أخبار موريتانياالأخبار

“الصدى” تنشر النص الكامل لمداخلة نقيب المحامين الاستاذ، ابراهيم ولد أبتي فى ندوة المجتمع المدني حول مكافحة الفساد

نقيب المحامين الموريتانيين الاستاذ ابراهيم ولد أبتي رئيس فريق دفاع الطرف المدني

السيد رئيس منتدي المجتمع المدني، السادة والسيدات الحضور

تتضمن هذه المداخلة التي طلبتم مني تقديمها ثلاثة محاور أساسية:

المحور الأول يتعلق بالتعاطي الدولي مع ظاهرة الفساد والثانى حول النصوص القانونية التي سنتها موريتانيا لمكافحته ليخصص الثالث والأخير لنماذج حول التعاطي مع المال العام وطنيا ودوليا.

فيما يتعلق بالمحور الاول يتعين أن نبين أن العالم بدأ الاهتمام بمكافحة الفساد بجميع أشكاله وألوانه في بداية الألفيات: الرشوة والأموال المكتسبة بطرق غير شرعية، حتي يتم تقنينها بواسطة معاهدة دولية ليبدأ العمل في أروقة الأمم المتحدة سنة 2000  ويمر بمراحل عدة تميزت بإعداد التقارير من طرف الخبراء وتعيين لجان وإصدار توصيات كلها بإشراف الأمين العام للأمم المتحدة لتتمخض عن القرار رقم 58-04 الصادر بتاريخ 31-10-2003 باعتماد معاهدة مكافحة الفساد ليتم التوقيع عليها في مدينة “مريدا”، بالمكسيك يوم 09-12-2003 من طرف 114 دولة، وفي يوم 06-05-2020 وقعت عليها 140 دولة وصادقت عليها 187 دولة وأصبحت نافذة سنة 2005 بمصادقة عليها أكثر من ثلاثين دولة، أما موريتانيا فصادقت عليها يوم 25-10-2006 ولم تتحفظ علي أي مادة أو فقرة منها خلافا لبعض الدول التي تحفظت علي بعض موادها وفقراتها.

 هذه المعاهدة تسعي إلي ترسيخ الأمانة وروح القانون والإحساس بالمسؤولية والشفافية المجسدة للأخلاق الضرورية لبناء ونمو عالم أفضل، فحددت القيم والقواعد والمساطر التي بإمكان كل الدول تطبيقها، كما أنها وضعت آليات محكمة للتعاون بين كافة الدول التي صادقت عليها فجائت لتشكل أول آلية دولية لمكافحة الفساد في جميع أشكاله والعمل لاسترجاع  المال المكتسب بصفة غير شرعية

Biens mal acquis

بوضع آليات ملزمة لاسترجاع تلك الاموال.

كما أن الاتفاقية الدولية تضمنت مساطر دقيقة ومحكمة لاسترجاع الأموال المكتسبة بصفة غير شرعية بفضل تفعيل مكانيزمات التعاون الدولي.

وفي مجال الإحصائيات ولإبراز خطورة هذا الداء فإن الأموال المكتسبة بصفة غير شرعية تمثل سنويا ما بين 20 و 40 مليار دولار امريكى سنويا وهو ما يمثل 20 إلي 40% من المبالغ المعبئة للمساعدة الرسمية للبناء، فيتعين إذن التصدي للمحور الثاني المتعلق بالتشريع الموريتاني حول مكافحة الفساد.

 

المحور الثاني القانون الموريتاني لمكافحة الفساد

لما لمكافحة الفساد من أهمية وانخراط موريتانيا في المساعي الدولية بعد مصادقتها علي الاتفاقية الدولية المناهضة للفساد أصدرت القانون رقم 014/016 بتاريخ 15-04-2016 الذي جاء لتحقيق هدفين أساسيين:

*تجريم الرشوة بجميع أشكالها وألوانها.

*تسهيل ودعم التعاون الدولي لمكافحة الفساد وتغطية الأموال المكتسبة بصفة غير شرعية. فجاء القانون حسب الابواب التالية:

الباب الأول: يتعلق بتحديد مفهوم المصطلحات الواردة فى القانون.

الباب الثاني: فتضمن تحديد الجرائم ومعاقبتها: رشوة الوكلاء العموميين ورشوة الوكلاء العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية والرشوة في مجال الصفقات العمومية والامتيازات الغير مبررة في مجال الصفقات العمومية والرشوة في القطاع الخاص والرشوة في مادة الانتخابات وشراء الضمائر والفوترة المضاعفة والاختلاس وتبديد المال بشتي الوسائل من طرف الموظف العمومي والاعفاء الغير مشروع واستعمال التأثير

Trafic d’influence

واستعمال السلطة والثراء بلا سبب وإخفاء منتوج الجريمة والتأثير سلبا علي القضاء ومسؤولية الشخصيات الاعتبارية التي تشكل مادة جديدة في القانون الموريتاني بمسائلة جزائيا الشخصية الاعتبارية إذا ارتكب أحد مسؤوليها لفائدتها إحدى الجرائم المتعلقة بالفساد.

كما أن القانون تضمن من بين انعكاسات جرائم الرشوة إلغاء العقود والصفقات والمخالصات والرخص التي استعملت في ارتكاب الجرائم.

أما فيمايتعلق بالتقادم فأصبح في كل الجرائم المتعلقة بالرشوة محدد بخمس سنوات ابتداء من اكتشاف الجريمة دون أن تتقادم الجرائم المتعلقة بالرشوة في حالتين:

الحالة الأولي: إذا تم إخراج المنتوج المحصل من ارتكاب الجريمة من البلاد  أما الثانية فتتعلق بالإفلات من العدالة.

وفيما يتعلق بالتحقيق الابتدائى والتحريات أسندها  القانون حصرا  إلي الشرطة المكلفة بمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية مع إمكانية اللجوء إلي كشف السر المصرفي ومراقبة كل تصرف مشبوه والرقابة الألكترونية والهاتفية والمتابعة والحراسة النظرية الاستثنائية التي تتجدد ثلاث مرات مع إمكانية التفتيش المنزلي والحجز والمصادرة.

أما فيما يتعلق بالهيئات القضائية التي تتعهد في الجرائم فتتكون من قطب النيابة الذي يمثل الادعاء العام ويتكون من ثلاث قضاة نيابة برئاسة وكيل الجمهورية لدي انواكشوط الغربية لكون جرائم الرشوة موكلة للبحث والتحقيق والحكم فيها لانواكشوط وبالنتيجة لقطب النيابة لدي محكمة انواكشوط الغربية.

أما التحقيق فمسند لقطب التحقيق لمكافحة الفساد الذي يتكون هو الآخر من ثلاث قضاة.

علينا أن نبرز هنا التشكلة الجماعية التي سن المشرع فيما يتعلق بالادعاء العام وبالتحقيق لكفالة حقوق الدفاع والحضورية للجميع متهما وطرفا مدنيا، أما هيئة الحكم فخلافا لما هي عليه بالنسبة للدرجة الأولي لسائر المحاكم الابتدائية التي تتشكل من قاضي فرد، أما فيما يتعلق بجرائم الرشوة فتتكون من تشكلة جماعية من ثلاث قضاة.

فالاختصاص فى مادة جرائم الرشوة اختصاص وطني في حالة ارتكاب الجريمة علي الأرض الموريتانية، وفي حالة ارتكابها خارج الأرض الموريتانية من طرف مواطن موريتاني، وفي حالة ارتكابها خارج الأرض الموريتانية من طرف موريتاني أو من طرف فاقد جنسية مقيم في موريتانيا، وفي حالة تسبب ارتكابها ضررا بالمصالح الموريتانية، وفي حالة وجود مرتكب الجريمة علي الأراضي الموريتانية ولم يتم بعد تسليمه، وفي حالة ارتكاب الجريمة علي متن باخرة تحمل العلم الموريتاني أو علي متن طائرة مسجلة في موريتانيا.

وفيما يخص الظروف المخففة التي يستفيد منها مرتكبي الجرائم المتعلقة بالرشوة فتتعلق بتعاون كل من يوفير المعلومات للسلطات حول ارتكاب الجرم وحول مرتكبيه ومن شارك معهم قبل اكتشافه من طرف هيئات التحقيق، وفي حالة توفير كل المعلومات الضرورية التي تمكن من تحديد مرتكبي الجرائم وشركائهم ومنعهم من الاستفادة من منتوجها

كما أن القانون تضمن ترتيبات حول التعاون القضائي مع مختلف الدول حول توفير المعلومة والاجرائات التي تمكن من استرجاع الأموال المكتسبة بصفة غير شرعية بما في ذلك اللجوء إلي كافة أشكال التعاون لضمان استرجاع الأموال المحصلة بسبب ارتكاب الجرائم أو تلك المتعلقة بالكسب الغير شرعي.

كان هذا تقديما تلخيصيا لنصوص القانون المتعلق بمكافحة الفساد لتكون موريتانيا بذلك تتوفر علي ترسانة قانونية ودولية بمصادقتها علي الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد  و بذلك تكون لديها  كل الآليات القانونية لمكافحة الفساد بجميع أشكاله.

أما المحور الثالث والأخير المتعلق بالتعاطي مع المال العام فسأعرض نموذجين.

الأول منهما يتعلق بتعاطي موظف دولي مع المال العام، أما الثاني فيتعلق بتعاطي رئيس دولة مع المال العام، فيما يخص الموظف الدولي، هناك موظف دولي كان يمثل صندوق النقد الدولي في إحدى الدول الإفريقية وعندما انتهت مؤموريته تقدم إلي الهيئات العليا لوداعها، وبعد الوداع وفي الطريق إلي المطار عائدا لبلده استوقفه شرطي مبعوث من رئاسة البلد وسلمه حقيبة هدية، وعندها فتح الحقيبة وجدها مليئة بالدولار واليورو فاتصل بإدارته في واشنطن وأبلغها بالأمر، وبما أنه متجه لمدينة برسلونا بإسبانيا أمرته إدارته بإيداع الحقيبة بما فيها في المطار، ليتم ذلك وتبلغ إدارة صندوق النقد الدولي الدولة المعنية بإيفاد أحد مسؤوليها لأخذ الحقيبة المودعة فى المطار لكون مابها مال عام لايمكن لموظف عمومي دولي الاستفادة منه.

أما النموذج الثاني فيتعلق بتعاطي المرحوم الرئيس المختار ولد داداه مع المال العام فكلما وهبه رئيس أو ملك مالا نقديا في حقائب أو بواسطة شيكات من بينهم الملك فيصل عمر بنگو  واوفيت بونيى و موبوتو….كان دوما يسلم كل هذه  المبالغ للخزانة العامة باعتبار أنها للدولة الموريتانية، ودون في مذكراته إنه عندنا يكون في منزل أهل داداه فلن يعطيه أي رئيس هذه الأموال.

أردت الاستشهاد بهذا النموذج الرائع الفريد من نوعه احتراما للرجل ولبلده حتى نقتبس من تعاطيه له الرحمة والغفران من طهارته ونظافة ايديه

وأريد في الأخير أن أبلغ من لا يعلم أني كنت عضو في معارضة نظام الرجل ولكن الحقيقة تقال والرجل يستحق قولها واهلا لقولها، كما أن البلد يستحق الإشادة بها حتى يعلمها الجميع من حاكم ومحكوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى