مقالات و تحليلات

خدعُوك فقالوا: تجارة العبيد!/أحمد الفيتوري

أحمد الفيتوري/ كاتب ليبي

التقى القذافي ميتران في قبرص أثناء مغامرته الحربية التشادية في الثمانينيات من القرن الماضي، هناك حدد الرئيس الفرنسي خطاً على القذافي ألا يتخطاه على الخارطة التشادية، حينها كان المغامر حسين حبري يمسك بزمام السلطة في تشاد، هذا المغامر عاش ودرس في مدينة الزاوية الليبية ثم أكمل دراسته في أكبر الجامعات الفرنسية، وقد دعمه القذافي للاستيلاء على السلطة في تشاد، لكنه انقلب عليه حين تمكن من مراده، ديكتاتور ليبيا كان مدعوما من الاتحاد السوفيتي أثناء هذه الحرب بالوكالة من أجل القضاء على النفوذ الفرنسي في أفريقيا.

 

القذافي تراجع عن مغامرته الأفريقية الحربية متبنيا مغامرة سلمية أكثر تكلفة، لكنها تلقى قبولا فرنسيا لأنها تدفع التكاليف المدنية لنفوذها

 

حين اجتاز القذافي الخط الأحمر الفرنسي تم دحره وهزيمته من قبل تحالف فرنسي أمريكي، وحين انقلب المغامر التشادي على فرنسا بدعم أمريكي كان قريبه ورئيس أركانه إدريس دبي من تمرد وأطاح به بدعم فرنسي وتحالف مع القذافي، الديكتاتور الليبي تراجع عن مغامرته الأفريقية الحربية متبنيا مغامرة سلمية أكثر تكلفة، لكنها تلقى قبولا فرنسيا لأنها تدفع التكاليف المدنية لنفوذها.

 

المسألة الأفريقية ورط القذافي ليبيا فيها، وهي مسألة صراع دولي تشد عليها فرنسا بالنواجذ من أجل المحافظة على نفوذها الأفريقي ما يمثل سبيل بقائها كإمبريالية. وعليه فالمسألة في هذه المرحلة العصيبة تتبادلها المصالح المتضاربة الدولية خاصة بين المستعمر القديم لليبيا إيطاليا وفرنسا من لم تتخلص بعد من سيكولوجيا الشمال الأفريقي الفرنسي ما يضم جنوب ليبيا إقليم فزان الذي خرجت من أراضيه عام 1956. أما الدور الأمريكي في هكذا صراع فيشبه دورها في الثمانينيات تمهيد الطريق لمغامر و لنوع من النفوذ غير المكلف، ولا أجزم لكن أرى بريطانيا كما العادة ربيبة النفوذ الأمريكي.

2-

في هذا الإطار-أعتقد- جاء شريط المحطة التلفزيونية الأمريكيـة الشهيرة “CNN” الذي سيناريوه: موقع تصويره معسكرات مهاجرين أفارقة في ليبيا ومحتواه متاجرة بالبشر الأفارقة من قبل الأفارقة الليبيين. وما يكشف عنه الشريط كشكل هو إخراج هوليودي اعتيادي عُرفت به الميديا الأمريكية وليست الصور التي بثت حول امتلاك صدام حسين للسلاح النووي ببعيدة عن الأذهان.

 

فالمتاجرة بالبشر في ملحمة التهجير البشري من قارتي آسيا وأفريقيا نحو قارة أوربا ليست أمرا مستجدا

 

وقبل طرح مسألة دلالة محتوى الفيلم الأمريكي نشير إلى مسألة أن التوقيت جزء رئيس من أركان الميديا عموما وعلى الخصوص الأمريكية، فالمتاجرة بالبشر في ملحمة التهجير البشري من قارتي آسيا وأفريقيا نحو قارة أوربا ليست أمرا مستجدا، وهذا التهجير البشري تجارة ضخمة فالبشر يعدون بالملايين وكثير منهم من كوادر الدول التي يُهجرون عنها. ولذا فالتوقيت يجيء في مرحلة تبدو أمريكا فيها كما المتفرج الوحيد على فيلم “التهجير الأكبر”، وتبدو إدارتها الجديدة كمن مشغول بمسائل كبرى في قارة آسيا وفي الخليج ومن ثم في الشرق الأوسط.

 

3-

أما محتوى الفيلم الأمريكي فيما يخص الفجيعة التي أطلقها وهذا الذهول الطفولي الإنساني الذي لقيه فهما لا يختلفان عما يحدث للمشاهد لأفلام الأكشن الأمريكية: الشريط جاء يسعى بقصة مذهلة عن بيع البشر، بطريقة نخاسة القرون الوسطى في عالم كثيرة فيه روح هذه الاستعادة، من بناء الأسوار حول الحدود كما القلاع القديمة، حتى بروز حركات الانفصال بالأقاليم هذا غير الوسائل العتيقة التي تمخر البحار بجمهرة من البشر وهلم جرا…، ولذا لم تأتِ الـ “CNN” بجديد في هذا المضمار لكن مع ذلك بدأ شريطها كولومبوس من اكتشف ما لا يعرف، أو اكتشف عملية في عقدها الثالث وما يظهر منها كما “الأب الروحي” لفيلم “مافوي” طويل، ليس موقع تصويره البقعة الليبية أو امتدادها الإيطالي فحسب بل كل الاتحاد الأوروبي أولا ما يغوص في أوحاله وثانيا العالم الذي يعيش فيلمه التراجيكوميدي المُمل.

 

أما الموقع ما استهدفه التصوير فليس تجارة العبيد ما تروج فيه بل قتل البشر بطرق مستحدثة على أيدي “داعش”، فرانكشتاين العصر الحديث المطارد الذي يتغول حين يقتل، ليبيا موقع التصوير تعيش حروبا منذ عقود ليست تشاد التي أشرنا إليها المبتدأ ولا ختامها مسك ما يحدث في وسطها سرت الملغمة سماؤها بالطائرات الأمريكية، هذا الوسط ما أشار جونسون وزير خارجية أقدم ديمقراطية عالمية بتهكم أن الليبيين لم يستطيعوا كنس الجثث من شوارعه. عليه فما جاء به الشريط وما أثاره من سخط يحق فيه القول: تأخرت كثيرا أيها الصديق فالحداد يليق ببلاد موقعها تحت “البند السابع” لأمم متحدة تسعى للسلام بطريقة “CNN“، وبهلع “ماكرون” بفصاحة فرنسية تُذكر ببيان “ميتران” من رسم الخط الأحمر لديكتاتور ليبيا في سالف الأيام.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى