أخبار موريتانياالأخبارالصدى الثقافي

“بيت الشعر” يحتضن ندوة علمية بعنوان : اللغة العربية العوائق والآفاق(إيجاز صحفي)

نظم بيت الشعر – نواكشوط مساء أمس (الخميس) ندوة علمية عن ” اللغة العربية: العوائق والآفاق، وذلك وسط حضور كبير تقدمه علماء ومختصون في شتى علوم اللغة العربية فضلا عن عدد كبير من الشعراء والأدباء والمثقفين والأكاديميين.

 

وتميزت هذه الندوة بعرضين أكاديميين لكل من اللغوي الأديب الباحث الدكتور يحيى البراء، الفائز بجائزة الدولة التقديرية وهو أحد أشهر أكاديميي البلاد المختصين في الإنتربولوجيا واللسانيات، والدكتور محمد الأمين الغزالي وهو باحث مختص في اللسانيات العربية المقارنة، وأستاذ جامعي في موريتانيا وخارجها، وكان قد أشرف على عدد من الملتقيات والندوات اللغوية التي أقيمت لصالح أساتذة التعليم، وعمل مؤطرا للمكونين في اللغة العربية وهو إلى ذلك مشارك في تأليف كتب ووثائق تربوية معتمدة.

 

هذا، وبدأت الندوة بكلمة للأستاذ الدكتور عبد السيد، مدير بيت الشعر – نواكشوط، قدم من خلالها تعريفا بالأستاذين المحاضرين، لافتا إلى أهمية اللغة العربية كلغة علم وضرورة حمايتها وتشجيع مبدعي أدبها وثقافتها.

 

الأستاذ الدكتور السيد شدد على أن بيت الشعر حريص على أن تكون قضايا العربية كلغة ذات اهتمام مركزي في كل نشاطات البيت، باعتبارها لغة إنسانية نقلت معارف البشرية في حقب معروفة، وتحدث عن خصائص هذه اللغة المميزة لها، والتحديات التي يجب رفعها تسهيلا لمزيد من الانتشار للعربية.

 

بعد ذلك استمع الحضور إلى المحاضرة الأولى التي قدمها الدكتور يحيى البراء، الذي بين في مستهل محاضرته أن الحديث في موضوع العربية “تتداخل فيه واجهات متعددة لسانية ومنطقية ومعرفية ومجتمعية ونفسية وحضارية، تجعل أخذ صورة بانورامية له يتراءى أمرا كالمستحيل. هذا وإن كان في النظرة الأولى يبدو موضوعا لغويا صرفا”.

 

وقال: “السبب في ذلك لا يعود لخصوصيته هو بالذات ولا لكثرة إشكالاته وتعدد مظاهره وإنما لكونه ككل مقاربة تتعلق باللغة لا تكون مكتملة أي لا تستحق الوصف بالكفاية التفسيرية إلا إذا أخذت وجهة قالبية. أي إذا نظر إليها من زوايا مختلفة تنأى بها عن النظرة التجزيئية والموقف الاختزالي والمتسرع”، مضيفا “لهذا الاعتبار نرى من الضروري البدء بجملة من المقدمات تؤسس لهذا الطرح المتعدد الوجائه، وتجعل القارئ يتقاسم مع الكاتب أهم معالم الفضاء المعلوماتي الضروري لنجاعة العملية التواصلية”.

 

وقال “اللغة العربية محصلة للهجات العرب قبل الإسلام، جُمعت مادتها ووصفت أنظمتها خلال أيام التدوين بحر القرن الثاني للهجرة. وهي إحدى اللغات السامية ذات السمات الخاصة (غرينبرك 1968) وهي تعد ذات طبيعة إعرابية تسمح لها بنوع من الحرية في البناء الرتبي على مستوى البنية المكونية، وتمتاز بأنها لغة اشتقاقية بما يعنيه ذلك من تمدد ذاتي وانتظام في حقول معجمية متسقة”.

 

وأضاف أن العربية “تعتبر اليوم من أكثر لغات العالم انتشارا، فيتكلمها نصف مليار من البشر، وتعد إحدى لغات الأمم المتحدة الست (1973م) كما تعد من أهم هذه اللغات للثقل الحضاري والثقافي والديني الذي تحمله فهي لغة الإسلام وبها نزل القرآن ووردت السنة، وعليها قامت حضارات عديدة كادت أن تعم العالم القديم وللأهمية الإستراتيجية لمتكلميها، ولإسهامها في نهوض العديد من الحضارات، الشرقية والأوروبيّة”.

 

وأكد الدكتور البراء أن هذه اللغة التي كانت على رأس اللغات الحاملة للفكر والعلم والفن والأدب تعرف اليوم أزمة على مستوى محيطها وعلى مستوى بنيتها. ومن المتداول بين المختصين في علم اللغة الاجتماعي أن الأمم ذات الثقافات المترسخة لا تستطيع النهوض دون الاعتماد على لغاتها، وأن للغة دورا بارزا في عملية النهوض وأثرا بالغ الوقع في التنمية بمفهومها الشامل.

 

وتحدث بالأرقام والأمثلة عن مميزات وخصائص في النحو والصرف، يمكن أن تكون منطلقا لدراسات وأعمال تستهدف خدمة هذه اللغة وتثبيت استخداماتها المنشودة.

 

أما الدكتور محمد الأمين الغزالي فقد ركز في محاضرته على علوم اللغة العربية في  التركيب، والدلالة، والمناهج اللسانية.

 

وذكر بأن أول صوت بالعربية سجل في التاريخ منذ ما يناهز 200 عام، والتسجيلات اللاحقة يمكن أن تشكل مجالا لدراسة صوتيات هذه اللغة، وتحدث عن تاريخ العربية، فاتحا بذلك مدخلا إلى تجارب تأثير تنشئة الأطفال على اللغة في الخطاب اليومي، مؤكدا أن ذلك يبدأ من حضانة الأطفال وأرباب الأسر وخطاب المدرسين في الفصول المدرسية.

 

وأكد الدكتور الغزالي أن “اللغة العربية تعيش وضعا مترنحا بين تمكين وإقصاء، تؤطرهما خلفيات فكرية ومشارب متباينة إلى حد يستدعي جراحة لسانية تتحلى بالأناقة المنهجية وتتخذ من الموضوعية عقيدة”.

 

وركز في هذا الإطار على ثنائية الفصحى والعامية، وسبل تجاوز غور الظاهرة التي تتجلى بادي الرأي في علاقة الفصحى بالعامية: أتسمو الأخيرة إلى الأولى؟ أم تنحدر الأولى إلى الثانية؟ في سلم عتباته: الثنائية اللغوية والازدواجية اللغوية والتعدد اللغوي؛ وقمته التفصيح والتيسير والتنطيق بما يصاحبه من وسواس تركيبي تجسده عناوين مقررات دراسية: اللغة العربية لغير الناطقين بها، واللغة العربية للناطقين بغيرها، واللغة العربية لغير الناطقين” على حد تعبيره.

 

وخلص إلى القول “إن ما يشلّ اللغة العربية هو الخطاب الذي لايتخذ من الفصاحة غاية، ولعل ترياق الإغماس اللغوي الثاوي في عامية سيبويه، وفطرية عبد الله الدنان، وتداولية جون اوستين، وفي تعريب العلوم وتوطين الفصحى في فصول الدراسة والفضاءات الحيوية خير علاج للعوائق التي تواجه اللغة العربية”.

 

وشهدت الندوة مداخلات قدمتها شخصيات علمية وثقافية تحدثت عن العربية وآفاق تطوير مناهجها وانتشارها، وأشاد المتدخلون بجهود بيت الشعر – نواكشوط، وأنه المكان المناسب لطرح وتحفيز النقاش والبحث العلمي حول مواضيع ثقافية ذات أهمية، وخاصة موضوع اللغة الذي يعد من أدوات الثراء العربي والإنساني لغويا وإبداعيا.​

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى