ذلك “الشيء الذي إسمه برلمان”.. فما ذا أنت صانع ؟؟

 

المصدر: “الصدى” الورقية العدد رقم 41 الصادر بتارخ 24 ذي القعدة 1439هـ الموافق 07/08/2018

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى