مقالات و تحليلات

خيارات حماس الجديدة: عباس ام دحلان؟ / علاء أبوعامر

بعد إنجاز المقدسيون ومن خلفهم الشعب الفلسطيني وقيادته وفصائله الانتصار في معركة بوابات المسجد الأقصى المبارك والتي تكللت بإزالة البوابات وفرض الإرادة الفلسطينية على المحتل الغاصب، بفضل الاجماع الوطني الذي قل نظيره في الآونة الأخيرة.

 

تعالت الأصوات الشعبية والنخبوية الفلسطينية المنددة باستمرار الانقسام بين الضفة وقطاع غزة كونه أحد أسباب الضعف الفلسطيني العام الذي يستغله الاحتلال في زيادة ممارساته القمعية والتهويدية العنصرية تجاه الأرض والوطن والشعب الفلسطيني.

 

وما جعل تلك الأصوات ذات صدى وقيمة انها جاءت لتتناسب مع أبرزته الوقائع من أن الفلسطيني بات وحيدا في معاركه ضد الاحتلال فقد خاض معركته بظهر مكشوف حيث اتضح أن الموقف الرسمي العربي يعاني من وهن وضعف شديد، بل أكثر من ذلك برهنت الأزمة أيضا أن هناك تطبيعا عربيا إسرائيليا كاملا، إذ تحدثت تقارير إسرائيلية عن اتصالات مباشرة بين مكتب نتنياهو وزعماء عرب لا تملك بلدانهم في العلن علاقات مع إسرائيل.

 

وفي غمرة هذه الأحداث وإفرزاتها أقر الكنيست الاسرائيلي بالقراءة الاولى أخطر قانون منذ عام ١٩٤٨ وهو قانون القومية الذي يلغي حق الشعب الفلسطيني في فلسطين ويؤكد ان أرض فلسطين هي دولة الشعب اليهودي فقط، وهكذا تم تحويل المواطنين العرب من فلسطيني العام 1948 إلى مجرد رعايا في دولة الشعب اليهودي.

 

 والملاحظ أن هذا القانون العنصري مر دون مقاومة تذكر ولم يندد به أحد حتى الآن فقد مر بصمت ولم تتعالى الأصوات لا فلسطينيا ولا عربيا ولا دوليا لمنع إقراره وهو أمر غريب!

 

 فإن يحدث أمر جلل بمثل هذا الحجم دون أن يوصف من قبل منظمات حقوق الإنسان بأنه مخالف للقوانين والأعراف الدولية هو أمر يدعوا إلى التساؤل والريبة في آن معا فهذا القانون قانون عنصري بامتياز والعنصرية جريمة وفق نظام روما الأساسي لعام 2002 للمحكمة الجنائية الدولية تماثل غيرها من الجرائم ضد الإنسانية “التي ترتكب في سياق نظام مؤسسي قائم على القمع والسيطرة بصورة منهجية من جانب جماعة عرقية واحدة على أي مجموعات أو مجموعات عنصرية أخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام”.

 

وهي كذلك وفق الاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري الذي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 نوفمبر 1973 والتي عرفت العنصرية بأنها “أعمال غير إنسانية ارتكبت لغرض إنشاء وإدامة هيمنة فئة عنصرية من الأشخاص على أية مجموعة عرقية أخرى أو أشخاص وقمعهم بشكل منهجي”.

 

وقد اقر الكنيست الإسرائيلي أيضا قانون ضم القدس الشرقية بما فيها المسجد الاقصى الى اسرائيل وأعتبر القانون الجديد اي تنازل عنها أي القدس الشرقية بحاجة الى أغلبية 80 عضو كنيست من مجموع 120!

 

وبذلك وضعت إسرائيل عقبة جديدة في طريق التسوية تجعل أي محادثات أو مبادرات سلام من في المستقبل تخلو من أي مضمون.

 

وكذلك تناقش حكومة الاحتلال طرح مشروع قانون عقوبة الاعدام على منفذي العمليات الفدائية من أبناء الشعب الفلسطيني لإقراره في الكنيست وهذا القانون هو أيضا قانون عنصري معادي للشعب الفلسطيني.

 

كل هذه القوانين والمواقف الإسرائيلية تجعل ما يسمى التسوية السلمية للقضية الفلسطينية تفقد أي مصداقية، وهو ما يعني أن لا صفقة قرن تلوح في الأفق وهي باعتقادي لم ولن تلح ابدا بل كانت وهماً سارع البعض للتهليل له عله ينقذ ما يمكن إنقاذه نعم يتضح الآن أنه لم يكن هناك يوما صفقة قرن لها علاقة بالقضية الفلسطينية بل هي صفقة لها علاقة بالتطبيع العربي الإسرائيلي وما يتبعه من عملية تحالف بين الأنظمة العربية الخليجية تحديدا مع إسرائيل ضمن ما يسمى حلف الناتو السني الإسرائيلي وقد تمت الصفقة ووقعت في الرياض.

 

وهذا ما عبر عنه غاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب البارحة عندما أشار إلى: “أنه لا يوجد حتى الآن خطة منظمة لتحقيق السلام “الإسرائيلي -الفلسطيني”، وقال “ربما لا يوجد حل”!

 

وهكذا تجد القيادة الفلسطينية نفسها أمام تحديات كبرى على رأسها أن مسار التسوية الذي راهنت عليه طويلا قبل وبعد اتفاق إعلان المبادئ للسلام في أوسلو وصل إلى طريق مسدود. ولذلك وجب عليها أن تنتبه للداخل الفلسطيني ولملمت شتاته كي تواجه المخططات الإسرائيلية المدعومة أمريكيا بجبهة فلسطينية موحدة. والتي من بينها ثلاثين قانون يتجه الكونغرس الأمريكي لإقرارها لمعاقبة الشعب الفلسطيني وفق تهديد جيسون غرينبلات للرئيس أبو مازن بأنه إذا لم يوقف النضال الفلسطيني من أجل الأقصى والعودة للتنسيق الأمني سيتم إقرارها، والذي رد عليه الرئيس بالقول أفعلوا ما تشاؤون. ماذا بقي ولم تفعلوه؟

 

لقد بدأت القيادة الفلسطينية معركة الوحدة الوطنية قبل هذه القوانين والاجراءات الإسرائيلية والمواقف الأمريكية وفرضت على قطاع غزة مجموعة من الإجراءات غير المسبوقة التي طحنت المواطنين من سكان القطاع أكثر مما أثرت بقيادات ومنظومة حماس السياسية والعسكرية علها تدفع حماس لحل لجتها الإدارية والسماح ببسط سيطرة حكومة الوفاق الوطني على مؤسسات ومعابر قطاع غزة.

 

ولكن هذه الإجراءات دفعت حماس للتحالف مع خصمها وخصم الرئيس عباس اللدود النائب محمد دحلان الذي استغل إجراءات الرئيس ضد قطاع غزة ليلتقط اللحظة التاريخية ويعود بقوة إلى ساحة القطاع أي ساحته القديمة رقما في حسابات السياسة الفلسطينية.

 

سعي الرئيس أبو مازن للوحدة الوطنية تتعدد أسبابه منها بالإضافة لما سبق ذكره من إجراءات وممارسات إسرائيلية أمريكية عربية، هو العمر والصحة فالرجل لا يريد أن ينهي حياته في ظل وضع فلسطيني مأزوم سيسجل عليه في تاريخ القضية، لذلك ذكرت صحيفة رأي اليوم الإلكترونية قبل أيام أن الرئيس  تقدم بمبادرة جديدة لا يمكن لحماس كحركة رفضها، ولكن حماس التي أصبح مركزها غزة وهي المعنية الأولى والأخيرة بالمبادرة أي حماس الفاعلة صاحبة الانقسام والسيطرة على القطاع  من الصعب عليها قبولها كما هي، فالشرط الخاص بفك العلاقة أو التفاهم مع النائب محمد دحلان صعب بالنسبة لها، ليس خوفا من غدر أبو مازن بها بعد ان تفك (التفاهم) مع النائب دحلان بل بسبب سعيها للحفاظ على ما يمثله هذا التفاهم من اغراءات للانفتاح على الامارات والسعودية ومصر والبحرين وفك العزلة عنها وهو ما يجنبها في النهاية إدخالها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية العربية.

 

ولكن أيضا ليس من السهل عليها الإبقاء على هذه التفاهمات ففي النهاية هي جزء من الحركة الإخوانية الأم وتحالفاتها وهي جزء من حركة أوسع تشمل الضفة والشتات لذلك يقال أن هناك تياران يتصارعان في حماس تيار قطر، تركيا، الإخوان وتيار غزي محلي يتعامل ببرغماتية خارج حدود الإيديولوجيا هدفه المصلحة وهو جاهز للانفتاح على إيران وسوريا الأسد والعراق مقابل تعزيز حماس كحركة وليس كفكر فهو يعتقد اليوم أن المسألة هي بقاء حماس واستمرارها كقوة سياسية وعسكرية فلسطينية من خلال اللعب على التناقضات بغية تحصيل المال وبقاء حماس وسيطرتها على القطاع الى اجل غير مسمى.

 

وكون هناك تأييد وتبني من الفريق التركي القطري الأخواني لمبادرة أبو مازن دون إعلان صريح في مواجهة الفريق الاخر يبرهن عليه الهجوم الإعلامي لقناة الجزيرة القطرية والإعلام المحسوب على قطر والإخوان والأتراك على النائب دحلان بما يعني رفض هذا التحالف لهذه التفاهمات. وهو ما يهدد بإسقاطها أو عدم تمريرها إلا فيما يخص القضايا ذات الطابع الإنساني لا التحالف السياسي كما يطمح فريق النائب دحلان.

 

في هذه الأثناء جاءت زيارة وفد حركة حماس (الضفة الغربية) كما قيل للإشادة بموقف الرئيس في معركة الارادات في الأقصى وللاطمئنان على صحته التي اشارت تقارير صحفية أغلبها إسرائيلية إلى أن تدهوراً قد طرأ عليها.

 

وهنا ما يهمنا هو ما قاله ناصر الدين الشاعر الذي ترأس الوفد الحمساوي في تصريح صحفي له بعد انتهاء الزيارة “إن الشخصيات التي شاركت بها إضافة له، الوزير السابق سمير أبو عيشة، والنواب محمود الرمحي وأيمن دراغمة ومحمد طوطح، مشيرًا إلى أن الرئيس بادر بالحديث عن عدة ملفات داخلية فلسطينية”.

 

وأشار الشاعر إلى أنه تم الحديث خلال اللقاء الذي استمر أكثر من ساعة، عن ملف المصالحة بعد النقاش عن الأحداث التي جرت في القدس، وعن ضرورة الوحدة، منوهًا إلى أنه تم الاتفاق على أن اللقاء الذي جرى يمكن البناء عليه مستقبلًا.

 

فيما أوردت بعض المصادر على لسان الشاعر قوله إن الرئيس عباس وافق على تطبيق المصالحة رزمة واحدة.

 

اعتقد وبحسب ما وصلني من معلومات من جهات ثقة مقربة من القيادة الفلسطينية أن عجلة المصالحة ستسير إلى الأمام وبخطى جدية هذه المرة كمصلحة لجميع الأطراف وضمن تفاهمات جديدة على الشراكة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أسس ديمقراطية أهمها المجلسين الوطني والتشريعي اللذان يفرزان القيادة الفلسطينية.

 

حجم التحديات يتطلب “خطوات غير مسبوقة” لكن ليس تجاه إفقار وطحن قطاع غزة أو حركة حماس بل “خطوات غير مسبوقة” لقهر الانقسام والتغلب عليه ومنح الشعب الفلسطيني أملا بأن قياداته وفصائله بحجم التحديات وبحجم الطموح الفلسطيني هل سيتحقق ذلك تبقى علامة سؤال ربما تجيب عليها الأيام القليلة القادمة.

 

نقلا عن رأي اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى