صدى الاعلاممقالات و تحليلات

“الأمة العربية الدور المفقود” موضوع رسالة مفتوحة من خير الدين حسيب للرئيس المصري

الدكتور خير الدين حسيب / رئيس مركز الوحدة العربية

بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو 1952.. رسالة مفتوحة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي.. مصر.. والأمة العربية الدور المفقود والحاجة العربية لاسترداده

السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي المحترم رئيس جمهورية مصر العربية

شعوراً مني بالمرحلة الخطيرة التي تمر بها الأمة العربية، والتي هناك أسباب دولية واقليمية عربية لها، إلا أن افتقاد الأمة العربية لدور مصر العربي، بعد غياب جمال عبد الناصر وما حققته ثورته 23 يوليو مصرياً وعربياً من إعادة الكرامة للأمة العربية، وانجازاته في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والدولية ودوره في اقامة مؤتمر عدم الانحياز. وكان الموت قد اختطفه في 28 أيلول/سبتمبر 1970، وهو في عمر الثانية والخمسين، قبل أن يعبر قناة السويس ويستكمل ما أعده عسكرياً لعبور القناة وتحرير سيناء من الاحتلال الاسرائيلي وغسل عار هزيمة 1967 وما أسفرت عنه من تقديمه لاستقالته، فهو الوحيد بين جميع الحكام العرب الذين حكموا، سواء قبله أو بعده، ممن تحمّل المسؤولية واستقال من جميع مناصبه اعترافاً منه بمسؤوليته عما حدث، ودون محاولة إلقاء اللوم على من كانوا السبب المباشر، وكان ضغط الجماهير العربية السبب الرئيسي في رجوعه عن استقالته.

ومع غيابه، غاب معه الدور الرئيسي لمصر في قيادة وتحرير واستقلال بقية أقطار الأمة العربية التي كانت لا تزال تحت الاحتلال و/أو النفوذ الأجنبي، والذي لم تستطع سوريا والعراق والجزائر والسعودية مجتمعة أو منفردة، من التعويض عن غياب قيادته. وبعد مجيء الرئيس السادات، ولأسباب لا مجال لذكرها الآن و/أو تبريرها، وعقده اتفاقية كامب ديفيد وعزل مصر عربياً وتخليها عن دورها العربي نتيجة لذلك وقطع العلاقات الدبلوماسية العربية معها ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وبغض النظر عن صحة أو خطأ تلك الاجراءات، ثم مجيء الرئيس مبارك بعد اغتيال السادات بنفس الصدف التي جاءت بالرئيس السادات بعد وفاة عبد الناصر. والذي لم يعِ الأسباب الحقيقية لاغتيال الرئيس السادات وعزل مصر واستمر على نفس السياسات، بل وزاد عليها في نفس الاتجاه. وهكذا تحول دور مصر خلال فترة حكم الرئيسين السادات ومبارك، من الدور التحرري والقيادي والطليعي لأمتها، إلى دور تبني وترويج السياسات الامريكية في الوطن العربي، حيث لعبا دوراً أقرب لتمكين الأهداف الأمريكية في الوطن العربي.

أقول بعد كل ذلك، وبينما كانت شعوب الأمة العربية تنتظر “انتفاضة” الشعب المصري في 25 يناير/كانون الثاني 2011، والتي تفاءل البعض وسموا تلك “الانتفاضة” “ثورة”، ولكن الشعب المصري العظيم الذي انتفض سلمياً، رغم ظروفه الصعبة ونجاحه في عدم انجراره إلى العنف، واضطر الرئيس مبارك إلى التخلّي عن السلطة، لم تكن الجماهير تلك التي انتفضت يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 قد اتفقت على وأعدت، أهدافاً واضحة لما بعد نجاح الانتفاضة، واختطاف الأخوان المسلمين للانتفاضة وحكمهم القصير، فقد حدث ما حدث في 25 يناير/كانون الثاني 2012 واستطاع الشعب المصري العظيم أن يستعيد انتفاضته من حكم “الاخوان” المسلمين، الذين انخدعوا بالمخطط الامريكي – التركي – الاخواني لإعادة الخلافة الاسلامية، وانفردوا بالسلطة وخسروا الدنيا والآخرة. ثم جاءت أحداث 30 يونيو/حزيران 2012، وأيا كانت التسمية لها “ثورة أو انقلاب!”، إلا أن الانتفاضة اخْتُطِفَتْ من جديد. ورغم تفاؤل الكثيرين، شعبياً بما في ذلك بعض المفكرين والسياسيين في مصر، بتلك التطورات ولسبب التخلص من “كابوس حكم الاخوان” أساساً، وكان بين المتفائلين قيادات هامة فكرية وسياسية، بمن فيهم المرحوم محمد حسنين هيكل، إلا أن التطورات اللاحقة أثبتت فشل الحكم الجديد الذي خطف الانتفاضة والذي بدأ ينكشف بشكل متزايد طابعه العسكري والفردي، وتراجعه عن بعض الحريات العامة المحدودة التي كانت في زمن الرئيس المعزول السيد حسني مبارك وفشله اقتصادياً في معالجة أزمة مصر وعودته إلى أحضان البنك الدولي، وانخفاض مستوى معيشة أغلبية الشعب المصري والتي في نسبة مهمة منه تحت خط الفقر والتي زاد في تعميقها بتحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار وانخفاض سعر صرفه واستئناف العلاقات مع الولايات المتحدة والحميمة مع اسرائيل وزيارة وزير الخارجية الامريكي لمصر، وعودة سفير مصر إلى تل أبيب، وتخليها عن مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية، التي تشهد الآن انتفاضة جديدة للشعب الفلسطيني رغم ضغوط الأنظمة عليه. إن تخلي مصر عن دورها العربي وانحيازها إلى الأنظمة العربية الخليجية وتخليها عن القضية الفلسطينية من خلال اتفاقية كامب ديفيد، وتبعيتها الحالية للموقف الأمريكي – الاسرائيلي، وبشكل مذل، ليس للشعب المصري فقط وانما للعرب جميعاً، والتدخل المكشوف بدلاً من المستور في الانتخابات وفي القضاء على الحياة السياسية مصرياً وعربياً، وبدء تزايد انحسار التأييد الشعبي للنظام. ودلالة إحياء وتعظيم دور محمد نجيب في ذكرى ثورة 23 يوليو خلال الاحتفال الأخير، ورغم إقامة عدد من المشاريع المدنية والعسكرية باسمه في محاولة مرفوضة وبائسة للتقليل من دور جمال عبد الناصر في تلك الثورة، إلا أن هناك مؤشرات كثيرة بدأت تثير الخوف والقلق الكبير والكثير لدى الشعب المصري والأمة العربية من فقدان الأمل بالعودة الحقيقية لمصر إلى أمتها، والتحول المتزايد للنظام الحالي إلى نظام “فردي – عسكري”.

إن الأمة العربية التي كانت تتطلع إلى “انتفاضة” تعيد لمصر قيادتها ودورها العربي، رغم الاختلاف الذي حصل في الأوضاع العربية بين ما كانت عليه في الخمسينات والستينات وما هي عليه الآن، وهو السبب الرئيسي لتمسك الأمة العربية بمصر وقيادتها، التي غابت منذ غياب عبد الناصر.

إنني ممن يعتقدون أن القيادة السياسية الحالية لمصر هي على مفترق طريقين، ولا يزال لدى البعض منّا أمل قليل وضعيف متبقي في أن تعي قيادة مصر السياسية الحالية دورها ومسؤوليتها وأن تنقذ مصر، وبالتالي أمتها، من هذه التبعية الخليجية المذلّة لها وللأمة العربية.

إن التاريخ لا يحكم على الحكام من خلال مدة بقائهم في الحكم، ولكن من خلال انجازاتهم بغض النظر عن مدة حكمهم، فقد لا يذكر حاكماً طالت مدة بقائه إلى سنين كثيرة بأكثر من صفحة، في حين يخصص لحاكم آخر، قصرت مدة حكمه، صفحات كثيرة.

اللهم اشهد …. لقد بلغت!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى