مقالات و تحليلات

الدكتور خالد محمود عبد اللطيف / يكتب عن مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

الكاتب والمفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد اللطيف / رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي المدير التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بإسبانيا، والمدير التنفيذي للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة

مما لاشك فيه أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات وصانع نهضتها الحقيقية، استطاع تحقيق حلمه وتخليص بلاده من آثار الاستعمار، وتحقيق معادلة صعبة بين توحيد شعب الإمارات والانطلاق بهم نحو المستقبل، ليبقى اسمه خالدًا في تاريخ الأمة العربية، وشاهدًا على حاكم أحب شعبه وأمته العربية، فصارًا مذكورًا ومُحتفى به على مر الأعوام.

على اسم جده:

هو زايد بن سلطـان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى آل نهيان – وهذا الأخير كان يتزعم قبيلة البو فلاح التي استوطنت أبوظبي عام 1760- المولود في عام 1918 في قلعة الحصن التي بناها والده في أبوظبي عام 1910، وهو الابن الرابع للشيخ سلطان بن زايد بن خليفة، الذي كان ترتيبه الرابع عشر في سلسلة حكام آل نهيان، وقد سمي زايدًا تيمنًا بجده لأبيه زايد الكبير أمير بني ياس، الذي كان بطلًا في أيامه، واستمر حاكمًا لإمارة أبوظبي من عام 1855 وحتى عام 1909.

عاش الشيخ زايد طفولته في قصر الحصن- في قلب العاصمة أبوظبي حاليًا- في زمن شهد ندرة المدارس إلا من بضعة كتاتيب، ليدفع به والده إلى معلم ليعلمه أصول الدين وحفظ القرآن الكريم؛ وفي السابعة من عمره كان يجلس في مجلس والده ليتعلم من مجلس أبيه، فتعلم أصول العادات العربية وتعلم الأمور السياسية والحوار السياسي؛ ورغم تفوقه إلا أنه يعترف هو نفسه بأنه كان أحيانًا يرفض التعليم، وأحيانًا كان متمردًا على معلمه.

وعندما صار الشيخ زايد يافعًا، بدأت ثقافته تكتسب بعدًا جديدًا، فولع بالأدب، واظهر الاهتمام بمعرفة وقائع العرب وأيامهم، وكان يستمتع بالجلوس إلى كبار السن ليحدثوه عما يعرفوه من سير الأجداد وبطولاتهم؛ في الوقت الذي تعلم فيه الفروسية والقنص، وكان يفضل المرح والقنص في الصحراء أو الجبال القريبة أو المنافسة مع أصدقائه وأقرانه؛ كما أتقن فنون القتال؛ ومع براعته في الصيد بالصقور والبندقية، توقف عن استخدام البندقية واكتفى بالصيد بالصقور مُبررًا ذلك بحكايته “في ذات يوم ذهبت لرحلة صيد في البراري، وكانت الطرائد قطيعًا وافرًا من الظباء يملأ المكان من كل ناحية، فجعلت أطارد الظباء وأرميها، وبعد حوالي ثلاث ساعات قمت أعد ما رميته فوجدتها أربعة عشر ظبيًا، عندئذ فكرت في الأمر طويلًا، وأحسست إن الصيد بالبندقية إنما هو حملة على الحيوان، وسبب سريع يؤدي إلى انقراضه، فعدلت عن الأمر واكتفيت بالصيد بالصقور”.

“إن أفضل استثمار للمال هو استثماره في خلق أجيال من المتعلمين والمثقفين، علينا أن نسابق الزمن وأن تكون خطواتنا نحو تحصيل العلم والتزود بالمعرفة أسرع من خطانا في أي مجال آخر”.

يقول الرحالة البريطاني ويلفريد تسيثجر في كتابه “رمال في الجزيرة العربية” إن زايد “رجل قوي البنية. وجهه ينمّ عن ذكاء شديد. عيناه ثاقبتان. قوي الملاحظة يتميز بسلوك هادئ وشخصية قوية. بسيط في لباسه يحاط بحب كبير من أبناء شعبه.

إن الشعوب المحظوظة بقادتها هي التي تكون على موعد مع القدر ليهيئ لها من صفوفها قائدًا فذًا مخلصًا ووفيًا يؤمن برأيه وقدرات شعبه، حيث يبدأ معهم وبهم العمل والإنجاز وصولًا إلى تحقيق طموحاتهم”.

السياسي:

في 2 ديسمبر من العام 1971، اجتمع حكّام 6 إمارات هي أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين على ضرورة توحيد الإمارات بعد انتهاء الانتداب البريطاني لها؛ ثم عقد حكام الإمارات التسع اجتماعًا في دبي أعلن في نهايته عن توقيع اتفاقية لإقامة اتحاد يشمل إمارات أبوظبي والبحرين ودبي وقطر وأم القيوين والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وعجمان على أن يبدأ العمل في نهاية الشهر التالي، ويحمل اسم اتحاد الإمارات العربية، وقد أرست هذه الاتفاقية قواعد اتحاد الإمارات العربية ككيان سياسي موحد؛ وبعد إتمامه توحيد الدولة، أدرك أن العلم والعمل هما الطريق نحو رفعة أمته وتقدمها وبناء الإنسان فسارع إلى إعطاء أوامر ببناء المدارس ومراكز التعليم في مختلف مناطق الدولة.

ووصف الكاتب السياسي مالكوم بيك في دراسة عن الشرق الأوسط، شخصية زايد رحمه الله قائلًا “تعتبر سيرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أطول السير امتدادًا في الحكم وأكثرها تميزًا بين القادة العرب المعاصرين، حيث قام بالدور الرئيس في قيام اتحاد الإمارات، وحقق ذروة تاريخه السياسي في قمة رؤساء الدول العربية 1987 في عمان حيث لعب الدور البارز، ووضحت وجهة نظره مع دول مجلس التعاون الخليجي في تجسيد الواقعية المعتدلة، ونجح الرأي الذي تبناه بضرورة وقف الحرب العراقية الإيرانية، وهو من أكد ضرورة عودة مصر إلى الجامعة العربية وكان أول من أعاد العلاقات معها عشية انتهاء المؤتمر، كما أن الشيخ زايد يعد بحق من أهم المدافعين عن الشعب الفلسطيني”.

مع مصر:

“ما تقوم بهِ مصر نحو الإمارات، هو نقطة ماء في بحر مما قامت بهِ مصر نحو العرب”، دومًا ما كان يردد الشيخ زايد هذه المقولة، منذ ربط بين البلدين حبل وثيق من العلاقات، بدأت مع حرب أكتوبر 1973، عندّما دعم مصر في حربها ضد العدو، ومرورًا بعلاقاته التاريخية مع من تعاقبوا على حكم مصر.

بدأت العلاقة بين الشيخ زايد ومصر بدءً من عهد الرئيس جمال عبدالناصر، فقد جمع حُلم الزعامة بين الرئيسين، ورفعوا شعارًا واحدًا هو “القومية العربية”؛ وبدأت بعثات المدرسين والمهندسين والأطباء الذهاب إلى الإمارات في منتصف الخمسينيات قبل ظهور النفط في البلاد، انطلاقًا من دور عروبي وإنساني؛ وفي أبريل 1971، أهدى الشيخ زايد وشاح “آل نهيان” للرئيس الراحل محمد أنور السادات أثناء زيارته للقاهرة، وكانَ السادات يرى في الشيخ زايد الصديق الوفي والموثوق، وأنه حلقة الوصل بين جميع القادة العرب ومصر، خاصة بعد توتر العلاقات المصرية بقادة الدول العربية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

كذلك في عهد السادات، توطدت علاقة مصر بالإمارات نظرًا لمواقف الشيخ زايد عند بدء حرب أكتوبر 1973، وكان دومًا يردد خلال اللقاءات مع القادة العرب “عندما تبدأ المعركة مع إسرائيل، فسوف نغلق على الفور صنابير البترول، ولن نكون بعيدين عن أشقائنا أبدًا”؛ ووقتها كان في زيارة إلى بريطانيا، ولم يتردد عن إعلان دعمه لمصر في حربها، كمّا اقترض مليار دولار وقدمها لشراء أسلحة من الاتحاد السوفيتي لمصر أثناء حربها لاسترداد الأرض؛ وعندّما شنّت الدول العربية حربًا على أعضاء المعسكر الغربي الداعم لإسرائيل، كان للشيخ زايد موقف بارز، حينما قال: “إن الذين قدموا دماءهم في معركة الشرف، قد تقدموا الصفوف كلها، وأن النفط ليس بأغلي من الدماء العربية”، وأضاف: “إننا على استعداد للعودة إلى أكل التمر مرة أخرى، فليس هناك فارق زمني كبير بين رفاهية النفط وأن نعود إلى أكل التمر”.

وبعد انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، ساهم نيابةً عن شعب الإمارات في إعادة إعمار مدن قناة السويس التي دُمرت في العدوان الإسرائيلي عليها عام 1967؛ وعقب عقد اتفاقية “كامب ديفيد” في سبتمبر 1978، كثرت ردود الفعل المعارضة لتلك الاتفاقية في معظم الدول العربية، وبعض الدول قاطعت مصر بعد قمة بغداد، ولكن موقف الشيخ زايد كان مختلفًا عن أغلب الدول العربية، حيثُ ظلّ على تواصل مع الرئيس السادات، وقال جملتهُ الشهيرة “لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغنى عن الأمة العربية”.

رحل الشيخ زايد عن عالمنا في 2 نوفمبر 2004؛ وقال في وصيته الأخيرة “أوصيت أبنائي بأن يكونوا دائمًا إلى جانب مصر، وهذه هي وصيتي أكررها لهم أمامكم، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم”.

واحتلت سيرة الشيخ زايد العديد من الكتب التي تناولت حياته، وكفاحه من أجل الوحدة والتقدم ببلده سواء من خلال السرد عن طريق الكلمات أو من خلال الصور الفوتوغرافية ومنها كتاب “الشيخ زايد بن سلطان.. شهادات تبقى”، الصادر عن وزارة الإعلام والثقافة الإماراتية، متضمنًا بعض الكتابات التي نشرت في الصحف العربية والأجنبية عنه؛ وكتاب “زايد -رحلة فوتوغرافية” الذي يتضمن مجموعة من الصور التي تجسد حياة الشيخ الراحل، ويعتبر سجلًا شاملًا لحياة الشيخ زايد ويتناول خلفيته البدوية وشغفه بالطبيعة وحبه للصيد بالصقور وركوب الجمال والخيل، وأيضًا يتناول نضاله من أجل شعبه ضد الظروف الاقتصادية القاسية التي كانت تعاني منها البلاد في أوائل القرن العشرين، وغيرها العديد من الأحداث التي أثرت به أو أثر هو بها في تاريخ الإمارات؛ وكذلك ” الشيخ زايد – حياة وأزمان 1918- 2004″ وهو أيضًا عبارة عن مجموعة صور فوتوغرافية قام بالتقاطها المصور نور علي الراشد، وهو “المصور الرسمي للشيخ زايد ولديوان الرئاسة” وهي مجموعة صور نادرة لعدد من الوقائع التي حدثت في الماضي، كما يضم صور للشيخ زايد في كلا مرحلتي حكمه سواء كحاكم لإمارة أبوظبي، أو كرئيس لدولة الأمارات، كما يضم بعض الصور الشخصية والأسرية له.

كما قام الشيخ زايد نفسه بإصدار كتاب عن رياضته المفضلة وهي الصيد بالصقور فقدم كتاب “رياضة الصيد بالصقور” والذي يعد دراسة عن هذه الرياضة المحببة عند أهل الجزيرة العربية منذ القدم، والتي تحتل مركز الصدارة في الرياضات العربية الأصيلة، فحرص في الكتاب أن يعرض ما كتب قديمًا عن هذه الرياضة بالإضافة لتجربته هو الشخصية من خلال ممارسته لها وخبرته العميقة فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى