مقالات و تحليلات

البرلمان والدبيبة…..صراع لن ينتهي / ميلاد عمر المزوغي

/ ميلاد عمر المزوغي / كاتب ليبي

رائحة الرشاوى التي اغدقها اصحاب رؤوس الاموال والمتنفذين في الدولة, وبالأخص جماعة الاخوان المسلمين على اعضاء لجنة الحوار (75)ازكمت الانوف,اسدل عنها الستار بدلا عن التحقيق بشأنها, مرر مجلس النواب الحكومة ونالت ثقته لتعمل في كنفه ,لم يترك لها الحبل على الغارب كما حدث لحكومة السراج التي اهدرت الملايين ولم تقم بحل المشاكل الحياتية للمواطن بل فاقمتها.

ستة اشهر بالتمام والكمال, تربع خلالها على عرش ليبيا, تنقل بكافة ارجاء البلد, حضر المهرجانات المحلية , وعد الشباب بمنح لتسهيل الزواج خصص صندوق لهم ضخ به مليار دينار, الغرض اعتبر ساميا, نعتقد ان الشباب في امس الحاجة الى توفير سكن لائق وفرص عمل تحقق له عيشا كريما.

لقد جيء بالمجلس الرئاسي وحكومته لأجل تنفيد بعض المهام التي من شانها تهيئة الظروف لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية موفى العام الحالي وحل المختنقات المتمثلة في السيولة النقدية وتوفير الوقود وخفض الاسعار وتوفير الطاقة الكهربائية. وتوحيد المؤسسات ومنها البنك المركزي والمؤسسة العسكرية والامنية,احتفظ الرجل لنفسه بوزارة الدفاع لأنها حسب رايه مثار جدل, في حين ان وجوده على راسها وابقائه على المسميات(الشخصيات) العسكرية والامنية التي كانت تتبع السراج اعتبر استفزازا للطرف الاخر وساهم في احداث شروخ في العلاقة بين الطرفين.

الطائرة الرئاسية لم تنطفئ محركاتها لم يكن يوما يحلم باقتنائها, سافر الى حيث شاء, وقع معاهدات اقتصادية مع تركيا وكان قبله السراج قد رهن ليبيا للأتراك باتفاقيتيه المذلتين ,وكانت نتيجتهما جلب المرتزقة السوريين واقامة قواعد تركية في غرب البلاد, اراد الدبيبة ان يكون اكثر شطارة من سلفه, سافر الى القاهرة وقع بها عديد الاتفاقيات بمليارات الدولارات  وذلك لإحداث توازن في تدخل الاطراف الاقليمية لينال رضاها, ربما حاول من خلال زيارته للقاهرة الطلب اليها للضغط على حلفائها بالداخل.

عدم اكتراث الدبيبة بدعوة مجلس النواب لمساءلته او لنقل استيضاح بعض الامور وقدومه متأخرا الى مقر مجلس النواب, جعل البرلمان يرفع الجلسة للانعقاد باليوم التالي, فما كان من الدبيبة الا الرجوع الى طرابلس وكأنما الامور بها لا تستحمل, لاشك تصرفات لا تليق برئيس حكومة ملزم بتوضيح الامور تحت قبة البرلمان.

 قرار سحب الثقة من الحكومة لا نقول كان مستبعدا من قبل الدبيبة وحاشيته بل كان مستحيلا, واقصى ما كان يدور في خلدهم هو مساءلتها وبإمكانهم المراوغة حيث الردود المنمقة والوعود التي ندرك جميعنا انها لن تتحقق في ما تبقى من عمر الحكومة العتيدة وهي 3 اشهر.

سحب مجلس النواب الثقة من الحكومة, حتما سيكون هناك تشكيك في النصاب كما عودنا اسلافه,زيدان يعتبر نفسه الى الان رئيس الحكومة الشرعي وكذا الغويل والحاسي, والسؤال هل  سيلتزم الدبيبة بقرار الاقالة ويعتبر حكومته تصريف اعمال ويبتعد عن ابرام الاتفاقيات, أم انه سيحذو حذو اسلافه والتشبث بالسلطة والاحتماء بالمليشيات التي من المفترض فيه ان يكون قطع شوطا كبيرا في حلها وتهيئة منسبيها لان يكونوا افرادا فاعلين بالمجتمع من خلال اعادة تأهيلهم ودمجهم بمؤسسات الدولة. للأسف كل من تبوا مركزا لم يتركه الا بشق الانفس.

 ربما يتحدث البعض بان الدبيبة افضل من سابقيه, فلماذا يحاكم ويحاسب ويترك اولئك يسرحون ويمرحون وينعمون بما سرقوه من قوت الشعب الليبي؟ ان سياسة( كول ووكل) لا تبني دولة , لا شك بان النائب العام لم يقم بدوره بشان الجرائم المالية والامنية,ربما لأنه خائف على حياته او انه منغمس معهم, أيا يكن الامر فان محاسبة هؤلاء المجرمين ستتحقق عندما تقوم الدولة وينال كل جزاءه.

نجزم بان البرلمان باتخاذه قرار سحب الثقة هو السبيل الوحيد لوقف الايادي العابثة بمقدرات الوطن, ربما يكون للمجتمع الدولي راي بشان قرار سحب الثقة وبالتالي فان مصير الوطن رهن اللاعبين الاقليميين. ويبقى 24 ديسمبر (التاريخ الذي لم يتخذه الليبيين لاستقلالهم بل اختاره الاخرون الذين كانوا يسيطرون على البلاد)العهد الذي قطعه المجتمع الدولي على نفسه بالانتقال من مرحلة العبث والقتل والتشريد والاثراء غير المشروع, إلى الدولة المدنية التي صدعوا بها رؤوسنا عبر أبواقهم المأجورة.

 لقد بلغت خسائر ليبيا خلال العقد الماضي ما يربو على التريليون دولار, وإعادة اعمارها يتطلب اكثر من 200 مليار دولار, إنها ارقام يسيل لها لعاب الدول التي قادت العدوان وسببت في مأساة شعب.

 

منذ مجيئ الدبيبة الى السلطة اوهم البسطاء بانه يقف على مسافة واحدة من الافرقاء السياسيين, وأنه سيعمل على لم الشمل وتوحيد مؤسسات الدولة, وسيعم الرخاء, وان لا حرب بعد اليوم, ونحن نعلم بان من اوقف الحرب واجبر الجيش المرابط على تخوم العاصمة بالانسحاب من كامل الغرب الليبي, ووضعوا الخطوط الحمراء, هم الروس والاتراك.

ذهب الى مجلس النواب وتوسله منح الثقة, وعندما نالها, أدار ظهره له واصبح يتصرف حسب مزاجه ان لم نقل وفق أجندات من اتوا به. تطاول على النواب واستخف بهم. فالخازندار (الكبير)من طينته ويقف الى جانبه, حيث يغدق على الميليشيات لتؤمن له البقاء في العاصمة.

عندما حجب التواب عنه الثقة وهو لم يكن يتوقع ذلك, استشاط غضبا ودعا مناصريه الخروج لإسقاط البرلمان, نقول ان البرلمان قد اصابه الترهل وعدم الفاعلية منذ ان وجدت الايدي السخية النديّة الى جيوب بعض اعضائه سبيلا, لقد كانت البداية منذ ان وقع النائب الاول للبرلمان (شعيب)منفردا على اتفاق الصخيرات الذي ادخل البلاد في دوامة العنف والتدخل الاجنبي,كافأه السراج بان جعله سفيرا بإحدى الدول. لقد اصدر البرلمان عندما كان متماسكا, قوانين العفو العام والغاء العزل السياسي, وإعادة بناء الجيش وتوفير كافة الامكانيات له, فقارع التكفيريين في شرق البلاد حيث كان يأتيهم المدد تباعا من المؤتمر الوطني وتركيا الاخوانية, ومن ثم توجه الى تحرير الجنوب الذي كان مرتعا للعصابات الشادية.

 شعار الاخوان المسلمين في الدول التي اعتلوا عروشها, هو لا شيء غير الانتصار على بقية الاطراف,فهم لا يعترفون بمبدأ الاختلاف في الرؤى والعمل على حسن ادارته,بل يرغبون في اندثار الخصوم ويعتبرونهم الد الاعداء,لتخلوا لهم الساحة ويفعلون ما يشاؤون دونما حسيب او رقيب, ولهم في سبيل تحقيق ذلك استخدام كافة الوسائل بما فيها القذرة.

 صيحات الدبيبة(الفزعة) بالخروج الى الشارع وجدت صداها في دار الافتاء,فاعتبرت ذلك عملا مشروعا, ودعت الى التظاهر في الميادين والساحات بمختلف المناطق, لنصرته واسقاط البرلمان, وكنا ندرك ان سخاء الدبيبة تجاه عمداء البلديات والشباب ونصب خيم الافراح ,ما هو الا حملة انتخابية مبكرة وفي حال عدم اجرائها التمديد لنفسه بالبقاء, فقد تم صرف حوالي 50مليار دينار خلال الستة اشهر الاولى من توليه السلطة. يراهن الدبيبة على احداث انشقاق بمجلس النواب كما فعل السراج, لكن الانشقاق حينها لم يؤت اكله المرجو, الوقت اصبح جد قصير ولم تعد تنفع الالاعيب …. 

الاحتكام الى الشارع لا يجدي نفعا, فالطرف الاخر له شارعه ايضا,الافضل هو الاحتكام الى صندوق الاقتراع, بإشراف اممي تكون حرة ونزيهة, وليس الى صندوق السلاح. لقد اعرب قادة الاخوان عن تخوفهم من نتائج الانتخابات, من ان تأتيهم بدكتاتور, فمنهم(الاخوان) من لا يزال متمسكا بالسلطة منذ انتخابات 2012 .

تجمهر انصار الدبيبة بميدان الشهداء (الجمعة 24سبتمبر 2021)وعبروا عن استيائهم من سحب الثقة, وطالبوا بإسقاط البرلمان, وأقاموا الاحتفالات الغنائية, نامل ان يكون التجمهر قد خفض من وطأ سحب الثقة على السيد الدبيبة وجمهوره (فشّة خلق)ويكمل ما تبقى له من وقت لتسيير الاعمال والا يورط  الحكومة اللاحقة بمزيد الاتفاقيات والعقود. 

منذ عقد من الزمن وليبيا بدون رئيس, هكذا يريد الاخوان نظاما هلاميا يمكن اختراقه ومن ثم التصرف به, لانهم يدركون ان الرئيس المنتخب من الشعب يمكنه وفي ظروف معينة حل السلطة التشريعية واقالة الحكومة ما يعني احالتهم على القضاء, وما فعله قيس سعيد لايزال ماثلا امام اعينهم,اخوانهم في العقيدة(النهضة وتوابعها)في حالة يرثى لها وفي كل يوم يدق سعيد مسمارا في نعشهم ,انه الموت البطيء الذي ينتظرهم .

الامم المتحدة تطالب الحكومة بمواصلة عملها وتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات في موعدها, وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين, ما يعني ضمنيا ان الحكومة قد حادت عن مسارها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى