فضاء الرأي

معركة النيملان ….الوحدة الوطنية في مواجهة الاستعمار / موسى الداه

على أديم ولاية تكانت و في واد كثير الطلح ذا جرف و صخور عالية يطل على أرض مكشوفة ملائم للكر و الفر و القنص و التسديد ، وقعت واحدة من أعظم المعارك الوطنية ضد المستعمر وجهت فيها فوهات بنادق قبائل جنوب و شرق و شمال و غرب و وسط موريتانيا إلى نحور الفرنسيين كاسرة شوكة عدو محتل غاشم اكتسح البلاد وضرب العباد بسوط لا يرحم و تمادى في الظلم و الجور و إذكاء الصراعات و زرع الفتن ، و الحديث هنا عن معركة النيملان الخالدة التي اتحد فيها الشعب الموريتاني و تنادى لها الجميع من كل حدب و صوب في ملحمة وطنية جامعة كان سلاح المجاهدين فيها الإيمان و العزيمة و حب الوطن و الدفاع عن العز و الشرف و الحرية و الشهامة و انتصر فيها الحق على الباطل و مرغت كبرياء الغزاة في التراب .

حسب المصادر التاريخية فإنه في بداية أكتوبر من عام 1906م كان المجاهدون القادمون من الشمال على مشارف ولاية تكانت و تزامن وصولهم مع دخول القبائل القادمة من الجنوب و الغرب و الشرق لينضموا إلى القبائل الموجودة في الولاية و تلاقى الجميع بقرية أغلمبيت الواقعة على بعد 35 كلم غرب النيملان و في 11 أكتوبر حرر المجاهدون رسالة إلى الحاكم الفرنسي بتجكجه يدعونه فيها إلى الخروج الفوري و اللامشروط من تكانت و إلا كان ذلك بقوة السلاح لكن رده كان بقتل حامل الرسالة و تجهيز مفرزة لمباغتة المجاهدين الذين كانو قد عسكروا في النيملان لقطع الامدادات عن الفرنسيين . و قد علم المقاومون بتحركات المستعمرين و توجههم صوب النيملان عن طريق خبر حمله إليهم المجاهد الشيخ ولد عبد الله ولد محم عاشور و أكملت المقاومة استعداداتها قبل وصول الفرنسيين . و في السابع عشر من رمضان لعام 1324 هـ وصل الفرنسيون ميدان المعركة بعد طلوع الشمس و مع بداية القتال وجدوا أنفسهم في كمين محكم من عدة جهات و أجهز عليهم أبطال المقاومة لمدة ساعات و كبدوهم الكثير من الخسائر رغم فداحة ما ألحقه تسليحهم الحديث أنذاك من إصابات في المجاهدين الذين أجهزوا عليهم و ضربوهم ضربة رجل واحد و تنادت صيحات المحرضين على الجهاد حتى نادى أحدهم قائلا : ” من فاته يوم بدر فلا يفته هذا اليوم ” . و مع بداية تقهقر الفرنسيين اعترضهم وابل الرصاص القادم من الشمال و المتدفق من بنادق ذات طلق سريع عجل بأرواح الكثير من جنودهم مثيرا الرعب و الفزع في قلوبهم مخمدا العزم و الإرادة في نفوسهم ليرغمهم و ضربات المجاهدين الآخرين على التراجع ، كانت تلك بداية اجهاز فرسان القائد المجاهد محمد المختار ولد الحامد على الفرنسيين و حسم المعركة لصالح المجاهدين لتبدأ بعد ذلك مطاردة الغزاة الفارين التي كان لفرسان ولد الحامد الدور البارز فيها .
إن معركة النيملان الجامعة تعطي صورة حية عن جمال الوحدة الوطنية و عراقة شعبنا الأصيل و بسالة أجدادنا و استماتتهم في الدفاع عن الوطن رغم الفرق الشاسع بينهم و الغزاة الفرنسيين في التسليح و رغم ما ألحقته بهم آلة القتل القوية التي يمتلكون لكن قوة العزيمة و صدق الانتماء للوطن و الغيرة على العز و الشرف جعلت المقاومين أشداء على الأعداء أقوياء رغم التسليح و القوة التدميرية للعدو الغاشم و تمثل هذه المعركة خير دليل على قوة الوحدة الوطنية كونها عامل حسم لصالح أبناء الوطن و صمام أمام يجعل الغيورين على الوطن في موقف عز في الوجه المستعرين .

تعظيما لبطولات الأجداد المقاومين و احتفاء بانتصاراتهم الخالدة و افتخارا بما أظهروه من عز و شهامة و بسالة في وجه الغزاة المحتلين وجب الوقوف عند كل صفحة مشرقة من صفحات تاريخنا المجيد العطر و الاحتفال بكل لحظة سجلها التاريخ بأحرف من ذهب و خطها الآباء بحروف المجد و الشهامة و النبل و التضحية في سبيل الوطن ليتربى الأجيال على الاعتزاز به و تعظيم تضحيات المقاومين الذين تروى بدمائهم ثرى هذا الوطن العزيز في سبيل حريته و استقلاله و لكي لا تدوسه أقدام الغزاة .

على منهاج تخليد بطولات المقاومة و الاحتفاء بها و إظهار دور الوحدة الوطنية في مواجهة الاستعمار يأتي المهرجان السنوي الذي ينظم احتفاء بذكرى معركة النيملان الجامعة التي تعطي خير دليل على توحيد الأجداد لجهودهم في سبيل دحر المستعمر و تعاونهم و تكاتفهم لتخليص أرض الوطن من جور الغزاة و طغيانهم ، و سيحل بعد أيام في 23 من نوفمبر الجاري تاريخ تنظيم النسخة الرابعة من هذا المهرجان الذي تحتضنه مدينة النيملان الشامخة حصن المقاومة الوطنية المتين و التي يقع بها ميدان هذه المعركة الخالدة الذي سالت عليه دماء المقاومين تضحية في سبيل وطننا العزيز و انتصارا لعزه و شموخه و حريته و استقلاله .

المصدر : الحدث الاخباري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى