فضاء الرأي

قبل فوات اﻷوان / ختار دحن حمود

لست من الذين يستهويهم الحديث عن الفئوية او الجهوية كما أرفض القبول بالتقسيمات الهدامة و لا أؤمن بالمحاصصة على أساس العرق أو اللون لكن تصدر هذا الطرح للإعلام المحلي و منصات التواصل اﻹجتماعي فرض علينا الإدلاء برأينا المتواضع في ثنائية البيظان و لحراطين المصطنعة و التي ينفخ في وهمها بعض المتجارين بالسلم الأهلي في البلد.

 

حين يفيق البيظان من وهم خطر لحراطين عليهم و يفيق لحراطين من وهم ظلم البيظان لهم سيدرك الطرفان أنهم مظلومون و أنهم جميعا في دائرة الفقر و تحت خطه و في خطر الجهل و تحت ظله سيعرفون أن لا خيار لهم بين أن يعيشوا كإخوة أو يموتوا كالحمقى.

 

ما يهدد المجتمع اليوم بكل طوائفه و أعراقه ليست التعددية الإثنية التي تعتبر مصدر ثراء بل إن الخطر الحقيقي يكمن في غياب العدالة اﻹجتماعية و عجز الدولة عن القيام بواجباتها إتجاه المواطن و عدم فهم المواطن لحقوقه إتجاه الدولة فضلا عن إنهيار المنظومة اﻹقتصادية منذ التسعينات نتيجة إنفتاح غير متكافئ فرضته العولمة اﻹقتصادية و تحكم الرأسمالية المتوحشة في العالم بعد إنهيار المعسكر الشرقي اﻷمر الذي أدى لتكدس الثروة في يد أقلية محتكرة تتعامل مع الدولة بمبدإ خذ خيرها و لا تجعلها وطنا تفعل المستحيل لتتحايل على حق الناس في الزكاة و حق الدولة في الضرائب و تعامل المجتمع كبقرة حلوب تستنزف أموالها في الأدوية المزورة و البضائع الرديئة منتهية الصلاحية دون حسيب او رقيب من الدولة أو من منظمات المجتمع المدني لتكتمل الكارثة بهيمنة اﻹستثمارات اﻷجنبية على القطاعات الحيوية -شركات الإتصال و لصوص المعادن و قراصنة البحار- كشركاء محترفين في النهب.

 

لقد صاحب هذا اﻹنفتاح اﻹقتصادي غير المتكافئ إنفتاح ثقافي و قيمي غير مدروس فرضته العولمة التكنولوجية و التي قضت على الحصن الأخلاقي و خلقت حالة وعي زائف و حقوقية وهمية إستغلها تجار من نوع آخر رأس مالهم البشر و مآسيه و هدفهم المجتمع و لحمته و ممولوهم خارج الحدود؛ يخلطون قديم الظلم الذي تعرض له الأرقاء السابقون بحديث المعاناة المشتركة بين الجميع فتُرك لهم الحبل على الغارب بحجة حرية الرأي و التعبير و استغلتهم السلطة و المعارضة كسلاح في صراعهما على الحكم دون مراعاة اﻵثار الكارثية لهذا النوع من اﻷسلحة.

 

علينا قبل التفكير داخل صندوق اﻹختلاف أن نفكر خارجه فما يجمعنا من قيم دينية و ثقافية و إجتماعية و لغوية يجمعنا أكثر منه في المعاناة من الجهل و الفقر و انعدام فرص العمل و غياب أي أفق للحلم بغد أفضل فنحن اليوم في غالبيتنا عبيد الفقر أرقاء التخلف ضحايا التهميش.

 

من يريد فعلا تحرير لحراطين أو يدعي الحرص على مصالحهم سيبدأ بتوجيههم و ليس بتحريضهم؛ سيوجههم نحو التعليم و تنظيم الأسرة و يطالب الدولة بصورة عملية بدعم مشاريعهم الصغيرة و دمجهم في الحياة اﻹقتصادية النشطة و إستغلال طاقاتهم المعطلة في الزراعة و الصيد المقسم بين المحتكرين و الشركات الأجنبية؛ من يسعى حقا للحفاظ على حقوق لحراطين و وجودهم لن يحرضهم على فتنة تهلك الحرث و النسل و تحرق الأخضر و اليابس يكونوا هم أول ضحاياها و أكبر المتضررين منها.

 

إن أي طرح سياسي أو مطلب حقوقي لا يرى في الجميع ركاب سفينة واحدة متهالكة أنهكتها عقود الفساد و انعدام الوطنية تسير ببطئ في محيط إقليمي و دولي لا مكان فيه للضعفاء هو طرح مشوه و مطلب مشبوه لا يسعى صاحبه إلا للحصول على مقعد في دائرة المحتكرين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى