أخبار موريتانياالأخبارصدى الاعلاممقابلات

الرئيس الراحل …العقيد أعل ولد محمد فال : ضحيت بحياتي من أجل موريتانيا

الصدى الصفحة الاولى

تمر هذه الأيام الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس السابق اعل ولد محمد فال ، ذلك الرحيل المباغت الذي خلف صدمة دولية كبيرة قبل أن تكون وطنية لما يحظى به الرجل من حضور متميز في الدوائر الدولية خاصة في عواصم صنع القرار ، فضلا عن الأوساط الاجتماعية والسياسية الوطنية.

كانت بحق فاجعة وطنية كبرى ، أن تفقد موريتانيا أحد رجالاتها الذي حفروا بسلاحهم في ساحات الوغى ، وبرؤاهم وسياساتهم وهم يسوسون شأن البلاد ، بصمات خالدة ، تجسد اليوم أهم المنعطفات السياسية في التاريخ السياسي الوطني.

غلاف مجلة المحلة (موضوع غلاف)

في ذكراه وهو الحاضر الغائب في المشهد السياسي والإعلامي الوطني ، تنشر “الصدى” واحدا من أهم وأشمل وآخر الحوارات الصحفية التي أجراها  الرجل في اللحظات الأخيرة قبل تسليمه مفاتيح القصر الرئاسي للرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ، في أول حدث موريتاني فارق شهد القاصي والداني بأهميته ومحوريته وشفافيته .

كان الاعلام الدولي  ، والعربي على وجه التحديد حينها ، لا يكاد يصدق أن رئيسا عربيا يتربع على ظهر دبابة ليقتحم بها أسوار القصر الرئاسي ويسيطر على الحكم ، وبعد شهور يتنازل عن تلك السلطة طواعية ، في مشهد ديمقراطي مهيب ، لذا حرصت مجلة المجلة اللندنية التي أراسلها آنذاك ، على أن تعطي للحدث زخمه الاعلامي المستحق ، فكان الحوار التالي الذي خصصت له المجلة غلافها كاملا مما  تسبب لها يومها في إحراج شديد مع جهات رسمية سامية كانت تود الانفراد بالغلاف ، وأكثر من ذلك حرصت المجلة على نشر الحوار تزامنا مع القمة العربية بالرياض وهي آخر نشاط خارجي للرئيس إعلي ولد محمد فال حيث سلم السلطة بعد عودته بثلاثة أيام من الرياض.

وزعت “المجلة” كميات هائلة من المجلة التي يحمل غلافها الخارجي صورة الرئيس اعلي ولد محمد فال في  مقر انعقاد القمة ،  وفي فندق “الماريوت” بالرياض حيث يقيم المئات من الصحفيين من مختلف وكالات العالم وصحفه و قنواته

كان حديث الصحفيين عن الرئيس ولد محمد فال يومها وعن انجازه الديمقراطي “النشاز” في وطننا العربي مصدر نشوة واعتزاز لي ولغيري من الزملاء ، حيث كنت متواجدا في القمة لتغطيتها لقناة أبوظبي الفضائية موفدا مكلفا برصد نشاطات الرئيس الموريتاني في القمة

كانت يومها كل عدسات المصورين تترقب لحظة مرور عابر في كواليس قصر الضيافة للرئيس ولد محمد فال ، واتذكر أنه خرج من قاعة القادة لاجراء اتصال هاتفي فهرعت خلفه كل الطواقم الصحفية العربية والدولية تاركين الحدث الأهم وهو فعاليات القمة التي انطلقت للتو.

ونظرا للأهمية السياسية والتاريخية لهذا الحوار ها نحن نعيد نشره في الصدى تخليدا لذكرى من “ضحى بحياته من أجل موريتانيا”….

نص الحوار :

الرئيس الراحل إعل ولد محمد فال خلال حديثه لمراسل المجلة محمد عبد الرحمن (رئيس تحرير الصدى) بحضور المستشار الاعلامي بالرئاسة آنذاك السيد سيدي ولد دومان

العقيد أعل ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في موريتانيا في الثالث من أغسطس (آب) 2005، عسكري قرر ارتداء ملابس مدنية وتعهد بإعادة السلطة إلى المدنيين في ختام عملية انتقالية ديمقراطية تستمر 19 شهرا وبعد انقضاء المدة تمكن فال من تحقيق ما وعد به في بادرة تبدو مستغربة على العسكريين الذين عودونا دائما على البقاء في السلطة والزج بالمناوئين لهم في المعتقلات والسجون بحجة حماية الأمن الوطني للبلاد.

وتبدو الأمور في موريتانيا قدرية، فـ19 شهرا هي عمر المجلس العسكري و19 عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية و21 عاما هي فترة حكم الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد الطايع الذي تم الانقلاب عليه.

وينحدر هذا المسلم الخمسيني ذو الشاربين الكثين والنظارات الرقيقة من منطقة “انشيري” شمال العاصمة ويحظى بسمعة طيبة في جميع قوات الجيش بحسب العديد من الضباط وفي الأوساط السياسية والحزبية.

ولد عام1953 في نواكشوط وبدأ حياته العسكرية في سن مبكرة عام1966 في فرنسا بعد أن نجح في امتحان الدخول إلى المدرسة العسكرية للشبان.

أنهى إعداده في الكلية العسكرية في الرباط (المغرب) حيث بقي حتى1976 عند نشوب الحرب في الصحراء الغربية التي خاضتها بلاده إلى جانب المغرب في مواجهة جبهة بوليساريو الداعية إلى استقلال الصحراء.

وقاتل الضابط الشاب على عدة جبهات حتى نهاية الحرب عام1979.

وبعد أن رقي إلى رتبة عقيد, استمر ولد محمد فال في التقدم إلى أن عين عام1980 قائدا لمنطقة الترارزة العسكرية (جنوب) ثم لمنطقة نواكشوط.

وكان في فترة ما قريبا من الرئيس السابق معاوية ولد الطايع وكان إلى جانبه عندما نفذ الانقلاب على الرئيس محمد أخونا ولد هيدال في12 ديسمبر (كانون الأول)1984 أثناء وجوده في بوروندي للمشاركة في قمة فرنسية إفريقية.

وفي السنة التالية تولى قيادة الأمن الوطني (الشرطة) واحتفظ بهذا المنصب حتى عام 2005.

وبقي طوال هذه الفترة في الظل تاركا لمعاونيه إجراء الاتصالات مع ولد الطايع وحرص على عدم الظهور وفرض نفسه في إطار النظام السابق الذي شكله الرئيس السابق.

وفي الثالث من أغسطس (آب) 2005 تزعم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي نفذ انقلابا سلميا فيما كان ولد الطايع في السعودية.

وبعد ردود الفعل الأولية التي دانت الانقلاب من حيث المبدأ, نجح المجلس العسكري ورئيسه في طمأنة الأسرة الدولية من خلال تأكيد الحرص على إحلال الظروف الملائمة لعملية ديمقراطية منفتحة وشفافة والتعهد بعدم البقاء في السلطة بعد انقضاء مهلة سنتين.

وبعد مراجعة الدستور وطرح التعديل في استفتاء في يونيو (حزيران) 2006 وتنظيم سلسلة من الانتخابات التي جرت على أفضل وجه, حصل المجلس العسكري تدريجيا على تأييد الخارج بفضل إدارته الجيدة للبلاد والضمانات الديمقراطية التي قدمها.

ويقول ولد محمد فال الذي يوصف بأنه مثقف وودود في الحياة الخاصة, إنه لم يفكر بعد في مستقبله بعد الانتخابات الرئاسية التي كان راعياً لها بأمانة، الرئيس الموريتاني في حوار شامل خص به المجلة  فإلى التفاصيل..

 

حاوره في مكتبه بالقصر الرئاسي :محمد عبد الرحمن المجتبى

استجابة لرغبة شعبية شاملة

ليلة الثالث من أغسطس (آب) 2005 تحركت مع رفاقك في المؤسسة العسكرية لتغيير النظام في البلاد، هل كنت في تلك اللحظة الخطيرة تضحي بحياتك من أجل موريتانيا؟

 

ــــ بالطبع كعسكريين وكمواطنين مستعدون دائما للتضحية من أجل الوطن، أضف إلى ذلك أننا نعتبر الثالث من أغسطس (آب) استجابة لرغبة شعبية شاملة وملحة تستحق كل التضحية.

محاولات انقلابية في شكل مغامرات

  • كنت مدير أمن الدولة وتعرف كل ما يحدث في البلاد ومع هذا لم تتحرك للتغيير إلا متأخرا، هل لأن الوضع لم يكن يستحق التدخل، أم أن الفرصة المناسبة لم تتح قبل الثالث من أغسطس (آب)؟

 

ـــ المسألة لم تكن بالنسبة لنا مسألة تحين فرص، وإنما كنا نراقب الوضع من منظور المصلحة العليا للوطن وكنا ندرك أن هناك أزمة وحاولنا مرارا حلها من الداخل دون اللجوء إلى طرق أخرى، ولما تفاقمت الأمور في السنوات الأخيرة وتكررت المحاولات الانقلابية في شكل مغامرات لا يمكن التنبؤ بنتائجها على استقرار البلد، وتأكدنا أن الإصلاح لا يمكن أن يأتي من الداخل، لم يعد أمامنا خيار غير تلبية نداء الواجب الوطني والتحرك لإنقاذ البلد قبل فوات الأوان.

الانقلابي إذا فشل يعتبر مجرما وإذا نجح يعتبر زعيما…!!

ما رأيك في المثل القائل (إن الانقلابي إذا فشل يعتبر مجرما وإذا نجح يعتبر زعيما ) ؟

 

ـــ ربما كان ذلك صحيحا إذا كان الانقلاب مغامرة غير محسوبة تهدف للاستيلاء على السلطة ، ولكن في حالتنا المثل غير وراد أصلا ، لأن ما تم في موريتانيا صباح الثالث من أغسطس (آب) 2005 لم يكن انقلابا وإنما كان عملية تغيير ، تمت بموافقة ومشاركة الشعب الموريتاني بكافة أطيافه ومكوناته السياسية وحظيت بإجماع وطني غير مسبوق في تاريخ البلاد، وهذا ما يفسر الطريقة السلمية والمتحضرة التي تمت بها، حيث لم تكن هنالك أي طلقة نار ولم يفرض لحظة واحدة حظر التجوال ولم يكن هناك اعتقال لأي مواطن أو إغلاق للحدود أو قطع للاتصالات أو غير ذلك من المظاهر المصاحبة عادة للانقلابات العسكرية.

 

يرى البعض أن تغيير الثالث من أغسطس (آب) وضع نقطة النهاية لولد الطايع لكنه لم يضعها لنظامه؟

 

ـــ بالعكس تغيير الثالث من أغسطس (آب) 2005 وضع نقطة النهاية لنظام سياسي ساد في موريتانيا أكثر من أربعة عقود ولم يكن تغييرا لشخص.

موريتانيا وثمرة صمت العقيد..!!

هل ما تعيشه موريتانيا اليوم هو ثمرة صمت طويل للعقيد اعل ولد محمد فال دام أكثر من عقدين من الزمن؟

 

ـــ ما تعيشه موريتانيا اليوم أو لنقل ما كانت تعيشه قبل الثالث من أغسطس (آب) 2005 هو نتاج 45 سنة من نظام الحزب الواحد والحكم الفردي.. وهذا النمط من السلطة يضعف خطره أو يشتد حسب الحالة العامة للبلد داخليا وحسب الظروف الدولية وهذا ما يفسر استمراره كل هذه الفترة وعندما وصل إلى طريق مسدود على المستوى الداخلي وأصبح استثناء على المستوى الإقليمي والدولي أصبح استمراره يشكل خطرا حقيقيا وهكذا كنا باستمرار نوازن بين خطر استخدام القوة لتغيير الأوضاع وبين مساوئ استمرار الوضع حتى جاءت ساعة الحسم.

 

بعد تسلمكم السلطة أعلنتم برنامجا سياسيا لتطوير البلاد والتزمتم بتنفيذه خلال سنتين هل كان هذا البرنامج جاهزا، بمعنى أن الخطة مرسومة مسبقاً ؟

 

ـــ بالطبع كما ذكرت لك آنفا كنا نراقب الوضع عن كثب وكنا ندرك أبعاد الأزمة السياسة وأسبابها ، وبالتالي كان لدينا تصور واضح وكامل بالحلول المناسبة.

العقيد والثقة في نضج الشعب الموريتاني..!!

وأنت تتسلم مهامك كرئيس للبلاد هل كنت متفائلا بأن المرحلة الانتقالية ستجري كما كنت تتصور ؟

 

ـــ نعم فأنا ثقتي مطلقة بنضح الشعب الموريتاني وقدرته على التأقلم مع الأوضاع ورفع التحدي، وبالتالي لم يخامرني شك في أن الأمور ستجري كما تصورنا وخططنا.

لا أريد تصديق أقوالي أريد الحكم على من خلال أفعالي..

التزمتم بعدم البقاء في السلطة ولكن البعض تحفظ على هذا الالتزام نظرا للتجارب السابقة في موريتانيا وفي العالم العربي، هل كان تخفيضكم للفترة الانتقالية من سنتين إلى 19 شهرا محاولة لإثبات نيتكم في عدم البقاء في السلطة ؟

 

ـــ لا، فأنا كنت واعيا ومتفهما لهذا الشك المبرر ولذلك كنت دائما أقول لمن التقي بهم من مبعوثين وسفراء وغيرهم في الداخل والخارج، أنا لا أريد منكم تصديق أقوالي ولكن أريد منكم أن تحكموا علي من خلال أفعالي، أما تقليص المرحلة الانتقالية فيتعلق بعملية فنية بحتة فنحن في البداية حددنا المرحلة الانتقالية بسنتين كأقصى حد، لكن لما نظمنا الأيام الوطنية للتشاور وتمت برمجة المسار الانتقالي اتضح لنا أن تسعة عشر شهرا تكفي للوفاء بالتزامات المجلس العسكري ولذلك تم تقليص المدة.

 

 هل يعقل أن يسيطر عسكري في بلد عربي على السلطة ويسلمها طواعية للمدنيين وبطريقة شفافة ونزيهة بشهادة الأطياف السياسية الموريتانية والمراقبين الدوليين؟

 

ـــ طبعا يعقل، والدليل أمامكم، المهم أن يكون دافع الاستيلاء على السلطة وطنيا وليس شخصيا أو نفعيا وأن تتوافر الإرادة الصادقة.

لا أعطي الدروس لأحد …

هل أنتم بهذا القرار الشجاع غير المسبوق تبعثون برسالة إلى الشعب الموريتاني والشعوب العربية ككل، فحواها أن حكم المؤسسة العسكرية لا يعني بالضرورة الاستبداد والدكتاتورية وإعاقة مسارات التنمية؟

 

ـــ لا أبدا أنا لا أبعث برسالة لأي أحد ولا أعطي دروسا لأي كان فما جرى في موريتانيا أعتبره معالجة موريتانية لأزمة موريتانية وهذا هو كل ما في الأمر.

الشعب الموريتاني العريق بثقافته الأصيلة والعريقة

أحد الكتاب الموريتانيين كتب في إحدى كبريات الصحف العربية أن ما يحصل في موريتانيا إذا نجح فإن المجلس العسكري سيدخل التاريخ من بابه الواسع أما في حالة الفشل فإن موريتانيا ستخرج من التاريخ والجغرافيا، هل تتفق مع هذا الكاتب؟

 

ـــ لا لا أتفق معه لأن موريتانيا لا يمكن أن تخرج من التاريخ فتاريخها مشرق وقديم قدم التاريخ نفسه ولا يمكن أن تخرج من الجغرافيا لأن موقعها استراتيجي وحدودها آمنة، الصحيح هو أن التجربة إذا نجحت – وقد نجحت ولله الحمد- فإن الشعب الموريتاني سيتمكن لأول مرة من التحكم في مصيره وتسيير شؤونه بأسلوب ديمقراطي متحضر وفي إطار دولة المؤسسات والاحتكام إلى القانون، وسيبعد بذلك شبح العنف والانقسام، وسيتمتع كل مواطن بحقوقه كاملة ويؤدي واجباته بطيب خاطر وستنتشر ثقافة الحوار وتقبل الآخر، وليس لدينا أدنى شك في أن هذا الشعب العريق بثقافته الأصيلة والعريقة غير قادر على اللحاق بالشعوب والأمم التي تنعم بإشاعة الحرية والأمن والمساواة.

 

النخبة الموريتاني ..نخبة واعية ومسؤولة

سيادة الرئيس نريد أن نعرف منكم بصراحة رأيكم في النخبة السياسية الموريتانية هل كانت على مستوى التحدي وهل أنتم مرتاحون لتسليم البلاد للمدنيين مع حديث البعض عن افتقارهم إلى التجربة السياسية؟

 

ـــ النخبة السياسية الموريتانية كما الشعب الموريتاني عموما نخبة واعية ومسؤولة وقد برهنت على ذلك من خلال تعاطيها الإيجابي والبناء مع التجربة السياسية التي تشهدها البلاد وأنا مطمئن لمستقبل موريتانيا مهما كان الرئيس الذي سيصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.

إلغاء المديونية ومراجعة الاتفاقيات الاقتصادية

وأنت تغادر السلطة هل أنت راض عن أدائكم الاقتصادي والاجتماعي خلال المرحلة الانتقالية ؟

 

ـــ نعم أنا راض عما تحقق من الإنجازات الكبيرة في ظرف قصير جدا تسعة عشر شهرا فقط وأعتقد أن المواطن الموريتاني مثلي يشعر بالرضا لأن ظروفه تحسنت ولأنه أصبح أكثر حرية وأكثر إشراكا في الشأن العام وفوق ذلك أكثر ثقة بالمستقبل. ولا شك أن الاقتصاد تطور بسبب الإصلاحات التي شهدتها البلاد ومن أهمها إلغاء المديونية ومراجعة الاتفاقيات الاقتصادية مع الشركاء الدوليين وتهيئة الظروف الملائمة لتدفق الاستثمار الأجنبي.

 

كما تم التركيز على محاربة الفساد تكريسا لمنهج الحكم الرشيد وقد حققنا نتائج معتبرة وقطعنا خطوات كبيرة على سبيل الشفافية وحسن التسيير وموريتانيا ماضية بعون الله في هذا الاتجاه.

تحديد المأمورية الرئاسية ب 5 سنوات قابلة للتجديدمرة واحدة

 وماذا عن أدائكم السياسي؟

ـــ أعتقد أن تصويت الموريتانيين على الدستور الذي يضمن التناوب السلمي على السلطة من أهم المكاسب السياسية، حيث تم تحديد المأمورية الرئاسية بخمس سنوات قابلة للتجديد الانتخابي مرة واحدة ويمكن أن أقول إن الميزة الأساسية لهذا الدستور هي أنه يرسي دعائم ديمقراطية حقيقية عن طريق ضمان التناوب على السلطة وذلك أساس الديمقراطية، فلا ديمقراطية دون التناوب على السلطة، وفضلا عن الدستور تم تنظيم انتخابات تشريعية وبلدية التزمت الإدارة الحياد التام أشرفت عليها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والمراقبون الدوليون بما فيهم بعثة الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية وإقليمية متعددة، ونفس الهيئات أشرفت على الانتخابات الرئاسية التي تختم المسار الانتقالي في البلاد.

رفضنا الحزب الاسلامي لأن التحزب على أساس عقائدي خطير على انسجام المجتمع

  • رفضتم الاعتراف بحزب إسلامي تماما كما رفضه من قبلكم الرئيس السابق ولد الطايع، ما هو السر في ذلك ؟

 

ـــ موريتانيا دولة مسلمة %100 وحتى أن مذهبنا واحد فكيف يمكن أن نسمح لمجموعة معينة بحمل لواء الإسلام دون بقية الشعب والتسمي به وكأن الآخرين غير مسلمين ؟ ثم إن التحزب في العقيدة خطير جدا فنحن رغم وحدتنا العقدية والمذهبية والحمد لله، إلا أن بيننا طرقا صوفية عديدة وقد يوجد اختلاف في التأويل بين بعض فقهائنا وهذه المجموعات كلها قد تنتظم في أحزاب تتنافس على أساس اختلافها في التأويل أو الطريقة الصوفية إذا ما سمحنا بأحزاب إسلامية وبالتالي نكون قد عرضنا وحدة وانسجام شعبنا للخطر ولأنه من المعروف أن الخلاف المبني على أساس ديني أو عقدي يكون دائما مصحوبا بشحنة عاطفية قابلة للانفجار في أية لحظة، ولا يمكن تسويته بالحوار لأن المسألة تكون في أذهان المناضلين في هذه التشكيلات مسألة إيمان أو كفر أو جنة ونار، مسألة شهادة والاستعداد لها.

الحركات الجهادية والإستراتيجية الخاطئة ..

ومن وجهة نظر عامة فأنا أعتقد أن الاستراتيجية التي ينتهجها بعض الحركات الإسلامية (خاصة الجهادية منها والسلفية) في أوطانهم استراتيجية خاطئة لأنها تصب مباشرة في مصلحة من يعتقدون أنهم أعداء الأمة، ولأنه إذا كان المنطلق هو أن الأمة الإسلامية مستهدفة كأمة وأن الدين الإسلامي الحنيف مستهدف كدين ـ وهذا هو الواقع فعلاـ يكون الاستعداد لمعركة مصيرية كهذه يقتضي أن تسعى هذه الحركات إلى رص الصفوف داخل دولها وتخطي الخلافات والتغاضي عن الأمور الصغيرة من أجل معركة المصير لا أن تثير القلاقل والبلابل عن طريق التفجيرات وإطلاق فتاوى التكفير وإهدار دم كل من يخالفها الرأي وهو يشهد الشهادة ويقيم المناسك لأن هذه الطريقة تؤدي إلى نتيجة عكسية لأنها من ناحية تشغل الدول المعنية بالداخل فتكرس كل طاقاتها للسيطرة على أوضاعها الداخلية بدل توجيه هذه الطاقات إلى المعركة المصيرية ومن ناحية أخرى قد تدفع بعض الأنظمة والدول إلى الارتماء في أحضان من يحميها من داخلها والمستفيد في كلتا الحالتين هو من يريد السوء للأمة.

موريتانيا ومحيطها العربي والاقليمي ..

  • ما هي أهم الخطوات التي بذلتموها لاستعادة موريتانيا لحضورها العربي والإقليمي والدولي؟

 

ـــ لقد كانت تنقية الأجواء بيننا مع الأشقاء والأصدقاء واستعادة موريتانيا مكانتها الطبيعية في محيطها العربي والإفريقي والإسلامي، أهم أولويات المرحلة الانتقالية وقد تم ذلك ولله الحمد على أساس الشفافية والاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل وقد لمسنا لدى الأشقاء تجاوبا كبيرا مع مساعينا هذه، ونحن راضون كل الرضا عما تحقق في هذا المجال. وأنا على اتصال دائم بأشقائي قادة الدول عن طريق الاتصال المباشر أو المبعوثين الرسميين وكذلك عن طريق تنظيم الزيارات كلما سمحت الظروف بذلك.

نظرتي للجامعة العربية ..

  • كيف تنظر كقائد عربي للجامعة العربية ومسؤولياتها فيما يتعلق بالوضع العربي ؟

 

ـــ حالة الجامعة العربية تعكس حالة الوطن العربي اليوم، فهي مرآته والمشكلة ليست في الجامعة العربية بل في إرادة الدول المشكلة لهذه الجامعة.

المبادرة العربية والصراع العربي الاسرائيلي

  • ما رأيك فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وهل ترى أن المبادرة العربية كفيلة بإنهاء هذا الصراع المرير؟

 

ـــ رأيي أن هذا الصراع قد طال أمده وسبب معاناة إنسانية كبيرة ومحنا ومآسي لا حدود لها، لكنه في السنوات الأخيرة شهد تطورا مهما يتمثل في أن منطق السلام على أساس التفاوض حل محل منطق الحرب والمواجهة العسكرية، ولذا يجب أن تنصب كل الجهود في هذا الإطار لإيجاد حل تفاوضي على أساس قرارات الشرعية الدولية، وفي هذا الإطار أعتقد أن المبادرة العربية تشكل أساسا لهذا الحل يجب تفعيله وتقديمه بالشكل المناسب.

دور المؤسسة العسكرية

  • ما دور المؤسسة العسكرية خاصة المجلس العسكري في حماية المكتسبات الديمقراطية التي تجسدت على أرض الواقع الموريتاني؟

 

ـــ موريتانيا الآن أصبحت دولة مؤسسات والمؤسسة العسكرية تعتبر مؤسسة دستورية يحدد الدستور دورها ومهامها، ولا تخرج عن هذا الإطار كأي جيش جمهوري في العالم.

لا نريد تصدير تجربتنا لأحد كما لا نريد تقديم دروس لأحد

  • هل تعتقد سيادة الرئيس أن التجربة الموريتانية قابلة للتصدير الخارجي، أي أن تكون ملهمة لدول أخرى تسعى لانتهاج الديمقراطية كأسلوب في الحكم، وهل موريتانيا مستعدة للتعاون في هذا المجال ؟

ـــ كما قلت لك آنفا نحن لا نريد تصدير تجربتنا لأحد كما لا نريد تقديم دروس لأحد مهما كان ولا حتى نريد أن نكون نموذجا لأحد، نحن قمنا بما نعتقد أنه حل موريتاني لأزمة موريتانية.

 

سيادة الرئيس صعب جدا أن يصدق عربي أن رئيسا عربيا يترك السلطة ويذهب إلى بيته منتصرا على إغراءات السلطة وإغواء المتملقين؟

 

ـــ فليصدق أو لا يصدق هذه قناعتنا وهذا ما قمنا به.

زوجتي متفهمة لأوضاع البلاد ككل الموريتانيين 

  • صفحة من مجلة المجلة

    اسمح لي بسؤال صريح يتعلق بحياتكم العائلية، من المعروف أن السيدة الأولى في عالمنا العربي يكون لها الدور الأكبر في تشبث الحاكم بالسلطة نريد أن نعرف منكم بصراحة هل كانت السيدة حرمكم مرتاحة لقراركم بالتنحي عن السلطة أم لا ؟

 

ـــ هي متفهمة لأوضاع البلاد ككل الموريتانيين وتشاطرهم الرأي حول ضرورة تصحيح مسار البلاد بطريقة تضمن تكريس الديمقراطية كمنهج للحكم، وبالتالي كانت تقبل تركي للسلطة وتشاطرني الرأي في هذا الموضوع.

 

  • ما ردك على العقيد القذافي الذي وصف الانتخابات الرئاسية الموريتانية بالمهزلة ؟

 

ــــ لا تعليق… ما يهمني هو رأي الموريتانيين في الشأن الموريتاني.

 

  • من المعروف أنك من عشاق الصمت و القراءة هل غيرت المرحلة الانتقالية نظام حياتك بحيث أصبحت تتحدث كثيرا وتقرأ قليلا؟

 

ـــ لا لم تتغير حياتي لكن ربما شغلتني المهام عن القراءة لأنه كان أمامي عمل كبير علي القيام به في فترة وجيزة جدا، ولم يعد لدي وقت كاف للقراءة كما في السابق.

رسالة للرئيس الجديد.. لا  خير في قيادة لا تتناغم مع الشعب

  • وماذا تقول للرئيس الذي ستسلمه هذا الكرسي بعد أيام قليلة ؟

 

ـــ أقول له وبكل بساطة لا خير في سلطة لا مشروعية لها إذا لم تكن في خدمة الوطن و المواطن، وتستجيب لتطلعات هذا الشعب وترعى مصالحه ولا خير في قيادة لا تتناغم مع الشعب.

 

  • سيادة الرئيس هل ستستجيب لإرادة الموريتانيين إن طلبوا منك الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة ؟

 

ـــ علاقتي بالسلطة علاقة الضرورة والمصلحة العامة وأرجو أن يسير البلد على الطريق الصحيح لكيلا يجد نفسه مرة أخرى في وضعية تستدعي عودتي كضرورة تمليها المصلحة العامة.

 

المصدر : صحيفة “الصدى” الورقية الاسبوعية الصادرة بتاريخ الاربعاء 20 رمضان 1442هـ الموافق 13مايو 2020م 

الصدى الصفحة الاولى

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى