الأخبارتقارير ودراسات

ثلاثة سيناريوهات لصراع الحوثيين والراقص على رؤوس الثعابين “صالح”

الصدى – متابعات

الرئيس اليمني السابق ، علي عبدالله صالح

وكأنهم قد اكتشفوه للتو، انقلب الحوثيون على صالح واتهموه بأنه «الغدر» يمشى على قدمين، وكأنهم لم يكونوا هناك، وهو يناور ويساوم ويعقد الصفقات.. وبالمقابل، رد أنصار صالح «كرة الدهشة»، وفى هجمة مرتدة وصفوا الحوثيين بالفساد.. وفى لحظة فارقة اشتعل الموقف عندما تيقن الفريقان أن كل منهما رهينة فى يد الآخر.. وأن تحالفهما لم يكن سوى جولة من جولات رقص الأفاعى، ما يفتح الباب على سيناريوهات متعددة قد تؤثر على مستقبل اليمن لسنوات طويلة مقبلة.

يبدو أن نهاية الفنان الأمريكى المرموق كيفين كوستنر فى فيلم «الرقص مع الذئاب Dances with Wolves عام 1990» تتكرر مع الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح الذى يوصف دائما «بالراقص على رؤوس الأفاعي».

فقد تحول على عبد الله صالح إلى رمز للبقاء السياسى، والمكر وجفاف العواطف الوطنية، ولأجل ذلك لم يتورع عن التحالف مع أعدائه بالماضي، من أجل محاربة أصدقاء الأمس، فاليمن بكل تاريخه وتراثه أصبح مريضاً بسبب سياسات هذا الرجل المراوغ، وإفساده للبنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحول اليمن السعيد على أيدى صالح إلى بلد يموت فيه الجميع، فمن ينج من الحرب يمت من الجوع، ومن لم يمت من الجوع والفقر يمت بمرض الكوليرا.

وبعد الاشتباكات الأخيرة بين أنصار صالح والحوثيين على خلفية حشد صالح فى ميدان السبعين فى العاصمة صنعاء باتت كل السيناريوهات مفتوحة بين طرفى الانقلاب، فهناك من يرى أن صالح بات فى موقف أضعف رغم الحشود الكبيرة التى حشدها بمناسبة الذكرى 35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبى العام، لأنه خذل أنصاره بعدم المواجهة الصريحة مع الحوثيين، واتباعه أسلوب المهادنة مع الميليشيات، وتعهده بإرسال آلاف الجنود لجبهات القتال ضد التحالف العربى لإرضاء عبد الملك الحوثى، كما أن صالح لم يستطع أن ينظم الاحتفالية إلا بعد العودة لحزب الله الذى توسط لدى الحوثيين بأن صالح لن يقوم بانقلاب عليهم من خلال الحشود، وهو ما تجلى بعدم حمل أنصار صالح للسلاح بينما كانت تظاهرات الحوثيين بالسلاح .

 

لكن هناك فريقا آخر يقول إن صالح الذى أجاد لعبة “التحالفات” و”التخارج” منها قادر على أن يشكل الرقم الصعب فى معادلة الأزمة اليمنية فى المرحلة المقبلة، وأن صالح الذى حاول أن يلعب دور “المعارضة” من داخل (تحالف الحوثى – صالح) قد يعود بقوة إذا ما نجح فى سحب قيادات وعناصر حزبه من الجبهات، والانسحاب من الحكومة “غير الشرعية” التى شكلها مع الحوثيين بعد سيطرة عبد الملك الحوثى على صنعاء فى 21 سبتمبر 2014. وتعد هذه الحرب السابعة بين صالح والحوثيين.

 

الرئيس اليمني السابق ، علي عبدالله صالح

ثلاثة سيناريوهات

السيناريو الأول يقوم على تجاوز الحوثى وصالح لهذه الخلافات والعودة مرة أخرى للعمل معاً بشكل أقرب مما كان علية قبل الاشتباكات، ويلتزم صالح بإرسال آلالاف الجنود كما تعهد فى المظاهرات لجبهات القتال، وهو ما يطيل الأزمة، ويحول اليمن لدولة فاشلة، ويتعذر فيها الحلول الشاملة، ولا يكون أمام المناطق المختلفة إلا الحلول الجزئية والمناطقية، بحيث ينفصل الجنوب، ويتمترس صالح والحوثى خلف الكتل السكانية فى صنعاء والمناطق المحيطة بها، لكن هذا السيناريو ربما لا تقبل به دول الخليج لأنه سيؤثر على أمنها القومى، ويحول اليمن مرتعاً للإرهابيين، كما أن هذا السيناريو لن تقبل به الدول الكبرى التى تمر تجارتها، وسفنها العسكرية من مضيق باب المندب .

 

السيناريو الثانى هو تحول الاشتباكات إلى حرب شوارع حقيقية بين الحوثى وصالح، ويسحب كل طرف لمقاتليه من الجبهات مما يعطى الفرصة لانحياز سكان صنعاء للجيش الوطنى اليمنى الذى يستطيع دخول صنعاء فى ظل انشغال “صالح والحوثى بهذه الصراعات.

 

السيناريو الثالث هو نجاح التحالف العربى والرئيس هادى بعقد صفقة مع حزب صالح، وليس مع “صالح، لأن صالح أصبح من الماضى فى نظر كثير من اليمنيين، ومن شأن هذا السيناريو تسهيل هزيمة الحوثيين، وتساعد قوات الشرعية على دخول صنعاء، وهذا هو السيناريو الأقرب الأن فى ظل اتساع الفجوة بين صالح والحوثى، وفى ظل دخول إيران لتجنب حرب طويلة بين صالح والحوثى.

 

بداية الأزمة

بدأت الخلافات والتهديدات تتصاعد بين صالح والحوثي، إثر اتهام الأخير لصالح بالخيانة و”الاتفاق سرا” مع التحالف العربى بقيادة السعودية للانقلاب على الحوثيين، وإدخال أنصاره إلى العاصمة صنعاء، بغرض السيطرة عليها وفك الارتباط مع الجماعة. وقال عبد الملك الحوثي: “هناك علامة تعجب كبيرة تصل بحجم جبل، حول شغل البعض ممن تماهى سلوكهم مع سلوك قوى العدوان “

وأكد أنه “لا ينفع اليمن إلا الصمود، أما المبادرات والمساومات والصفقات فلا نتيجة لها”، فيما رد أنصار صالح بوصف الحوثيين بالميليشيات، واتهام ما يسمى “باللجان الثورية” بالفساد وأنها حكومة فوق الحكومة.

وزاد من الأزمة إصرار الحوثيين على عدم دخول أى سلاح مع أنصار حزب المؤتمر الشعبى العام الذى يقوده صالح، فيما تحكم الحوثيين بالسلاح فى 4 مداخل لصنعاء، وهو الأمر الذى أشعر أنصار صالح بأنهم رهائن فى يد الحوثيين، وعندما حاول الحوثيون إقامة نقاط أمنية قريبة من بيت نجل صالح حدثت اشتباكات قتل فيها عدد من مؤيدى الطرفين.

 

إيران على خط الأزمة

كشفت المعلومات القادمة من صنعاء أن إيران تسعى إلى رأب الصدع بين طرفى التمرد، ميليشيات الحوثيين، وفلول المخلوع صالح، وأن بعض أعضاء السفارة الإيرانية الذين لا يزالون فى صنعاء يقومون بهذه المهمة، و أن عناصر السفارة زاروا رئيس ما يسمى بـ”اللجنة الثورية العليا”، محمد على الحوثي، والتقوا بأعضاء المجلس السياسى للجماعة الانقلابية، وطالبوهم بتضييق هوة الخلاف مع المخلوع، ومحاولة الوصول إلى حد أدنى من الاتفاق بين الجانبين.، كما التقوا بممثلين عن المخلوع صالح، وعرضوا التوسط بينه وبين الحوثيين.

 

خلافات أيديولوجية

التحالف بين صالح والحوثى وصف دائما من قبل الشعب اليمنى بأنه تحالف الضرورة والانتقام، فـ “صالح” يسعى للانتقام من حزب الاصلاح الذى يتهمه بتجييش الجماهير فى الشوارع عام 2011، وهو ما أدى تسليم صالح السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادى، وفى نفس الوقت يرى الحوثى أنه لا يمكن أن يسيطر على القوات المسلحة اليمنية إلا من خلال بوابة صالح الذى يسيطر على قوات الحرس الجمهورى رغم خروجه من السلطة.

وبخلاف ذلك فإن لكل من صالح والحوثيين. مشروع يختلف تماماً عن الآخر لان مشروع صالح يرتبط بالجمهورية والجمهوريين، وهو الشعار الذى رفعه فى مظاهرات ميدان السبعين وجلب آلاف الأنصار، فيما يؤمن الحوثيون بمشروع طائفى سلالى يقوم على عودة الإمامة، ويطالبون بنظام سياسى أقرب إلى نظام الملالى الايرانى، وهذان المشروعان لا يمكن أن يلتقيا، ولهذا توقع الجميع فشل هذا التحالف منذ اليوم الأول لتشكيله.

 

رجل التحالفات

لم تكن سيرته الذاتية سوى مسلسل من التحالفات ثم الانقلاب على تلك التحالفات، تحالف صالح مع الجنوبيين وحاربهم، وحارب الحوثيين وتحالف معهم، وكذلك الحال مع السعودية التى تحالف معها وتلقى العلاج فى مستشفياتها ثم حاربها.

جعل صالح من نفسه “ساحرا” لتحقيق ذلك فأحكم قبضته على اليمن حتى بعد خلعه من الحكم بعد اندلاع الثورة اليمنية، حيث لا يزال لاعبا رئيسيا فى أحداث اليمن.

 

صالح والوحدة

فى 22 مايو 1990 أعلن شطرا اليمن قيام الوحدة اليمنية، ليكون صالح رئيسا لدولة الوحدة وعلى سالم البيض نائبا له، لكن سرعان ما اندلع خلاف بين الرئيس ونائبه البيض مما أدى إلى اعتكاف الأخير فى عدن قبل اندلاع حرب ضارية بين قوات الشطرين الشمالى والجنوبى فى صيف عام 1994، انتهت بانتصار قوات الشمال بقيادة الرئيس على قوات الجنوب بقيادة نائبه، وفى عام 1999 انتخب رئيسا لليمن فى الاقتراع الرئاسى الذى جرى فى سبتمبر من ذلك العام.

لكن هذا لا يعنى أن الأمر استتب له، طيلة مدة حكمه، وذلك لأن اليمن “الموحد” كان منذ سنوات ميدانا لتصارع عدة قوى أهمها المعارضة الحوثية فى الشمال، والجنوبيون الذين يعتبرون أن الوحدة تمت على حسابهم، إضافة الى تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب ونشاطه فى اليمن.

ولمواجهة خطر الحوثيين والحراك الجنوبى استخدم صالح تهديد القاعدة منصة للظهور بمظهر الدرع الواقية فى الحرب على الإرهاب،و بعد 1998 عندما تعرضت سفارتا الولايات المتحدة فى تنزانيا وكينيا إلى هجومين داميين، وفى أعقاب الحادى عشر من سبتمبر 2001، تمكن صالح من كسب الغرب والقوى العربية النافذة إلى صفه، وكسب صداقة واشنطن من خلال جهوده لمقاومة وجود تنظيم القاعدة فى بلده.

 

صالح ومراوغة الخروج

خلال أحداث 2011 أثبت على عبد الله صالح أنه الأكثر عنادا ضمن فى مواجهة مظاهرات الشارع، لكن فى 23 إبريل 2011 أعلن الحزب الحاكم فى اليمن موافقته على المبادرة التى طرحتها دول مجلس التعاون الخليجى لإنهاء الأزمة فى اليمن.

وفى الثالث من يونيو 2011، وبعد تصاعد الاشتباكات بين القوات الموالية لصالح وعناصر من قبيلة حاشد اليمنية أصيب صالح فى هجوم استهدف مسجد القصر الرئاسى، وفى اليوم التالى أعلنت السعودية أن صالح قبل عرضها لتلقى العلاج فيها من إصاباته. لكنه عاد الى بلاده بعد اتمام العلاج.

غير أنه بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على اندلاع الأزمة وقع الرئيس اليمنى فى العاصمة السعودية على المبادرة الخليجية التى مهدت لتسليمه السلطة فى فبراير عام 2012 ليتولى السلطة عبد ربه منصور هادي.

ويقول مناوئو صالح إنه سياسى مراوغ استخدم كافة الأساليب للبقاء فى السلطة، وبينما كان يعد باعتزال السياسة بذل كل جهد ممكن لتمديد بقائه فى السلطة، ورغم تسليم على صالح للسلطة ظل لاعبا أساسيا على الساحة اليمنية فقد أسهمت قوات من الحرس الجمهورى السابق والتى كان يقودها نجله أحمد وتدين بالولاء له فى القتال مع الحوثيين ودعمهم بشكل كبير، ورفضوا أوامر القادة العسكريين الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادى حتى استطاع الحوثيون إسقاط صنعاء وهرب هادى إلى عدن، فهدد صالح بشن حرب على الرئيس هادى وعلى الجنوب وأعلن انه لن يدع لهم مجالا للهرب هذه المرة سوى من البحر.

 

السيطرة على صنعاء

وبدأ الحوثيون فى الأسبوع الأخير من أغسطس 2014 مرحلة جديدة فى خطتهم، التى تهدف إلى تعزيز نفوذ تنظيمهم، (أنصار الله)، عبر إفشال متدرج لعملية التسوية السياسية التى شاركوا فيها، بعد تخلى الرئيس السابق، على عبد الله صالح، عن السلطة عام 2012. وصل الحوثيون إلى قلب صنعاء، مستغلين قضية اجتماعية ذات طابع شعبي، هى رفع أسعار الوقود، مواصلين فى الوقت نفسه محاصرة العاصمة، ومنذ ذلك الوقت ويرفض الحوثيون كل المبادرات السياسية، حيث أفشلوا مفاوضات الكويت وقبلها مفاوضات جنيف، ويرفضون تسليم ميناء الحديدة للأمم المتحدة لتخفيف الأزمة الانسانية التى يعانى منها الشعب اليمنى .

 

رجل صنعته الأزمات

ولد على عبد الله صالح فى 21 مارس عام 1942 فى قرية بيت الأحمر بمنطقة سنحان بمحافظة صنعاء لأسرة فقيرة وعاش معاناة كبيرة بعد طلاق والديه فى سن مبكرة، وعمل صالح راعيا للأغنام، وتلقى تعليمه فى كتاب القرية التى غادرها للجيش عام 1958 وهو فى سن السادسة عشرة، ثم التحق بمدرسة ضباط الصف عام 1960، وشارك فى ثورة سبتمبر عام 1963، والتحق بمدرسة المدرعات عام 1964 ليتخصص فى حرب المدرعات، وجرح خلال الحرب الأهلية التى وقعت عام 1970 بين الجمهوريين والملكيين الذين كانت تدعمهم السعودية.

وشارك فى انقلاب عسكرى عام 1974 وفى عام 1975 أصبح القائد العسكرى للواء تعز وقائد معسكر خالد بن الوليد، مما أكسبه نفوذا كبيرا ومثل الجمهورية العربية اليمنية فى عدة محافل خارج البلاد.

وفى 11 أكتوبر عام 1977 قتل إبراهيم حمدى وشقيقه فى ظروف غامضة، ثم خلفه أحمد الغشمى فى رئاسة الجمهورية لأقل من سنة وقتل بدوره ليصبح على عبد الله صالح عضو مجلس الرئاسة رئيسا للجمهورية اليمينة (اليمن الشمالي) منذ أغسطس عام 1978، وقد اعتمد على أسرته فى إدارة أمور البلاد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده فى أواخر عام 1979.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى