مقالات و تحليلات

في رحـاب الشهـداء (2) / محمدٌ ولد إشدو

محمدٌ ول إشدو/ كاتب ومحامي بارز موريتاني

عن الثورة الجزائرية والنظام الموريتاني والكادحين وبوليزاريو وانقلاب العاشر يوليو

 

التآمر مع العدو!

 

 في لحظة سنية من تاريخنا، طبعتها عواصف صحوة 68 في فرنسا، والثورة الثقافية الصينية، وانتصار العرب في أكتوبر، ونجاح الثورة الفيتنامية العظيمة، ظلت جزائر بومدين وبوتفليقه متشبثة باشتراكيتها الخاصة (التسيير الذاتي)، وتنتهج سياسة خارجية حرة تلائم روح العصر، وتحفظ للنظام شرعيته الثورية. لذا دعمت بقوة صمود العرب في وجه أمريكا والصهيونية، وأيدت بوضوح جبهة التحرر العالمية ضد الاستعمار والميز العنصري، واتبعت سياسات نفطية وطنية، وشيدت قاعدة صناعية مثيرة للجدل. هذا عموما.

 

وعلى المستوى الإقليمي خصوصا، شكلت الجزائر ـ  قبل غيرها ـ دعامة الإصلاح الوطني الذي أنجزه الرئيس المختار بن داداه في النصف الأول من السبعينيات. الشيء الذي نسج أواصر تحالف موريتاني جزائري لا تنفصم عراه!

 

 وفجأة عصفت ريح مدريد، ومن بعد مدريد بشار، بما سطره  الشعبان، في حين غفلة منهما.. واندلعت بينهما حرب غبية، فأصبحا عدوين لدودين! 

 

***

 

لم يقم الوسيط بواجبه في إخطار “العدو” بقدومي، فتوجهت رأسا من المطار إلى مقر جريدة القائد البطل المجاهد. ومنها رافقني  ممثلون من بوليزاريو، التي أشعرت بوجودي بمقر الجريدة، إلى فندق أليتي، أضخم فنادق الجزائر، حيث نزلت أهلا مع العديد من كبار قياديي وضيوف المنظمة الصحراوية من أمثال الأستاذ أحمد بابه مسكه ومـد هوندو وغيرهم.

 

بعد عرض أغنية عاطفية مصورة، في نشرة المساء (نبتدي امنين الحكايه)، تروي لواعج حب عاصف مندثر، كالذي خرجنا منه للتو، أذاع التلفزيون الجزائري بيانا للجبهة الصحراوية تعلن فيه “تحرير مركز عين بنتيلي الموريتاني، والانتقام للشعب الموريتاني من جلاديه”! في إشارة إلى مقتل المرحوم اسويدات بن وداد الذي قاد الحرس الوطني خلال سنوات النضال الوطني، ومات كريما في ساحة الوغى. كنت أتصور إلى حد بعيد مدى ما تجره الحروب من ويلات على المناطق الآمنة والشعوب المسالمة، وأعلم كذلك أن الحرب سجال! ومع ذلك، فقد أزعجني جدا ذلك البيان، وأفزعني ما انطوت عليه عباراته من مضامين.

 

بادرت الاتصال بمضيفي الذين تركوني أرتاح بعد سفر مرهق، وطلبت منهم سحب البيان فورا وإعادة صياغته بصورة يتم فيها حذف عبارة “تحرير” التي تنم بما لهم من مطامع إقليمية في موريتانيا، وإبدالها بعبارة احتلال، وكذلك شطب فقرة “الانتقام للشعب الموريتاني” الذي لم يخولهم ذلك “الحق” حسب ما لدي من علم! كما اقترحت عليهم أيضا رفع العلم الموريتاني إلى جانب العلم الصحراوي فوق عين بنتيلي المحتلة كبادرة حسن نية تطمئن الموريتانيين. وأكدت لهم بحزم أن تلبية طلباتي شرط مسبق لأي لقاء أو بحث!

 

.. وسحب البيان فعلا تلك الليلة وعدّل.. وبدأت المباحثات صباح الغد!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى