مقالات و تحليلات

اليمن.. منارة التنوير الثقافي / صالح البيضاني

صالح البيضاني / كاتب وصحافي وباحث سياسي يمني

قبل أيام ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر مدسوس عن وفاة شاعر اليمن الكبير «عبدالعزيز المقالح»، لكن سرعان ما تنفس اليمنيون الصعداء بعد تكذيب الخبر، الذي يبدو أنه عمق من أحزان لا تنقطع، قلصت من مساحات الفرح القليلة المرتبطة بوجوه الفن والثقافة التي يلوذ كثير من الشباب إلى ظلالها الوارفة هرباً من بشاعة العنف السياسي، وانتهازية النخب المتحزبة، التي قادت اليمن لهذه الحال المؤلمة التي هو عليها اليوم.

 

يعد الشاعر المقالح أبرز منارات التنوير والثقافة في اليمن، بعد رحيل عمالقة الأدب الذين أثروا الحياة الثقافية، وتركوا بصمات واضحة في مشهد لم يعد فيه من شيء يدعو للبهجة والتباهي، سوى المآثر الثقافية في الفن والأدب التي خلقت مساحة خضراء في قلوب وعقول الهاربين من جحيم الحرب والصراعات ودورات العنف المتتالية.

 

وقد تحوَّل الشاعر المقالح خلال السنوات المنصرمة إلى ملاذ آمن للأدباء والكتاب الشباب في اليمن، الذين عانوا من غياب الدور الرسمي في دعم المبدعين، وغياب المنابر الثقافية ووسائل النشر، كما تحول مركز الدراسات والبحوث الذي يرأسه في صنعاء إلى ملتقى للأدباء والمبدعين.

ولم يقتصر دور الدكتور عبدالعزيز المقالح خلال مسيرته الطويلة كرئيس لجامعة صنعاء، ورئيس لمركز الدراسات والبحوث اليمني والمجمع اللغوي اليمني، على رعاية واحتضان الأدباء اليمنيين فقط، بل إنه فتح أبواب المؤسسات اليمنية التي كان يرأسها خلال العقدين الأخيرين على مصراعيها لاستقبال الكتاب والمثقفين العرب، الذين تعرضت بلدانهم لموجات من العنف والصراع، قبل أن تنتقل عدوى هذا الخراب إلى بلده، وإلى مدينته صنعاء التي رفض مغادرتها خلال خمسة عقود على الأقل، متمتماً بالقصائد في عشقها، بدءاً من ديوانه الأول «لا بد من صنعاء» الذي ستصدر خلال الأيام القليلة القادمة طبعة جديدة منه، وصولاً إلى ديوانه «كتاب صنعاء» الصادر في 1999، والذي جدد فيه تأكيده على عشقه الأزلي للمدينة التي وصفها صديقه الراحل عبدالله البردوني، بأنها «مليحة عاشقاها السل والجرب»، كناية عن الأحزان والمآسي التي تشوه وجه هذه الجميلة التي يعشقها الشعراء ويبكونها في آنٍ، كما هي حال المقالح في واحدة من أحدث قصائده التي نشرها في عام 2020 وقال فيها يخاطب محبوبته:

 

صنعاء..

 

يا بيتاً قديماً / ساكناً في الروح / يا تاريخنا المجروح / والمرسوم في وجه النوافذ

 

والحجارة.

المصدر : الرؤية الإماراتية 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى