مقالات و تحليلات

خيط رفيع بعرض جبل / عبد الله محمد

عبد الله محمد / باحث موريتاني

قبل الخوض في تحليل الموضوع، أقول إن كل هذا الحبر الأليكتروني، الذي توظّف تدريجيا، كان ليقتصد لو ميزنا بين خانتي الرد للصائل والاعتداء على المأسور ! حين يقتحم الصائل يكون للمعتدى عليه رده ولو تطلب ذلك قتله فاللحظة والقرار المتخذ خلالها برعبها البطيئ البارد – أعاذنا الله واياكم – لا يسمح بأريحية استدعاء تراتبية معايير الإنسانية وعلى الشخص استخدام ما يراه ميدانيا وسيلة حاسمة ذكية لتحييد الخطر عن نفسه وأهله تماما دون هامش ريب. هذه لحظة ت1. الآن بعد استتباب الوضع نحن أمام مأسور مجرد والاعتداء عليه جرم وتسليمه او السعي في استلامه من الشرطة واجب (اللحظة ت2). لاحظوا الخيط الرفيع هنا : “قبل” قد يصل الأمر قتلا بالرصاص الحي والسعي لتأمين المكان بأي وسيلة ضد اللص المعتدي (خاصة مع تكرس السطو المسلح المقترن بهتك الاعراض) ولا مجال للتريث الغبي هنا في استخدام المناسب تقديرا مباشرا (في زمن نفسي يختلف عن زمن الكيبورد والوضع المجاني)، و”بعد” لا يجوز حتى السب باللسان والفحر في القول بذكر أهل المعتدي والتعريض بهم أذى له وتصويره جرم فالتعريف بهويته مطلوب – لكن بهويته وليس جثته بعد التمكن منه حيا ولا بهيئته بعد التمثيل به وسحله – وثمة اطار قانوني للاعلان عن هويات المجرمين المدانين عموما (فليس كل من أمسك شخصا بتهمة وصوره بدليل ادانة دون تحقيق رسمي، وليس هذا تشكيكا في الواقعة نفسها وانما توضيح للمادة التنظيمية عموما).

.

عجبت للتوظيف الذي نُقع فيه الحادث فأخرج باكثر من هندام (لوني، بطولي، إثني،). القاعدة واضحة بأن لو سرقت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وسلم) لحكم بقطع يدها ولو بصق رجل في وجه علي رضي الله عنه وفد أجهز عليه لتركه. تلك هي مبادئ قانون الشرع واخلاقه وهي المفتقدة فلو قطعت ايدي سراق وحكم على مغتصبين قاتلين لضحيتهم بل وحارقين لها احيانا بحكم الحرابة لانتفت هذه الجرائم تحييدا لحدتها فهي باقية مع وجود البشر. إلى ذلك استوقفني حجم المغالطة والسذاجة في الخلط بين سوء الوضع الاقتصادي والمظالم وبين تبرير اعتداء لص. هل مثلا اذا كان نصف الشعب محروما يبرر ذلك فتح الناس بيوتهم للترتيب على اكتاف اللصوص والترحيب بهم؟ الأولى فهم ان ذلك دورللدولة الغائبة للاسف تنمويا وامنيا وعدليا والسعي نضاليا لتغيير الوضع والتوعية به لكن دون تبرير هذا بذاك. لنميز بين التحليل والتبرير وسأوضح ذلك لاحقا. كذلك الخلط بين وجود فساد ابطاله سراق لمليارات وبين تبرير ضمني عبر ذلك الواقع المر لفعل السرقة في سياقات فردية ! فليقمع السراق الكبار والأواسط والصغار ولا يشفع حال هؤلاء لحال اولئك والتحليل على هذا النحو لا يكون من غير احول في الابعاد الانشتاينية او مسطح قريحة في الابعاد الاقليدية !.

.

شكل الحادث فرصة لتمكيج بانسانية مضغ اللبان الوردي الاقرب للتخنث التجملي من جهة، وعنترية من الزمن الكليبي وزعم قتل الغول بالنبل، من جهة اخرى، ولا معنى للتقمصين في الواقعة موضوعيا والحد بينهما هو الفرق الجلي بين ت1 وت2 ! ألبس الموضوع جلباب التمييز والواقع أنه رغم وجود ذلك الظل في عموم النظرة للأسف فإن الربط على سبيل التحليل المفهوم منه تبرير ناعم لاشعوري لتقبل السطو لأنه من منتم لفئة معينة مهمشة امر لا يستقيم فليتبرع اولئك ببيوتهم عورة للمسجلين خطرا لمجرد انهم محرومون ومنحدرون من محرومين او ليصمتوا كيميائيا.. لكن، بالمنطق نفسه أليس فُجرا منطقيا فيمستوى التحليل التنظيري العام تجاهل تلك الحقيقة التي تتراءى في انطباعات البعض عنصرية ضمنية من باب التصنيف السلبي المسبق؟ أوضح قليلا :

.

يشيع الخلط بين انتشار الفعل الجرمي احصائيا (في فئة الجرائم كالسطو والسرقة عموما) في اوساط محرومة مهمشة وهو جرم دولاتي مؤسسي في خلفية تشكُّله ووزر مجتمعي كذلك، والذي يجد تفسيره احصائيا في تراكم الفقر والحرمان ونقص التعليم والرعاية من جهة وبين التطبع بارتكاب الجرم وكأن نوعا من الناس هو الذي يقوم بالجرائم من جهة أخرى. وهذا النمط الغبي من الفهم متكرس ذهنية طاغية في امريكا مثلا حيث ينظرون لفئات هي ضحية التهميش (منذ حقبة دراما كونت كينتيه) عبر انماط اخطائها فيصنفون الاسود مجرما حتى يثبت العكس مثلا في الانطباع العام المغذى اعلاميا لمجرد تراكم احصائيات القيام بتلك الافعال في فئتهم مع تجاهل الاسباب الاصلية وتراكم اثرها المضاعف له. في فرنسا نمط على ذلك النحو في فئة المهاحرين والمتوطنين اذ تقع دوامة مغلقة يقع بها القوم في مجرى الانحراف بسبب كوامن فشل وتمييز في السياسة العامة للدولة ويتم تنميطهم بالجرمية وحرمانهم من الفرص وفقا لذلك وهكذا حتى ينشأ شعور عام ب”جرمية” شبه حصرية لديهم !

.

أرجو ان تكون الفكرة، ام لقرون هذه، قد اتضحت. لو قدم صائل مسلح او يحمل قلما من باركر لجاز دفعه بقديفة سم افعى الجرس الامريكية ورصاص ام 16 ولكن بعد تحييده لا يجوز اهانته والتمثيل به بل تسليمه. بين هذا وذاك ثمة ما ذكرته بين هذه الخاتمة وذلك الاستهلال.

 

المصدر:صفحة الكاتب على الفايسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى