مقالات و تحليلات

العرب بين أحلام الوحدة والأوهام / علي محمد الشرفاء

معالي الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي/ كاتب ومفكر إسلامي ، مدير ديوان سابق للرئيس الاماراتي الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

أولًا: هل تدرك الدول العربية ماذا تستفيد من تحقيق اتحادها سياسيا..؟، وهل لديها النية الصادقة في خلق كيان عربي قوي، يحمى استقلالها، ويضاعف استثماراتها في أقطارها لتكون قوة اقتصادية عالمية يحسب لها العالم ألف حساب..؟؟، وهل تدرك دولنا مجتمعة أهمية أن تمتلك جيشًا موحدَا قويًا قادرًا على حماية مصالح اللأمة العربية، لتخلق لنفسها حلفًا أمنيًا وعسكريًا كحلف الناتو..؟؟

ثم، ما الذي يعيق دولنا العربية، وهي لديها من عناصر: اللغة، والتاريخ المشترك، والمصير الواحد، والتكامل الجغرافي والمناخي، مما يؤهلها لتكون قوة عسكرية، وقوة اقتصادية تحمي ثرواتها وترتقي بمستوى الحياة الكريمة لشعوبها، وألا تكون – كما يحدث اليوم – تعطي كل الذئاب، والثعالب الفرصة لتوجيه سياسة بعض الدول العربية، وتتدخل بأمورها في كل صغيرة وكبيرة، لتنشر فيها الفتن، وتنشأ فيها الحروب الأهلية، ليتحقق للصوص الفرصة في نهب ثرواتها، وأبنائها ينفرجون على المشهد المأساوي دون مبالاة…..؟!

فعلى سبيل المثال لا الحصر، تسقط سوريا، وتنهار العراق، ويتمزق اليمن ويتشرد شعبها، وتعبث المليشيات، والمرتزقة في ليبيا، والجامعة العربية تتفرج، منتظرة أن يتدخل مندوب من أمريكا أو الدول الغربية ليصلح بين الإخوة العرب…..!!، وهنا نطرح السؤال التالي: أليست تلك مسؤولية عربية، وتأتي في مقدمتها الجامعة العربية، وأين إذًا القيادات العربية من كل هذا….؟!، وأين الالتزام العربي بالأمن القومي للدول العربية….؟!، وأين الشهامة والكرامة للذود عن حق العرب….؟!، وأين الشعارات التي سقطت تحت أنقاض الدمار، وتناثرت تذروها رياح الغضب، وتعصف بالعروبة….؟!، يقول تعالى: “تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ”.. (سورة المسد:1)

ثانيًا: ما المميزات التي ستتحصل عليها أي دولة عربية من خلال اشتراكها فى الاتحاد..؟؟

ثالثًا: هل تدرك الدول العربية، ماذا تريد من الاتحاد العربي..؟؟، وهل سيدافع عن هذا الاتحاد عن استقلالها..؟؟، وهل يستطيع الاتحاد حماية دولنا العربية من أي غزو خارجي..؟؟

رابعًا: هل الدول العربية مستعدة أن تتخلى عن أنانيتها، واستقلال قرارها، ليكون تحت تصرف القيادة العربية المشتركة..؟؟

خامسًا: هل الدول العربية، مستعدة للاستغناء عن: الكبرياء، والرياء، والاستعلاء، وحب الذات وتضخمها، بحيث تقبل الانخراط في عمل عربي مشترك وصادق..؟؟

سادسًا: هل تدرك الدول العربية، مدى الفوائد التي تتحصل عليها نتيجة الاتحاد العربي من حيث تبادل المصالح الاقتصادية، والأمن العربي الجماعي الذى يحمي الأمن القومي للدول العربية..؟؟

سابعًا: هل تدرك الدول العربية، حجم التبادل التجاري والتكامل بين أعضاء الاتحاد، وما سيتحقق نتيجة ذلك من عوائد عظيمة تربط المصالح الاقتصادية بين شعوبها التي تحيط العلاقات بين العرب بسياج متين، أساسه المصلحة المشتركة، والمنفعة المتبادلة بين الأقطار العربية، والتعاون في إنشاء مصانع مشتركة لتحقيق الاكتفاء الذاتي للوطن العربي بدلا من أن يظل عالمنا العربي سوقًا استهلاكية، تستنزف ثرواته لمصلحة شعوب أخرى، وتظل شعوبنا العربية تعاني من الفقر، والقصور الخطير في مستوى التقدم، والتطور، والازدهار ليظل العرب عالة على غيرهم من الدول…. ؟!

ثامنًا: هل من مصلحة أعداء الأمة العربية، أن تتحقق الوحدة بين الدول العربية…..؟!، بالطبع لا، مع علما بأنه سبق أن تم اتفاق بين وزيري خارجية: بريطانيا، وفرنسا على تقسيم الوطن العربي تحت اسم “خطة سايكس بيكو” سنة 1916 م، وذلك ما حدث، فهل استفاد العرب من دروس الماضي ويعود اليوم نفس الموال لتقسيم منطقة الشرق الأوسط وتوزيع التركة العربية على المستعمرين الجدد….؟!، بالطبع لا طالما ربطنا مستقبلنا، ومستقبل أجيالنا باللصوص الذين يحكمون بعض الدول الغربية، والذين ستهدفون نهب ثروات الوطن العربي وإبقائه مصدر ارتزاق، وتسخيره للاسترقاق، والاستسلام الكامل، لتنفيذ أجندات لا تخدم المصلحة العربية العليا.

ولذلك سيظل العرب في حالة ارتهان للغير إلى مالا نهاية حتى ينضب في الوطن العربي البترول والغاز، ثم يتركوا لنا دولًا هشة، تعيش عالة على هيئة الإغاثة الدولية التابعة للأمم المتحدة لإرسال المساعدات الغذائية للدول العربية، وحينها لا ينفع الندم بعد أن أسرفنا في تقديم ثروات الدول العربية كإكراميات لأمريكا، كما حدث في عهد (ترامب)، مئات المليارات من الدولارات في سباق عربي من يدفع أكثر، وجميعها قدمت هدية ومكرمة دون للرئيس الأمريكي دون مقابل، اللهم كدليل على الكرم العربي اللامحدود ….!!

لكل ذلك، سيظل العرب كما قال فيهم رب العباد سبحانه وتعالى: “صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ”.. (سورة البقرة: 18)، وقوله سبحانه وتعالى: ” خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.. (سورة البقرة: 7)، وهذا هو الحال الذي نعيشه اليوم من: الخراب، والدمار في: سوريا، والعراق، واليمن، والصومال، ولبنان، وليبيا، والبقية تأتي، فلماذا كل ذلك..؟؟، الإجابة: لأن العرب لم يطيعوا الله فى أمره سبحانه وتعالى بقوله: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”.. (سورة آل عمران: 103)، ولم يؤمنوا بتحذيره بأمره لهم، فيقول سبحانه وتعالى: “وَأَطِيعُوااللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”.. (سورة الأنفال: 46).

لقد تنازع العرب وتقاتلوا منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، واستمر مسلسل الدماء ينسكب على رمال الصحراء هدرا دون جدوى إلى يومنا هذا، تشردت الشعوب وقتلت النساء وغرق الأطفال ومات الملايين من الجوع، وما زلنا نتحدث “أننا خير أمة أخرجت للناس”، وما زلنا معتمدين في كل أمور حياتنا ومعيشتنا وأمننا على الغرب، والأمريكان، فأي أمة نحن….؟!

نقتل بعضنا البعض، ونسفك دماء بعضنا البعض، ونبعثر ثرواتنا، وشعوب أمتنا تعيش فقيرة متسولة لقمة العيش، تبحث عمن يحميها، ويصبح للأسف حاميها حراميها، لينهب ثرواتها ويخلق لها فرق الشر كـ “داعش” و”القاعدة” و”الإخوان الإرهابية” للقيام بارتكاب الجرائم، ثم يذهب العرب لمن شكل تلك الطوائف، وأمرها بالتخريب والقتل، ليطلبوا منه العون والحماية……!!

فأي أمةً نحن التي عنها نتحدث، وهي تعيش في سبات عميق….؟!، وأكبر مثل على تلك المأساة، الأشقاء الفلسطينيون، فلم ينجحوا في توحيد صفوفهم، بالرغم من أن حياتهم، ووطنهم مرتبط بوحدتهم، فسلام على أمة تاهت في القفار، وضاعت أحلامها بين الغبار، وليس لها ملجأ إلا الواحد القهار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى