مقالات و تحليلات

أزمة الصحافة بين الخديعة والوقيعة والقطيعة/ الحسن مولاي عل

الحسن ولد مولاي اعلي / اعلامي

خلال مأدبة العشاء التي دعا إليها وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، في مناسبة اليوم الدولي لحرية الصحافة، عشية 3 مايو، اعتذر عدد من عميدي المهنة وقيدوميها، عن تسجيل أسمائهم لمخاطبة الحاضرين بشأن واقع الصحافة، وذلك تجنبا لحرج تأويلات قد تحرف الكلم عن مواضعه، وربما تجترح وقيعة مع زملاء هم على ثغور من خارطة ذلك الواقع المتردي، ويحسبون، بما يبذلون، أنهم يحسنون فيها صنعا..
كنت منهم، وقد حبستنا المخاوف من اعتبار النصيحة في الملأ، خديعة أو وقيعة، ونأت بنا عن مخاطبة جمهور الحفل البهيج، حول واقع أليم، تجرعنا مرارته طويلا، ومنا من كانوا عليه شهودا، عبر أطواره، وقد قررنا، بلا تواطؤ، عدم الإدلاء بشهادات صاخبة عنه، تضج، بها القاعة للحظات، قبل أن تتبخر في الهواء، تاركة إحنا وحزازات عميقة مؤذية، طالما كانت، عوامل ونتائج لها، في الوقت نفسه..
الأزمة، من حيث وجودها، وعنادها، ومقاومتها للحلول والعلاجات السطحية، ومن حيث طول أمدها، قائمة بلا خلاف في ذلك، وإنما يحتدم الخلاف، وترتفع أصوات أطرافه المتعددة حول عناوينها الكبرى، وعواملها والمسؤوليات عنها وتبعاتها، وحول الغيبة غير المبررة للإعلام عن عناوين الحقائب الوزارية، وحول وظيفة الهابا، وعن ضرورة، أو لا ضرورة، إنشاء مجلس أعلى للإعلام، وإقامة دار للصحافة، فضلا عن تحديد شروط منح البطاقة الصحفية، وضوابط المهنة ممارسة وأخلاقا..
ومن أبرز العناوين والأسئلة في أزمة الإعلام والصحافة، مؤسسات الإعلام المملوكة للدولة، في ظل التعددية، وأمر ميزانياتها الضخمة من أموال دافعي الصرائب، ووضعها الملتبس بين العمومية والرسمية، مفهوما وممارسة، ثم أمر المؤسسات السمعية البصرية الخصوصية، وما استحال الوفاء به من بنود في دفاتر التزاماتها، وما عليها من ديون متراكمة، هي غير مرجوة السداد، لمؤسسات خدمات ضرورية، عمومية، وشبه عمومية، من استهلاكات البث والطباعة والماء والكهرباء والانترنت..إلخ..
نقابات وروابط العاملين والمتعاونين في قطاع
الإعلام، من صحفيين، ومهندسين، ومصورين، وأعوان، مثلت أدوارا مشهودة في أصل الأزمة وهي لن تغيب عن بلورة حل مستدام، تنشده النيات الحسنة الناشط أهلها، وقد طال انتظاره وتفاقمت الحاجة إليه، وصعوبة تصور قيامه، خارج سياقات تشكل معالم وأنموذج الحكامة الوطنية المتكامل، والمشترط لآنتاج إعلام مهني حر، قادر بكفاءة على بلورة رأي عام وطني، يمكن الركون إليه..
فشلت السلطات الرسمية المسؤولية، اليوم، سرا لا جهرا، عن قطاع الإعلام، والعاكفة دوما على مراجعة وتطوير نظمه وقوانينه الضابطة لهيئاته ومؤسساته الرسمية العاملة، ولشركائه أيضا، فشلت منذ عقود، في رسم معالم سياسة إعلامية فاعلة وناجحة، بسبب ضبابية الرؤية الرسمية وتحولاتها، من جهة، والصراع الشرس بين الشركاء، من حولها، من جهة أخرى؛ صراع تغذي تناقضاته الأزمة الدائمة، وتمدها بأسباب الاستمرار وعوامل التفاقم..
هنالك أربعة أطراف رئيسية، تخوض فيما بينها معركة شرسة ضارية، لكسر العظم، ودق العنق، معركة لم تستطع سلطة القطاع، يوما، أو لعلها لم تشأ، أن تكون مرجعا حاسما فيها، للوصول إلى كلمة سواء تنتشل القطاع من هذا الواقع المريض؛ والأطراف الأربعة هي:
1- الصحفيون: الذين اكتسبوا صفتهم بجدارة، تعززها المؤهلات العلمية، والخبرات المشهودة، والتشبث، بلا هوادة، بالمهنية، والعض بالنواجذ على الأخلاقيات، والسعي بجد، بلا كلل أو ملل، لإرساء مرجعية ضبط رسمية قانونية تنظيمية مهنية، تمنح فرصا متكافئة للجميع، ثم تضمن تنافسا إيجابيا شريفا، مع تفرد السلطة وحدها بحق الرقابة والضبط والعقوبة والجزاء، دون تهاون، أو شطط أو تغول….ة
2- القوى الخفية، وهي قوة شر غير منظورة، تنشر أذرعها الأخطبوطية القذرة في مفاصل القطاع، خاضعة للحماية والتوجيه من”الدولة العميقة” متنفذة، وضالعة بكل وعي وخبرة في خلق الأزمات ورعايتها، وتعتمد منهج الإغراق لإفشال كل مبادرة أو بادرة خير، بالعمل على تمييعها، انطلاقا من قاعدة الإغراق المعروفة، قاعدة: “أيها الداخل هنا مائة مثلك”.
3- المتسلقون؛ وهم جيش الصحافة المتسولة، المفتقر للمعارف والشهادات والخبرات، والعابر للاشتراطات والمحددات، والمشتغل بالسوءات والسيئات، والبارع – جدا- في ركوب العواصف والموجات، وهو جيش تمده من بعده جيوش غير محصورة من العاطلين والمتسربين وكل من لا مهنة له؛ ويحظى فريق المتسلقين هذا بأهمية قصزى، لدى القوة الخفية، فهو مادة الإغراق والتعويم وو سيلتهما الاكثر فاعلية، والأقل كلفة…
4- مؤسسات الإعلام العمومي، ذات الميزانيات المليارية الضخمة، والعدد الهائل من خريجي الجامعات والمعاهد المهنية، من ذوي الكفاءة العالية والدربة المشهودة، لكنها لا تقوم اليوم، بمعشار المهام المنوطة بها، ولا تصل إلى غالب المواطنين، فإن وصلت نطقت بقاموس النشأة بعيدا عن حاجة المواطن، وتغييبا لوجة نظره، وعزلا له عن واقعه وعصره، وصرف الميزانيات الضخمة لبعض المؤسسات، في صناعة متردية لمحتوى رديء، تعرضه قنوات البؤس الخاصة بعد أن تقبض الثمن..
كم هي ماسة، اليوم، الحاجة الى لفتة تطهير للقطاع، تستبدل الممثلين الفاشلين المهيمنين عليه، وتضعه في أيد مهنية نظيفة، وأمينة، ولاؤها للبلد ونظامه وحاضره ومستقبله، مع تحيين وفرض سلطة الهابا، وإسنادها بمجلس وطني أعلى للإعلام، مع عودة وزارة الإعلام والثقافة عنوانا بارزا للقطاع العريض..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى