مقالات و تحليلات

الفلسطينيون والأكراد… الضحيتان الأكبر في المئة سنة الأخيرة / عماد شقور

عماد شقور / كاتب فلسطيني

يحتل الفلسطينيون والاكراد، «بجدارة» كاملة، موقع الصدارة في قائمة وسُلّم الضحايا في الشرق الاوسط، على مدى المئة سنة الماضية، حتى الآن على الاقل.

صحيح ان الشرق الأوسط بكامله، بأُممه وشعوبه ودوله، ضحية واحدة هائلة الحجم، انشطرت وتشظّت وتتشظّى إلى عدد غير محدود من الضحايا التي تُوَلِّد ضحايا بلا توقُّف، على مدى ليل غطى سواده قرنا كاملا من الزمن.

الجلاد الاول والاكبر في هذه القضية/الجريمة هو التاج البريطاني، تاج الامبراطورية «التي لا تغيب عنها الشمس». وتشارك بريطانيا، بالطبع، فرنسا وغيرها من دول الاستعمار الاوروبية؛ وكذلك الرجعيات العربية والفارسية والتركية؛ اضافة إلى العنصرية اليهودية التي اطلقت الحركة الصهيونية الاستعمارية؛ وعوامل ذاتية من التخلف الذي تجذّر في المنطقة على مدى قرون.

بدأت المأساتان المميزتان: الفلسطينية والكردية، في العام 1916، بتوقيع اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية، التي فضحتها روسيا البلشفية عام 1917، بعد عثور الثورة البلشفية على وثائق بخصوصها، حيث كانت روسيا القيصرية ضِلعا ثالثا فيها، وانسحبت بعد سقوط النظام القيصري.

تلك المأساة الكبرى الشاملة، قسّمت سوريا الكبرى (بلاد الشّام)، إلى اربعة كيانات/دول: سوريا ولبنان وشرق الاردن وفلسطين. والتزمت بريطانيا، بموجب «صك الانتداب» الذي اقرته «عصبة الأمم»، بتنفيذ «وعد بلفور» الذي التزمت بريطانيا بموجبه إنشاء «وطن قومي» لليهود في فلسطين، متجاهلة، بتصميم إجرامي، وجود شعب فلسطيني له الحق الطبيعي في تقرير مصيره بنفسه، أُسوة ببقية شعوب الارض، او أُسوة بشعوب لبنان وسوريا والاردن، على اقل تقدير.

اما ابناء الأُمة الكردية في سوريا فقد أُخضعوا للانتداب الفرنسي، في حين اخضع اخوانهم وابناء أُمتهم في العراق إلى بريطانيا، وظل ابناء الأُمة الكردية في تركيا تحت حكم نظام مصطفى كمال اتاتورك ومن ورثوه، وبقي ابناء الأُمة الكردية في إيران خاضعين للحكم الفارسي.

توالت المآسي الفلسطينية والكردية على مدى سواد ليل غطى حتى الآن سنوات قرن كامل من الزمن:

ـ احتلت الحركة الصهيونية العنصرية الاستعمارية 78٪ من ارض فلسطين عام 1948، وتسببت بنكبة شعبها، ثم الحقت ذلك، بعد تسعة عشر عاما باستعمار ما تبقى من ارض فلسطين.

ـ بحرمان الاكراد من حق تقرير المصير كأُمة مثل غيرها من أُمم العالم، او حقهم كشعوب ينتمون إلى قومية ولغة وثقافة وتاريخ وطموحات واحدة وموحدة، من اقامة كيانات سياسية (دول) خاصة بهم، يلتقون مع الشعب الفلسطيني وادي المعاناة والدم والدموع.

يجدر بي ان اؤكد في هذا السياق، ان قناعاتي هذه بالحقوق المشروعة لابناء القومية الكردية ليست جديدة ولا حديثة ولا علاقة لها بما نشهده هذه الايام من نهضة وتململ كردي في شتى اماكن وجودهم. اذكر، في هذا السياق، انني شاركت ايام كنت طالبا في الجامعة العبرية في القدس، في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، في مظاهرة مناصرة لحق الاكراد في تقرير مصيرهم. وحين تفاجأ الصحافي والسياسي الاسرائيلي المخضرم، أوري أفنيري، بمشاركتي في تلك المظاهرة، وهو يعرف انني عربي قومي ناصري وعضو في حركة الارض الوطنية الفلسطينية، كان ردي على استهجانه وتساؤله: «اذا كنت أومن بحق شعبي الفلسطيني في تقرير مصيره، واناضل من اجل ذلك، فكيف تريد ان يكون موقفي من المسألة الكردية، وعدد الاكراد خمسة اضعاف عدد الفلسطينيين في فلسطين ودول اللجوء والشتات».

يسعى الاكراد في اقليم كردستان العراق إلى إجراء «استفتاء غير ملزم» حول استقلال اقليمهم، يوم 25 ايلول/سبتمبر المقبل، وذلك بعد توافق بين جميع الاحزاب والقوى السياسية الكردية في الاقليم على هذا الامر في بداية حزيران/يونيو الماضي.

من جهة ثانية ومكمِّلة، حددت الإدارة الكردية في شمال سوريا مواعيد اجراء انتخابات للمجالس المحلية، ومجلس تشريعي للمنطقة في أيلول/سبتمبر، وتشرين ثاني/نوفمبر، من هذا العام، وفي كانون ثاني/يناير، مطلع العام المقبل.

هذه التطورات الهامة على الصعيد الكردي، وعلى الصعيد العربي المتخم بالأحداث والتطورات، وعلى صعيد الإقليم، تلاقي رفضا حادا وعنيفا مرفقا بتهديدات من تركيا، التي تخشى انعكاس تنفيذ هذه القرارات الكردية العراقية والكردية السورية، على الاوضاع الداخلية التركية. ومن الطريف في هذا السياق ان تركيا تعيد رفضها وقلقها من هذه الاحداث إلى «حرص تركيا على سلامة ووحدة اراضي الدولة العراقية والدولة السورية»!. لكن هذا القلق لا يتوقف عند الحدود التركية، بل يتخطاها إلى داخل حدود إيران. كما يثير الامر وتداعياته قلقا على الصعيد الدولي، كان ابرزه ما اعلنه السفير البريطاني في العراق من تحذير بلاده من تداعيات اجراء الإستفتاء، ولحق بذلك شبه توافق دولي، يتخذ موقفا سلبيا من هذا الحدث الذي اقرته الاحزاب الكردية.

يجدر بالعرب عند هذا المفصل، اعادة التفكير، وموازنة الامور، وفحص الغث من السمين، واعتماد الالتزام بمبادئ العدل والحق، والتطلع إلى المستقبل، قبل اتخاذ قرار ورسم سياسة التعاطي مع هذه التطورات.

لسنا، كعرب، وحدنا في هذا الاقليم. هناك الاتراك والفرس، وهنا اليهود والحركة الصهيونية ايضا. فهل من مصلحتنا ان نقف حجر عثرة في طريق حق الاكراد في تركيا في تقرير مصيرهم؟، والامر ذاته ينطبق على إيران (والحكم الفارسي) والاكراد هناك؟. وابعد من ذلك واشد خطورة: هل هناك أي مصلحة للعرب في اعتماد سياسة تشكل ريحا تتمناه اشرعة سفينة التحالف الاسرائيلي/الصهيوني-الكردي؟.

قد يفيد هنا تسجيل حقائق لا بد من معرفتها واخذ اوزانها وأَبعادها في الحسابات العربية، قبل اتخاذ القرار واعلان الموقف: ليست هناك (لأسباب معروفة) احصائيات دقيقة حول الاكراد في المنطقة والعالم واماكن توزعهم. لكن المرجح، وقريبا جدا من اليقين، ان عدد الاكراد في العالم يتراوح بين الـ35-40 مليون نسمة. وتوزيعهم كالتالي:

ـ تركيا: عدد الاكراد يتراوح ما بين 11-19 مليون نسمة، أي ما يعادل 16-19٪ من عدد السكان.

ـ إيران: عدد الاكراد يتراوح ما بين 6.5-8 مليون نسمة، أي ما يعادل 7-10٪ من عدد السكان.

ـ العراق: عدد الاكراد يتراوح ما بين 6.2-6.5 مليون نسمة، أي ما يعادل 15-23٪ من عدد السكان.

ـ سوريا: عدد الاكراد يتراوح ما بين 1.75-2.2 مليون نسمة، أي ما يعادل6-9٪ من عدد السكان.

على انه يجدر بنا معرفة ان اقامة دولة، بما تعنيه كلمة «دولة» في قاموس السياسة العصري، من حيث انها المثلث الذي تتكامل اضلاعه الثلاثة: النظام، السكان والحدود الجغرافية، اصعب بما لا يقاس من تحطيم دولة. ومن هنا صعوبة ما يواجهه المنتمون إلى القومية الكردية.

تضاف إلى صعوبة وتعقيدات الوضع الكردي مسألة الجغرافيا الظالمة: لا يُطِل «وطن» الاكراد على أي بحر او محيط. واكثر من ذلك: «وطن» الاكراد محصور بين أُمم وشعوب معادية، وان بدرجات متفاوتة من العداء.

يقول شاعر فلسطين الكبير، محمود درويش، في قصيدته «مديح الظل العالي» اثر خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982: «من لا بَرّ له، لا بحر له». لكن الحقيقة السياسية هي ان «من لا بحر له، لا بر له». وحقيقة مأساة الـ»وطن» الكردي، الذي لا بحر له، دليل قاطع على ذلك.

اما شاعر فلسطين الكبير، احمد دحبور، الذي آلمنا بفراقه قبل اشهر، فكان قد اعلن بشكل بديع، في توصيف الحالة الفلسطينية، وطموحاتهم ومطالبهم المتواضعة، في ثمانينات القرن الماضي: «من اجل فنجان شايٍ، ودفترٍ وطوابعْ…لا بد لي من قلاعٍ، وعسكرٍ ومدافعْ».

ما ينطبق على الفلسطيني في قصيدة احمد دحبور، في هذا القرن القاسي، ينطبق على الكردي.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى