الأخبارتقارير ودراسات

الثعالب لا تغيّر طبعها.. “مايكل وولف” الذي اخترق بيت “ترامب”

الصدى – متابعات

مايكل وولف، الصحافي الأمريكي صاحب كتاب الساعة «نار وغضب» الذي قد يُسقط الرئيس الأمريكي

 مثل الفيروس الذي لا يدركه جهاز المناعة، أو جرثومة ساكنة في أعمق نقطة في جسدك، يتحرّك ويرصد المعلومات والتفاصيل، يستمع للقصص ويسجل كل حرف يسمعه ليرسم الصورة الكاملة، ثمّ كنصل سكين مُفاجئ يطعنك. هذا هو مايكل وولف، الصحافي الأمريكي صاحب كتاب الساعة «نار وغضب» الذي قد يُسقط الرئيس الأمريكي.

 

مَن هو وولف؟ وكيف وصل إلى هذا الكم من المعلومات والقصص عن ترامب وإدارته متجاوزًا كل الحدود؟

 

الثعالب لا تغيّر طبعها

لنعُد إلى بداية القصة: وولف وليد الصنعة وابنها، فوالده رجل دعاية وإعلانات وأمه مُراسلة صحافيّة، وعندما كان طالبًا في المدرسة عملَ ناسخًا في نيويورك تايمز.

 

كتب وولف عددًا من الكتب الإعلامية، منها «التلفزيون هو التلفزيون الحديث- Television Is the New Television»، يتحدث فيه عن صعود الإعلام الحديث على حساب وسائل الإعلام القديمة مثل التلفزيون، وكتاب آخر عن رموز الإعلام وأقطابه.

 

مايكل وولف بملامح مُبهمة

 

لكنّ أيًّا من أعماله لم يلفت الانتباه بقدر ما فعل عمله الأشهر: «الرجل الذي يملك الأخبار- The Man Who Owns the News»، الذي كشف فيه عن جوانب سرية وسيئة في حياة روبرت مردوخ، إمبراطور الإعلام العالمي، المستحوذ على فروع من قناة فوكس نيوز وقناة سكاي نيوز، وتعمل تحت تصرفه وملكه صحفٌ عالمية كالتايمز البريطانية، ووول ستريت جورنال الأمريكية.

 

ماذا فعل وولف ليكتب الكتاب؟ عرضَ مشروع الكتاب على أنه سيرة ذاتية غيرية سيكتبها عن مردوخ، الذي وافق على المشروع، وتابع العمل مع وولف من أجله. وبدأت لعبة الثعلب! تعرّف وولف إلى كل من استطاع التعرف إليه، فتحدَّث إلى أم مردوخ، وزوجته، وأبنائه وبناته، بل وأزواج بناته، وأخذ إذنًا بالوصول إلى مساعدي مردوخ ومُوظفيه، وسجلات شركته. انطلق وولف جامعًا المعلومات والتفاصيل، مُلتزمًا بأخذ رواية كل فرد ممكن وزاوية نظره، ليُخرج في النهاية الرواية التي يظنّها الأصح.

 

وبالفعل، جلس مع مردوخ 50 ساعة لبناء الكتاب وكتابته، مُسجلًا -صوتيًّا- كل شيء قاله مردوخ، الذي اعترض لاحقًا على أجزاء من الكتاب، لكنّ وولف أجاب بتذكيره بوجود التسجيلات، وأن الكلام خرج من فمه مباشرة.

 

يصف وولف اتصاله بمردوخ بالـ«خاص»، وبهذا الاتصال وإظهار حسن النيّة استطاع وولف اختراق تفاصيل التفاصيل في حياة مردوخ، لينتهي به المطاف بشكره في كتابه عنه، إما بجدية أو بسخرية مبطنة قائلًا عنه: «لم يكن ليُنجز شيء من هذا العمل بدون تعاون موضوع الكتاب -مردوخ-، الذي لم يكن صبورًا في معظم الأوقات فحسب، وإنما مرحًا في مقابلاته، وفتح لي كل باب طلبت منه أن يفتحه»، وبنَفَسِه الطويل، إذا وجدَ وولف بابًا مفتوحًا على ممر ما فإنه يعبره إلى آخره، ويخرجُ منتصرًا.

 

 

ويُتابع في شكره الذي يمكن وصفه باللاذع مُتحدثًا عن مساعدة مردوخ الشخصية، «التي تُسهّل كل شيء»، ثم يشكر كبار موظفيه من المديرين التنفيذيين ورؤساء تحرير مؤسساته وشركاته، « وبالمثل كان المديرون التنفيذيون لنيوز كورب، في نيويورك ولوس أنجلوس ولندن وملبورن وسيدني. كانوا كرماء في الحديث عن رئيسهم وكانوا -كما تمنيت- مسحورين به مثلي تمامًا»، ويذكر كومةً كبيرةً من الصحافيين وأرباب الصحافة الذين خاض معهم محادثات حول مردوخ ومؤسساته وحياته، بمن فيهم آريانا هافينغتون، إحدى مؤسسات هافينغتون بوست.

 

لكن، لمَاذا سمح مردوخ في المقام الأول لشخص مثل وولف أن يدخل دوائر عمله وعائلته المغلقة بهذا الشكل؟

 

في ردّه على اعتراض مردوخ، قال وولف بنفس الأسلوب اللاذع: «في النهاية، أعتقد أنهم سيكونون سعداء بالكتاب… كل من حول روبرت سيرونه ويقولون: إنه روبرت».

 

 

الثعلب يدخل العرين الواهن.. وولف في البيت الأبيض

 

وصلَ الثعلب وولف إلى البيت الأبيض، ولم يخرج حتى اغتنم منه كنزًا جعله خبرًا أمريكيًّا وعالميًّا على رأس العناوين. ما الذي حدث؟ ما الذي سمح لوولف أن يجمع كل هذه التفاصيل؟ في البداية أوقع وولف بمردوخ والآن بات يتطلع إلى أكبر الرؤوس في العالم، رأس الرئيس.

 

 في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، عُقِدَ لقاء مع وولف بعد فوز ترامب بالانتخابات، انتُقد فيه لتهاونه ووده -على غير عادته- مع ستيف بانون في مقابلته له، فسخِر من هؤلاء الذين يتذمّرون لفوز ترامب بدلًا من استغلال الفرصة والاقتراب للتعرف إلى الوافدين الجدد: فريق ترامب الرئاسي.

 

 

لكن وولف كان صريحًا منذ البداية، وقال بوضوح تام: هذه «أكثر قصة استثنائية في الوقت الحالي، إنها فرصتنا! علينا أن ندخل لنعرف من هؤلاء الناس، وماذا يقولون، إنه وقت الاستماع لهم، لقد فازوا». منطق بسيط؟ نعم، فتحَ له الباب ليدخل البيت الأبيض كما يشاء، دون أي قيد على حركته في الجناح الغربي، أرض صنّاع القرار ومناصب الصف الأول في الولايات المتحدة.

 

 ولم يكتفِ وولف في مقابلته بذلك؛ بل امتدح فريق ترامب، وذكر مايك بنس -نائب الرئيس- وصهره جاريد كوشنر بالاسم، واصفًا الفريق ككل بأنه فريق انتقالي موجّه ومنظم جدًا، على عكس ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز التي لم يرَ وولف مُراسلًا لها في مكان عمل فريق ترامب، بحسبه حينها.

 

 

إذن، يبدو أن مقابلته الودودة مع ستيف بانون كانت الخطوة الأولى، تلاها امتداحه ترامب وفريقه في وقت كانت فيه وسائل الإعلام الأمريكية هائجةً ومندهشة من فوز رجل مثل ترامب.

 

كتاب “النار والغضب: داخل بيت ترامب الأبيض”مصدر الصورةREUTERS

 يذكر وولف في مقدمة كتابه «نار وغضب» أنّ ترامب حفّز فكرة دخوله إلى البيت الأبيض، وبعدَ دخوله إليه لم يسأله أحدٌ عن سبب وجوده ولم يُطلب منه بشكل رسمي أن يمتنع عن التسجيل، مُعتبرًا ذلك انعكاسًا للحالة العامة التي تسود البيت الأبيض من عاملين يفتقرون للكفاءة والخبرة.

 

 ولأنه لم يقطع وعدًا بالحفاظ على سرية محادثاته مع المسؤولين فقد احتفظ بها، وبإدراك من الرئيس وكل من تحته أو بغير إدراك منهم، اعتبر وولف كلَّ محادثة بمثابة مُقابلة قابلة للنشر (إلا ما طُلب فيها ألا يذكر اسم الراوي)، فكانت محادثاته ومقابلاته هي المادة الخام لهذا الكتاب.

 

 

يتساءل البعض لمَ سُمح لوولف، كما حدث له مع مردوخ، أن يتنقّل بحرية في البيت الأبيض؟ يبدو أن استجابة وولف الإيجابية، ودفاعه المستميت عن ترامب وفريقه كانا مفتاح الباب.

 

 

حافظ وولف على نمطه الدفاعي عن ترامب وإدارته، وبدا «ترامبيًّا» بنفس الطريقة التي يصفُ بها ترامب في كتابه عنه، ترامب الذي يريد من الإعلام أن يحبه، وأن يكون على هواه. في إحدى المرات وبّخ وولف مؤسسات الإعلام الأمريكية معتبرًا أنها أُصيبت بـ«انهيار عصبي» بعد فوز ترامب؛ ما دفعها للتخلّي عن سياساتها ومعاييرها التحريرية القديمة الموثوقة، مؤكدًا مرة تلو المرة أنه يقترب من البيت الأبيض بهدف فهم مَن فيه: «من هم وماذا يريدون وبماذا يؤمنون؟».

 

بينما وولف الوديع يتسكّع في أرجاء البيت الأبيض، يسأل ويجمع المعلومات ويُحلل، كان وولف آخر يظهر على الشاشات بوجه مختلف تمامًا، ولأكثر من عام ونصف، احتفظ وولف بوجهه الخاص لنفسه، خادعًا العالم والبيت الأبيض بمَن فيه.

 

 بنى وولف كتابه على محادثاته مع مُساعدي ترامب وكبار مسؤوليه مثل ستيف بانون، مستشار الرئيس للأمن القومي ومدير حملته الانتخابية، وعمل على أكثر من 200 مقابلة، وتحدث بعض المسؤولين إليه عشرات المرات.

 

 لكن الأهم من ذلك أنه جلس مع الرئيس شخصيًّا مرتين، أولهما قبل أن يكون رئيسًا في منتصف 2016 في منزل ترامب، والثانية في البيت الأبيض لثلاث ساعات.

 

 بعد فوزه ودخوله البيت الأبيض بقليل صار لوولف موطئ قدم دائم في الجناح الغربي. ويا للمفارقة؛ يصف وولف إدارة ترامب بأنها أكثر انفتاحًا نحو الإعلام من الإدارات الأمريكية السابقة، ولكنه كان الرجل الوحيد على الأرض.

 

 على كل حال، يبدو أن وولف أدركَ متأخرًا طبيعة ترامب وبيته الأبيض، أو أنه انتظر اللحظة المناسبة ليعترف بذلك، ومن قلب العرين الواهن جاءت الضجة بانقلاب سببه كتاب، كتابٌ يَدِين صاحبه بالفضل لترامب ومساعديه الذين جاء لإسقاطهم.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى