إفريقي ومغاربيالأخبارتحقيقات

حادثة لوكربي: هل عوقبت ليبيا على جريمة لم ترتكبها ؟

اللجنة الأسكتلندية المستقلة: خطأ قضائي ربما حدث وحكم الإدانة غير معقول بحق المتهم الليبي عبدالباسط المقرحي.

الصدى – “العرب“/

عملية لم تبح بكل أسرارها

مرّ أكثر من ثلاثة عقود على عملية لوكربي، التي اتهم النظام الليبي السابق بالتخطيط لها، لكن ما زال الجدل مفتوحا حول أسرارها وأصل القضية وتوابعها السياسية والجنائية وطبيعة الحكم الصادر ضد المتهم الليبي عبدالباسط المقرحي. وما زال صدى سؤالي: هل دفع الشعب الليبي ثمن جريمة لم يرتكبها نظامه السابق؟ وهل عاش أهالي الضحايا، ومنهم الأميركيون والبريطانيون كذبة صاغتها واشنطن ولندن لتصفية حسابات سياسية مع ليبيا؟

 

عادت هذه الأسئلة لتطرح بصوت عال بعد أن قررت اللجنة الأسكتلندية المستقلة لمراجعة القضايا الجنائية إحالة الحكم بإدانة المقرحي للمحكمة العليا في أسكتلندا لإعادة النظر فيه. وتعتقد اللجنة أنه ربما حدثت إساءة في تطبيق العدالة في قضية المقرحي، وتدفع بسببين في تبرير قرارها هما أن حكم الإدانة غير معقول وأن دليل الإدانة لم يُكشف عنه النقاب.

 

وقال بيل ماثيوس، رئيس اللجنة في بيان “نشير إلى أنه أتيحت معلومات إضافية منذ مراجعتنا الأخيرة، واللجنة تدرسها الآن وتُقيّمها”. وأضاف “أنا على يقين بأن المسألة ترجع الآن للجهة الملائمة، وهي المحكمة العليا لتنظر في كل القضايا المثارة في بيان الأسباب التي نقدمها”.

 

حقائق خفية

في الـ21 من ديسمبر 1988، انطلقت الرحلة رقم 103 التابعة لخطوط بان أميركان العالمية من مطار هيثرو في لندن متوجّهة إلى مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك. كان من المقرر أن يكون على متن الطائرة السفير الأميركي في لبنان؛ لكنه تخلّف عن رحلته، ولم يكن من بين الركاب الـ270. وبينما كانت الطائرة تعبر سماء بلدة لوكربي في أسكتلندا، انفجرت عبوة ناسفة مخبأة داخل الحقيبة.

 

أثارت الحادثة جدلا كبيرا، ووجّهت أصابع الاتهام للعديد من الجهات من بينها حزب الله، قبل أن يشير مكتب التحقيق الفيدرالي إلى تورط ليبيا. وفي الـ13 من يناير 2001 حكم على المقرحي بالسجن المؤبد. وفي نوفمبر 2003، قررت المحكمة العليا في أسكتلندا أن على المقرحي أن يمضي 27 عاما على الأقل في السجن. وفي الـ20 من أغسطس 2009 أفرجت عنه الحكومة الأسكتلندية لأسباب صحية وذلك بسبب إصابته بمرض السرطان، ليعلن عن وفاته في الـ20 من مايو 2012.

 

على امتداد أكثر من 30 عاما، استمر السجال حول تلك الحادثة المرعبة، ولم يقتنع كثيرون بمجريات المحاكمة، والذين اعتبروا أنه تم استغلالها سياسيا ضد النظام الليبي السابق. نجحت بريطانيا والولايات المتحدة في استغلال تأثيرهما داخل مجلس الأمن الدولي لإصدار القرار 784 في الـ31 من مارس 1992 بأغلبية 10 أصوات وامتناع 5 أعضاء عن التصويت، بما يوجب على ليبيا الاستجابة لطلب الدولتين، ويهدد بفرض عقوبات عليها من بينها حظر الطيران منها وإليها.

 

نقلت صحيفة “ميرور” البريطانية عن ابنة خبير المتفجرات الراحل مروان خريسات، الأردني، قولها إن نظام إيران يقف وراء عملية لوكربي

 

رفضت ليبيا الاستجابة لهذا القرار، لكن تم توقيع العقوبات في الموعد المحدد وهو الـ15 من أبريل 1992. وقامت الدولتان في الـ11 من نوفمبر من نفس العام باستصدار قرار آخر من مجلس الأمن تحت رقم 883 يطوّر من نوع العقوبات المفروضة ويوسّعها لإجبار ليبيا على الإذعان لمطالبهما.

 

ورغم مساعي طي صفحة قضية لوكربي، ورغم أن الحكومة الليبية لم تعلن رسميا مسؤوليتها عن الحادث، إلا أنها في عام 2003 دفعت مبلغا يقدر بـ1.8 مليار دولار كتعويضات لعائلات الضحايا، بقي هناك شعور بأن هذه الجريمة مرت دون عقاب. وتردد صدى أسئلة كثيرة حول حقيقة ما جرى ولماذا تم سجن عميل المخابرات الليبية عبدالباسط علي المقرحي، في حين بقي المتهم الآخر، الأمين خليفة فحيمة، طليقا.

 

ولم تكن عائلات الضحايا مقتنعة بالنتيجة، حيث ذكر تقرير نشرته شبكة “سى إن إن” الأميركية، في الـ29 من أغسطس 2011، أن براءة المقرحي ظلّت مثار جدل بين عائلات الضحايا، حيث يدافع البعض عنه، ومنهم الدكتور جيم سواير الذي قتلت ابنته في الحادث، وقال إنه متأكد من براءة المقرحي، وأن الأميركيين دفعوا مليوني دولار للشاهد الرئيسي في القضية لتوريطه.

 

وأضاف سواير أن أهالي الضحايا كانوا يعرفون أن طهران تقف وراء الحادث، ولكنهم لم يتمكنوا من الحديث عن هذا الأمر. بينما نقلت صحيفة “ميرور” البريطانية عن سهى، ابنة خبير المتفجرات الراحل مروان خريسات، الأردني الجنسية، قولها إن نظام إيران يقف وراء عملية لوكربي، مشيرة إلى أن والدها جمع الأدلة اللازمة على تورط طهران في الحادث الإرهابي وتركها لابنته.

 

وفي ديسمبر 2018، نشرت صحيفة “الديلي ميل” البريطانية، تحقيقا مطولا عن الحادثة. وقالت إن التحقيقات اتهمت المقرحي بناء على مجموعة من الأكاذيب الملفقة. وأشارت إلى أن الليبي عبدالمجيد جعاكة، كان أحد الشهود السيئين في القضية حيث ادعى رؤية المقرحي وهو يحمل حقيبة سامسونايت بنية اللون من صالة القادمين بمطار لوكا في مالطا بتاريخ الـ20 من ديسمبر 1988. وفي صباح اليوم التالي زعم أن الحقيبة تم تحميلها على متن رحلة إلى فرانكفورت، ثم نقلت إلى لندن في رحلة طيران بان آم لتنفيذ الهجوم.

 

بناء على تلك المعلومات الملفقة، اعتبرت الصحيفة أنه حكم على المقرحي بالسجن مدى الحياة في محاكمة غير عادلة وغير عادية جرت في قاعدة جوية أميركية غير مستخدمة بالقرب من أوتريخت بهولندا. وتابعت أن عدم الكفاءة والانتقام والنفعية السياسية كانت وراء إلقاء التهمة على ليبيا ومن ثم التغطية على الفاعل الحقيقي من أعلى المستويات في لندن وواشنطن.

 

وكشفت “الديلي ميل” أن الفاعل الحقيقي يعيش اليوم في الولايات المتحدة تحت غطاء برنامج حماية الشهود الأميركي. وقالت إنه بعد سلسلة من التحقيقات امتدت نحو 3 سنوات شارك فيها ضباط ومسؤولون على أعلى مستوى من بريطانيا والولايات المتحدة أشارت الأدلة إلى تورط عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة.

 

وألقي القبض على خلايا نائمة من الجبهة في سلسلة من المداهمات التي جرت بألمانيا قبل بضعة أسابيع من حادثة لوكربي، حيث تم ضبط قنابل مخبأة في مشغلات راديو كاسيت توشيبا إلى جانب ترسانة، وصفتها “الديلي ميل” بالمخيفة، من المتفجرات والأسلحة النارية والذخيرة.

عائلة المقرحي تطالب بإعادة النظر في قضيته

وذكر خبير بريطاني أن الأدلة المستخدمة لإدانة ليبيا في قضية لوكربي تم تصنيعها بعد تحطم الطائرة المنكوبة، ما يعني أن التهمة قد لُفقت لليبيا. ونقلت صحيفة “الديلي ميل”، عن الخبير الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن لوحة الدارات الكهربائية لأجهزة المؤقت التي تسببت في الانفجار، وزعم أنها كانت من تصنيع شركة “ميبو” السويسرية، لم تحصل على براءة الاختراع حتى عام 1991 أي بعد ثلاثة أعوام من الحادثة.

 

وأشار إلى أن فحص الطب الشرعي الجديد الذي أجري في مختبر بزيورخ أثبت أن الشظايا “المرفوعة من بقايا الحطام” لم تتطابق مع لوحات شركة “ميبو” التي أشار التقرير الأصلي إلى أنها احتوت على آثار من رقائق النحاس، فيما لم تَبع الشركة المذكورة أيّا منها في القطع القديمة التي بيعت لليبيا وألمانيا الشرقية قبل هذا الحادث.

 

قبل ثلاث سنوات، دعت أسرة المقرحي إلى إعادة النظر في القضية بناء على المعطيات الجديدة التي ظهرت وأغلبها تبرّئ المتهم الرئيسي وبلاده من التورط في إسقاط الطائرة، وقال محامو المقرحي إنه كان ضحية تطبيق أحكام العدالة في تاريخ القانون البريطاني، مشيرين إلى أن إيران يشتبه منذ وقت طويل في تورطها في الهجوم، واستدلوا بتوجيه إيران أوامر لجماعة سورية – فلسطينية بتنفيذ هجوم انتقاما لإسقاط الولايات المتحدة طائرة إيرباص إيرانية في يوليو 1988، ومقتل 290 راكبا على متنها.

 

وظلت كل هذه الاحتمالات حديث وسائل إعلام، إلى أن قالت اللجنة الأسكتلندية المستقلة لمراجعة القضايا الجنائية الأربعاء (الـ12 من مارس 2020) إنها درست ستة أسباب للمراجعة وخلصت إلى أن خطأ قضائيا ربما حدث بسبب “حكم غير معقول” و”عدم إفشاء”.

 

وأوضحت أنه “لم يكن من الممكن أن تقبل محكمة تريد إجراء محاكمة معقولة أن المقرحي قد تم تحديده على أنه المشتري” للأشياء التي كانت داخل حقيبة قنبلة مستخدمة في الهجوم.

 

ووجدت أيضا أنه كان ينبغي على التاجر أن يكشف للدفاع بيانا وتقريرا للشرطة بشأن حيازة صور للمقرحي من قبل صاحب متجر مالطي ساعدت أدلته في إدانة المواطن الليبي. ووافقت اللجنة على طلب إحالة إدانة عبدالباسط المقرحي إلى محكمة الاستئناف، بعد تقديم المحامي عامر أنور الطلب نيابة عن عائلة المقرحي، ولقي الطلب دعما من بعض أسر ضحايا كارثة عام 1988.

 

وقال محامي عائلة المقرحي في تصريحات صحافية إن إلغاء الحكم سيعني أن حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة ستكتشفان أنهما اقترفتا كذبة ضخمة على مدى 31 عاما، وسجنتا رجلا كانتا تعرفان أنه بريء وتعاقبان الشعب الليبي على جريمة لم يرتكبها نظامه السابق.

انتقام سياسي

الحديث عن براءة ليبيا من القضية ليس وليد اليوم، ولا هو نتيجة لما تم الكشف عنه مؤخرا من حيثيات جديدة، وإنما سبق ذلك بـ30 عاما، حيث تم تجيير القضية للانتقام السياسي من نظام القذافي، بسبب علاقاته المتوترة مع الغرب وخاصة مع لندن وواشنطن، اللتين كانتا تعتبرانه نظاما داعما للإرهاب، ومعاديا لمصالحهما، فكانت النتيجة العقوبات الأممية بما فيها الحصار الذي تعرض له الشعب الليبي ما بين العامين 1993 و1999. ورفع في الـ12 من سبتمبر 2003 بعد أن اضطرت ليبيا لتوقيع اتفاق مع لندن وواشنطن لدفع تعويضات لأسر الضحايا.

 

وصلت الخسائر المالية المباشرة إلى 33 مليار دولار، وضربت العقوبات كل المجالات نتيجة حرمان البلاد من التعامل مع الشركات الغربية وتكنولوجياتها المتطورة، وأدى ذلك إلى صعوبة بالغة في حياة المجتمع وفي وضع الدولة وإلى حالة من التململ والتوتر بين الليبيين كان من بين نتائجها انتشار الفكر الإرهابي وخاصة المنطقة الشرقية ما جعل مدينة كدرنة تصنف في العام 2008 على أنها الأكثر تصديرا للانتحاريين إلى العراق.

 

كما أدت العقوبات إلى تراجع كبير في مجالات الصحة والتعليم والزراعة والخدمات وغيرها، وإلى اتساع ظاهرة الفساد التي استظلت بالخوف من المجهول. واندفع النظام إلى البحث عن فضاءات بديلة فكان التوجه إلى أفريقيا، ما أثار بدوره توترا إضافيا لدى الليبيين غذّته أبواق الإسلام السياسي بالحديث عن التفريط في ثروات البلاد للأفارقة.

 

معد التحقيق : الحبيب الأسود / كاتب تونسي

وكانت النتيجة لكل ذلك أحداث 2011 وما أفرزته من انتشار للجماعات الإرهابية التي كان أغلب عناصرها من شباب نما وترعرع تحت الحصار. وعاش حالة من الضغط السياسي والأمني والاجتماعي، لتدخل ليبيا نفق الفوضى الذي بات يمثل امتدادا لما سبقه من سنوات الخضوع للعقوبات الدولية، وهو تقريبا ذات ما حصل في العراق، الذي واجه عقوبات قاسية ساهمت في تدمير مقدرات الدولة وضرب النسيج الاجتماعي وهجرة العقول ونشر الخطاب المتشدد وتوفير الأرضية لقوى الإسلام السياسي التي لا تزال تمثل في الحالتين العراقية والليبية مشكلة، وكذلك للقوى الخارجية التي كانت وراء إنعاشها باستعمال العقوبات والحصار ليس لعزل النظام فقط، وإنما لضرب كيان الدولة، وتبخيس سيادتها، وتحويلها إلى مجرد جغرافيا مهيأة لاحتضان الفوضى واستقبال أدوات العبث الخارجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى