فضاء الرأي

حتى لا نُضَّيِّعَ فرصة 2019 (2) / محمد الأمين ولد الفاضل

محمد الأمين ولد الفاضل/ كاتب موريتاني

في الحلقة الثانية من سلسلة “حتى لا نُضَّيِّعَ فرصة 2019” سنحاول أن نتوقف مع بعض إخفاقات المعارضة في الماضي، وهي الإخفاقات التي جعلت الفعل المعارض غير فعال في كثير من الأحيان، وذلك على الرغم مما قدمته المعارضة من جهود كبيرة ومن تضحيات مقدرة خلال ربع قرن من العمل المعارض.

 

فلماذا لم تكن النتائج على قدر الجهود والتضحيات المبذولة؟ ولماذا تغيب الفعالية عن الفعل المعارض؟

 

هناك أسباب عديدة لذلك، ولكننا في هذه الحلقة سنتوقف مع سبب واحد من تلك الأسباب.

 

بالعودة إلى الماضي، وإذا ما اكتفينا بالعقد الأخير، فسنجد بأن كل الأحزاب المعارضة قد تناوبت تقريبا على ارتكاب أخطاء كبيرة في اللحظات الحاسمة : التحالف الشعبي التقدمي في الشوط الثاني من رئاسيات 2007؛ التكتل وحاتم من خلال دعمهما لانقلاب 6 أغسطس؛ تواصل من خلال اتخاذه لموقفين منفردين (الخروج من الجبهة في رئاسيات 2009 ومن المنسقية في انتخابات 2013 البلدية والتشريعية)؛ حزب اللقاء الديمقراطي من خلال موقفه المنفرد من استفتاء 5 أغسطس 2017.

 

هكذا تناوبت الأحزاب المعارضة على ارتكاب الأخطاء في اللحظات الحاسمة، وكان ذلك التناوب على اتخاذ قرارات ومواقف ضد إجماع المعارضة يتم وكأنه كان يجري وفق خطة مدروسة، ووفق تبادل عجيب للأدوار، وذلك حتى يكون لكل حزب معارض نصيبه المحفوظ من هذه الإخفاقات.

 

صحيح أن هناك أحزابا معارضة قليلة جدا شكلت استثناءات، وصحيح أن هناك أحزابا معارضة كانت أخطاؤها أشد فداحة من أخطاء أحزاب أخرى، ولكن في المجمل فإنه يمكن القول بأن كل الأحزاب المعارضة تتحمل نصيبها من هذه الأخطاء، ولذلك فإنه لا يستطيع أي حزب معارض أن يزايد على حزب آخر في هذا المجال.

 

تناوبت أغلب الأحزاب المعارضة على ارتكاب الأخطاء، وليست هذه هي اللحظة المناسبة للعودة إلى الماضي من أجل محاسبة الأحزاب المعارضة على أخطائها، ولكن في المقابل، فإن هذه اللحظة هي اللحظة المناسبة للاستفادة من أخطاء الماضي، ولوضع الأسس الكفيلة بتجنب تكرار مثل تلك الأخطاء في المستقبل، فإعادة ارتكاب مثل هذه الأخطاء مستقبلا لن يكون بالإمكان غفرانه، وذلك لأن كلفته هذه المرة ستكون كبيرة جدا على ديمقراطيتنا المتعثرة، وعلى أمن واستقرار بلادنا.

 

تفكك ائتلاف قوى التغيير بسبب انتخابات 2007، وازداد تفككا بعد انقلاب 6 أغسطس 2008، وتفككت الجبهة بعد استحقاقات 2009، وتفككت المنسقية بسبب استحقاقات 2013، وخسر المنتدى حزبي التكتل وإيناد بسبب ملف الحوار، وخسر من بعد ذلك حزب اللقاء بسبب استفتاء 5 أغسطس.

 

هكذا يمكننا أن نلاحظ بأن كل التكتلات التي شكلتها المعارضة الموريتانية خلال العقد الأخير ظلت توهمنا دائما بانسجام خداع في المسيرات وفي المؤتمرات الصحفية وفي البيانات المنتقدة للنظام، ولكن هذه التكتلات تتفكك دائما عند أول اختبار جدي لانسجامها ولوحدتها، فهي تتفكك دائما مع كل انقلاب، ومع كل استحقاق انتخابي، ومع كل دعوة للحوار من طرف النظام.

 

لقد آن الأوان لبناء تكتل أو تجمع معارض قوي قادر على البقاء متماسكا أمام التحديات القادمة، فبناء مثل هذا التكتل أو التجمع  سيكون بمثابة الخطوة الأولى التي ستضمن كسب رهان 2019.

 

إن بناء مثل هذا التكتل أو هذا التجمع المعارض يحتاج إلى جملة من الأمور والتدابير التي يجب الأخذ بها، ولعل من أبرز تلك الأمور والتدابير:

 

1 ـ أن تدرك المعارضة الموريتانية بأن تكرار نفس الأساليب سيؤدي حتما إلى نفس النتائج، وبأن بناء تكتلات سياسية على نفس الأسس السابقة سيؤدي حتما إلى تفككها في لحظات سياسية حرجة وفارقة.

 

2 ـ من المهم التذكير بأن اتخاذ موقف من المقاطعة أو المشاركة في أي استحقاقات أو في أي حوار يدعو إليه النظام سيبقى مسألة سياسية اجتهادية تحتمل الصواب والخطأ، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الاتفاق على مرشح رئاسي توافقي. إن مثل هذه القضايا الاجتهادية ستتسبب في خلاف داخل المعارضة عند أي إثارة لها مستقبلا، وإذا لم يتم اتخاذ ضوابط لإدارة ذلك الخلاف فإن ذلك سيعني بأن هذه التكتلات المعارضة الموجودة حاليا، أو تلك التي ستوجد مستقبلا ستتفكك عند أول دعوة للحوار أو عند أي استحقاقات انتخابية قادمة مثلما ما حصل مع ائتلاف قوى التغيير والجبهة والمنسقية والمنتدى بشكل جزئي..لذلك فقد بات من الضروري جدا أن تحدد ضوابط تسير الاختلاف في المواقف في حالة تعذر حصول إجماع وتوافق. وبطبيعة الحال فإن الضابط الأمثل سيتمثل في أن تستجيب الأقلية لموقف الأغلبية، فمثلا إذا اتفقت أربعة أخماس من أي تكتل أو تجمع سياسي على موقف معين، فإنه على الخمس المتبقي أن يرضخ لذلك الموقف تجنبا للتفكك وصونا للانسجام وللعمل المعارض المشترك.إن أي حزب سياسي سيقرر مستقبلا أن يشارك منفردا في أي انتخابات قاطعتها المعارضة، أو يقاطع منفردا أي انتخابات قررت المعارضة أن تشارك فيها سيكون هو من يتحمل المسؤولية الكبرى في أي إخفاق للمعارضة، وذلك لأنه أعاق حصول مقاطعة شاملة يمكن أن تربك العملية الانتخابية وتهز من مصداقيتها، وأعاق في الحالة الثانية، حصول مشاركة شاملة تمكن المعارضة من الحصول على أكبر مكاسب انتخابية ممكنة.

 

3 ـ إن الأخذ بمبدأ الإجماع في مثل هذه القضايا السياسية الكبرى سيشل العمل المعارض، أو سيؤدي إلى التفكك في اللحظات الحاسمة، ولذلك فإنه من المهم التخلي عن هذا المبدأ الذي لم تعد تأخذ به إلا الجامعة العربية المعروفة بفشلها وبعجزها.

 

4 ـ إن على الأحزاب السياسية أن تدرك بأن الانخراط في أي  تكتل أو في أي تجمع سياسي يعني بأنه على هذه الأحزاب أن تتنازل عن شيء من سيادتها ومن استقلاليتها في اتخاذ القرارات والمواقف لتلك التجمعات والتكتلات، وإلا فما معنى تشكيل هذه التكتلات والتجمعات؟

 

إن تنظيم مسيرة معارضة للنظام، أو تنظيم مؤتمر صحفي، أو إصدار بيان ينتقد النظام لا يحتاج لمثل هذه التجمعات والتكتلات السياسية، فمثل هذه الأمور ستجد قبولا من طرف جميع المعارضين حتى ولو لم تكن هناك تكتلات داعية لها. إن الحاجة لهذه التكتلات وأهميتها ترتبط أساسا بقدرتها على اتخاذ قرارات ومواقف موحدة من القضايا الهامة والشائكة، كالموقف من أي دعوة للحوار أو من أي استحقاق انتخابي.

 

على الهيئات السياسية والمكاتب التنفيذية لكل حزب سياسي معارض منخرط في أي تكتل سياسي أن تجيز لتلك التكتلات الحق في اتخاذ مواقف موحدة من المشاركة في أي عملية انتخابية أو مقاطعتها، أما ترك الأمر للأحزاب السياسية لنقاش تلك القضايا بشكل منفرد فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تباين المواقف وإلى تعددها، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تفكك ذلك التكتل أو التجمع السياسي في لحظة سياسية حرجة وحاسمة.

 

5 ـ  على المعارضة أن تضع إستراتيجية واضحة تمكنها من تحقيق نتائج مرضية في الانتخابات القادمة إذا ما قررت  بشكل موحد أن تشارك في تلك الانتخابات. ومن المهم أن تركز تلك الإستراتيجية على ما يضمن تحقيق مكاسب كبرى للمعارضة في مجموعها، بدلا من أن يركز كل حزب ـ وبشكل منفرد ـ  على أن يحقق مكاسب خاصة به. وهنا يمكن الاستفادة من تجربة ائتلاف قوى التغيير مع تصحيح الأخطاء وتطوير الأساليب.

 

إن الأخذ بكل تلك الترتيبات سيعيد للمعارضة شيئا من مصداقيتها، وسيطمئن الجمهور المعارض من خارج الأحزاب السياسية، وسيعطي لذلك الجمهور انطباعا إيجابيا مفاده أن المعارضة الموريتانية قد استفادت من أخطائها، وبأنها هذه المرة قد وضعت آليات وضوابط ستمكنها من حماية نفسها من التفكك والانقسام في اللحظات السياسية الحرجة والحاسمة.

 

يتواصل…         

 

حفظ الله موريتانيا..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى