إفريقي ومغاربيالأخبارصدى الاعلام

المنصف المرزوقي: الحرب على الفساد يجب أن تكون هيكلية لا موسمية

الصدى – متابعات

الدكتور محمد المنصف المرزوقي / الرئيس التونسي السابق

الدكتور محمد المنصف المرزوقي، من مواليد قرمبالية ولاية نابل عام 1945. مناضل سياسي وحقوقي تونسي. ثالث رئيس لتونس وأول رئيس يصل كرسي الرئاسة ديمقراطيا بعد ثورة الياسمين وسقوط نظام الطاغية زين العابدين بن علي. نال الدكتوراه في الطب من جامعة ستراسبورغ في فرنسا وعاد إلى تونس عام 1979 ليدرس طب الأعصاب وينشئ مؤسسة للطب الشعبي. انضم إلى الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وأصبح رئيسها. اعتقل عام 1994 من قبل نظام زين العابدين بن علي إلا أن تدخلات دولية وضغوطات مؤثرة من بينها تدخل المناضل نيلسون مانديلا، أجبرت النظام على إطلاق سراحه. وقد تأثر بثورة مهاتما غاندي السلمية وزار الهند لمدة شهر بدعوة من الحكومة الهندية ثم توجه إلى جنوب افريقيا لدراسة التحول الديمقراطي بعد انهيار نظام الأبرتهايد.

انتخب رئيسا لتونس بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2011 بواسطة المجلس الوطني التأسيسي حيث صوت لصالحه 153 صوتا من مجموع 217. قاد البلاد ضمن تحالف ما سمي بالترويكا المكونة من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه المرزوقي وحزب النهضة الإسلامي وحزب التكتل.

بعد إقرار الدستور الجديد في كانون الثاني/ينايرعام 2014 خاضت البلاد انتخابات تشريعية ورئاسية حرة تعددية لأول مرة في تاريخها. خسر حزب المؤتمر لصالح «نداء تونس» الانتخابات التشريعية الأولى القائمة على التعددية بتاريخ 23 تشرين الأول/نوفمبر 2011 كما خسر المرزوقي انتخابات الرئاسة الحرة والتعددية بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 2014 لصالح الباجي قايد السبسي بنسبة 44.3 في المئة إلى 55.7في المئة فاتصل مهنئا الرئيس المنتخب ديمقراطيا متمنيا له حظا سعيدا. أسس بعد ذلك حزب «حراك تونس الإرادة» والذي يستعد به الآن للدخول في انتخابات 2019 المقبلة.

تعددت أنشطة الدكتور المرزوقي بعد إخلائه مقعد الرئاسة فأسس مع بعض الناشطين العرب المجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية في تموز/يوليو 2014. ولا يزال الشعب العربي يثمن مشاركة المرزوقي في «أسطول الحرية 3» لفك الحصار عن غزة والذي إنطلق من اليونان في حزيران/يونيو 2015 حيث اعتقلته السلطات الإسرائيلية مع المشاركين في الرحلة واقتادتهم إلى ميناء أسدود ثم قامت بترحليه إلى فرنسا ومن هناك عاد إلى تونس ليجد أمامه استقبالا شعبيا يليق به.

في العاصمة تونس أجرت «القدس العربي»مع الرئيس السابق لتونس الدكتور محمد المنصف المرزوقي هذا الحوار.

○ كنتم أول رئيس لتونس بعد سقوط النظام السابق، وكانت البلاد تعيش حالة فوضى، فما هي أهم الإنجازات التي تحققت في فترة الثلاث سنوات التي قدتم فيها سفينة الوطن رغم أن الأمواج كانت تعصف بها من كل مكان؟ هل من درس أساسي خرجتم به تشاركون فيه القراء؟

  • الإنجازات تقيّم بالأهداف التي انطلقنا منها. حكومة الترويكا كانت مطالبة بثلاثة أشياء: كتابة الدستور، والعودة للشعب بانتخابات رئاسية وبرلمانية لنظام سياسي يبلور خيارات الدستور الجديد، وإدارة الشأن العام بما يحفظ البلاد من كل انزلاق.

لم ندّع يوما أننا سنحلّ مشكلة البطالة وهي مشكلة لا تعالج إلا ضمن نظام سياسي مستقر وسياسات طويلة المدى، بينما كنا في مرحلة انتقالية.

حققنا الأهداف الثلاثة، كتبنا دستورا من أرقى دساتير العالم.

حافظنا على نسق معتدل للتنمية رغم كل الظروف.أقمنا الانتخابات وقبلت بنتائجها رغم كل الاختلالات حتى لا أعرّض البلاد لسيناريو الكوت ديفوار.

أنظر الآن إلى المجموعة التي جاءت للحكم بوعود يتضح اليوم حجم خديعتها للشعب.

○ من خلال أحاديثي مع الكثير من الأصدقاء التونسيين، هناك شبه إجماع على أن الوضع الاقتصادي يمر بحالة صعبة للغاية. فما هي أسباب هذه الأزمة أولا وما هي اقتراحاتك للخروج منها؟

  • الوضع ناتج عن تراكمات سياسات الاستبداد وهي أساسا الفساد والتواكل وغياب الرؤيا الاستراتيجية والتعويل على الحلول السهلة مثل السياحة الرخيصة والاستثمار الخارجي والتداين.

الحلول معروفة لكن لن تتحمل صعوباتها وتبعاتها إلا حكومة وطنية شجاعة.

يجب مراجعة اتفاقية الشراكة مع أوروبا والأمر ممكن داخل الاتفاقية نفسها إذ نحن في حاجة لفترة لحماية صناعاتنا الهشة.

يجب مواصلة السياسة التي بدأتها في مراجعة تخفيض الديون لنستطيع استثمارها في خلق مواطن الشغل.

يجب أن تكون الحرب على الفساد هيكلية لا موسمية واستعراضية كما هو الحال الآن.

لكن قبل كل شيء يجب توفير المناخ السياسي، أي الثقة في المستقبل والاستقرار لكي يرتفع حجم الاستثمار الداخلي وعودة التونسيين للعمل بمعنويات مرتفعة. كل هذا غائب، لذلك ليس لتونس أي مستقبل اقتصادي في ظل منظومة حاكمة ليست إلا النسخة المجددة للنظام الذي قادنا للإفلاس والثورة.

○ كثير من اللوم يوضع على تحالف الترويكا في السنوات الثلاث الأولى وخاصة في موضوع انتشار الفساد. فكيف سمحتم بتفاقم تلك الحالة وأنتم في قمة هرم السلطة؟ هل كان الفساد أكبر من أن يقاوم؟

  • هذا جزء من سرديتهم الكاذبة. الترويكا أحالت للقضاء 300 ملف فساد اقتصادي. تسرّب الكتاب الأسود للصحافيين الفاسدين الذي كنت أريد عرضه فقط على المجلس التأسيسي لسن ّ قوانين صارمة ضد الفساد في الإعلام وأنا ما زلت أدفع ثمن هذا الفضح.

خلقنا أيضا هيئة الحقيقة والكرامة لكي تكشف حجم الفساد وتنظم إنهاء ملفاته. طلبت أكثر من مرة من حكومة النهضة مزيدا من السرعة والصرامة. اليوم يسنون قانونا لتبييض الفساد وينخرطون في عملية تصفيات ضد لوبيات معينة باسم ولمصلحة لوبيات أخرى ويقدمون هذا كحرب على الفساد.

○ كنتم قد اقترحتم إنشاء محكمة دستورية وتعزيز نظام المساءلة وتثبيت مبدأ الشفافية في الحكم. فأين وصلت تلك الاقتراحات؟

  • المنظومة الحاكمة عطّلت مسار خلق المحكمة الدستورية الموجودة في الدستور وليست اقتراحا من أحد. وأشكّ أنها سترى النور اللهم إلا إذا تأكدت المنظومة من تبعيتها المطلقة وآنذاك لن تعني لنا شيئا.

خوفهم الأكبر كاستبداديين أضطروا للبس القناع الديمقراطي أن تكون لتونس مؤسسات مستقلة تكبح جشعهم الغريزي للتسلّط.

بالطبع نقض المحكمة الدستورية لنتائج الانتخابات الرئاسية يزيد في خوفهم من هذه المحكمة لأنهم سنة 2019 سيكونون أمام خيارين أحلاهما مرّ: الرحيل أو التشبث بالسلطة بالتزوير إذ لن يرحمهم الشعب بعد اتضاح حجم التحايل والخداع الذي ذهب ضحيتهما وكل هذه السنوات الضائعة من الإفلاس السياسي والاقتصادي والأخلاقي لكامل المنظومة.

○ وجدت الكثيرين من التونسيين الذين تحدثت معهم يطرون على استتباب الأمن. فهل هذا من إنجازات «نداء تونس» أو من تحالف النداء مع «النهضة»؟

  • أنا أحمد الله على استتباب الأمن وأبتهل إليه أن يدوم.

الأمر لا علاقة له بإنجازات هذا أو ذاك. لا تنسى أننا كنا في السلطة في مرحلة انتقالية وأن الإرهاب اغتنم الفرصة لزعزعة البلاد. أقول لك بكل فخر أن السياسات الأمنية من تسليح الجيش وهيكلة الأمن إبان فترة الترويكا هي البذور التي انتجت ما نراه الآن.

○ أنشأتم حزبا جديدا تحت اسم «حراك تونس الإرادة» لينضم إلى أكثر من 200 حزب. فما هو مستقبل هذا الحزب في ضوء هذا التشتت الذي تشهده الساحة التونسية؟ وماذا يميز هذا الحزب عن غيره وهل تتوقع أن يسطر انتصارات في انتخابات 2019؟

  • هناك 200 حزب، لكن أحزابا على ورق. تونس فيها سبعة أو ثمانية أحزاب فعلية منها ما أسميها الشركات السياسية أي ماكينات تشتغل بالمال الفاسد وليس لها أي رصيد شعبي.

سنة 2011 الحزب الذي أسسته ودخلت به الانتخابات ”المؤتمر من أجل الجمهورية» حصّل على المرتبة الثانية في انتخابات المجلس التأسيسي ولولا هذا النصر لما أصبحت رئيسا للجمهورية.

الحراك هو توسيع وتعميق نضال المؤتمر وسيلعب دورا كبيرا في الانتخابات المقبلة ومن ثمة استهدافه.

○ هل ترون أن تحالف «نداء تونس» مع «النهضة» سيستمر طويلا، وهل هناك خطر من فوضى قد تنشأ لو انهار هذا التحالف؟

  • لا تنسَى الفرق الجذري في تحالف الترويكا، أي تحالف النهضة وحزبي المؤتمر والتكتل العلمانيين والتحالف الحالي بين النهضة والنداء.

كان تحالفنا مبنيا على المبادئ. التحالف اليوم بين النداء والنهضة مبني على أضيق المصالح وهذه تتغير باستمرار خلافا للمبادئ.

اليوم اللعبة من يستعمل من؟

غدا من سينقلب على من؟

والمسألة ليست هل سيتمّ هذا لكن متى؟

هل سينجرّ عن ذلك فوضى؟ لا أعتقد وإنما هي دوما سرديتهم التي يموهون بها على الشعب وعلى العالم وخاصة على أنفسهم.

○ ما هو حجم جماعات المتطرفين الذي عاثوا خرابا في البلاد وقتلوا العديد من الأبرياء من جنود ومواطنين وسياح أجانب؟ هل ما زالوا يشكلون خطرا على البلاد؟

  • كن على أتم الثقة أنه لو عادت القوى الوطنية للحكم سنة 2019 وهو أمر أكثر من مرجّح، فستتحرك أكثر من غرفة عمليات لتحريك الإرهاب ومن ثم ضرورة الوعي بخطورة المرحلة والاستعداد لها.

○ كيف ترى انعكاس الأزمة الليبية على الأوضاع في تونس وهل يمكن أن تنعم بالاستقرار دون حل شامل للأزمة الليبية؟

  • طوال رئاستي كنا نعتبر الملفّ الليبي شأنا تونسياً داخليا لأنه عندما يشب حريق في منزل جارك وشقيقك لا تستطيع أن تتفرّج.

نعم يجب أن نكون طرفا فاعلا في حلّ الأزمة الليبية، فانعكاساتها علينا بديهية.

○ ما هو مصير الدعوة للمصالحة التي طرحها حزب «نداء تونس» ولم يتقبلها مجلس الشعب؟ هل يمكن أن يكون هناك تقبل لرموز النظام السابق في تونس المستقبل؟

  • لا تتصور كم كنت أكره أنا الديمقراطي الحقوقي كلمة الديمقراطية وحقوق الإنسان في التسعينيات لأن الديكتاتور كان يستعمل هذه الكلمات النبيلة مئة ألف مرة في أي خطاب.

اليوم كلمات المصالحة والتوافق والحوار أصبحت هي أيضا مصطلحات مصادرة مهمتها أن تغطي على عكس معناها.

إنها مأساة بالنسبة لشخص مثلي يعشق اللغة ويعطي لكل كلمة معناها الدقيق.

أن فقد الثقة في الكلمات يعني توقف التواصل الحقيقي والفعلي بين الناس وركونهم للعنف عاجلا أو آجلا.

نحن اليوم أمام مكنات هائلة وتقنيات بالغة الخبث لتزييف الوعي وتدنيسه. يسمون مصالحة وطنية قانون عفو عن الفاسدين المأمول منهم غدا دعم الحملة الانتخابية. يسمون حوارا وطنيا تفاهمات سرية بين حزبين سياسيين مع إقصاء كل القوى الأخرى وكأنها ليست جزءا من الوطن.

نحن نعيش فعلا مرحلة ما بعد الحقيقة وبالتالي فالصراع المقبل سيكون حول حق الشعب في الحقيقة.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى