مقالات و تحليلات

شرعية بوتفليقة.. وأزمة السلطة في الجزائر / خالد عمر بن ققة

خالد عمر بن ققة / كاتب جزائري

لم تعد الأحاديث في الجزائر تدور حول مرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وتأثيره على مسار الدولة وصناعة القرار كما هو في السنوات الماضية، وإنما أصبح التركيز اليوم على كيفية الحيلولة دون ترشّحه لفترة خامسة في انتخابات 2019.

من حق بوتفليقة دستوريا أن يترشح لولاية رئاسية خامسة، ومن حقه سياسيا أيضا ما دام قادرا إلى الآن على تغيير الحكومات، وتطويع جميع المسؤولين، بما في ذلك كبار قادة الجيش، لكن الرئيس ليس في حال صحية جيدة منذ إصابته بجلطة دماغية في أبريل 2013.

يشعر السياسيون في الجزائر بخطر داهم، مُحدَّدة معالمه مسبقا، أهم ما فيه: أن تظل الدولة الجزائرية مريضة بمرض رئيسها. ولا شك أن الرئيس بوتفليقة يدرك ذلك. ويعرف أن نهايته في حال حصول تمرد من أي نوع ستكون أبشع من الناحية السياسية وليست الإجرائية من نتائج الانتفاضات التي شهدتها الدول الأفريقية، مثلما حصل مع حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وموغابي في زمبابوي.

ويعرف بوتفليقة أيضا أنه، مهما عمّر في السلطة لاحقا، فهو الخاسر الأكبر، في مقابل استفادة كل أصحاب المصالح من وجوده، وستتم محاسبة كل الأطراف التي شاركت في تعميم الفساد خلال مرحلة حكمه بعد رحيله، وما أكثرها اليوم في الجزائر.

فاز الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الاستحقاقات الانتخابية بجدارة ونزاهة وشفافية وباعتراف المنظمات الدولية، ما يعني أنه رئيس شرعي، ولكن شرعيته شكلت في العهدة الرابعة تحديا سياسيا للأحزاب ولكل القوى الفاعلة، خاصة بعد أن أيّد المجلس الدستوري ترشيحه، معتبرا أن مرضه لا يحول دون ممارسته للعمل السياسي، وانتهى هذا بدخول نظام الحكم في الجزائر في صراع غير علني بين أطرافه، لجهة الاختلاف بين شرعية الرئيس وبين قدرته على ممارسة دوره ومهامه واتِّخاذ قراراته بعيدا عن حالته الصحيّة، ولذلك تدعو بعض الشخصيات المعارضة الجيش للقيام بدوره، والمقصود بذاك إبعاد الرئيس عن السلطة، ومن ذلك إطلاق ثلاث شخصيات سياسية وعسكرية حملة “كفى” في التاسع من أكتوبر الماضي، طالبت فيها الجيش بمنع ترشيح عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة.

وبدت تشكيلة حملة “كفى” معبرة عن ثلاثة توجهات داخل المجتمع الجزائري؛ التوجه الأول سياسي، وهو أقرب إلى التيار الإسلامي، ويمثله أحمد طالب الإبراهيمي الوزير الأسبق والمرشح الأسبق لانتخابات الرئاسة عام 1999، والتوجه الثاني متعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ويمثله المحامي علي يحيى عبدالنور الوزير الأسبق وأقدم مناضل حقوقي في الجزائر، والتوجه الثالث عسكري، من خارج مؤسسة الجيش ويقوده الجنرال المتقاعد رشيد بن يلس، قائد القوات البحرية سابقا. ولم تجد تلك الشَّخصيات الثلاث مساندة لموقفها لا من الأحزاب، بما فيها المعارضة، ولا من النخب المثقفة، ولا من القواعد الشعبية، مع أنها دعت الجيش جهارا إلى التدخل لأجل المشاركة في التغيير السلمي، أو البقاء على الحياد، وذاك اعتراف منها بتحكم الجيش في مقاليد الأمور وبدعمه المطلق لبوتفليقة، ما يعني أنه هو الحائل دون التغيير، وبالتالي شريك في مرض الدولة الجزائرية، مع أن قادته، وخاصة الفريق أحمد قايد صالح، أعلنوا في عدة مناسبات أن الجيش الجزائري لن يتدخل في السياسة مجدَّدا، وأن عهد الانقلابات قد ولّى، وواقع الحال هو كذلك فعلا، إذ تمسَّكت المؤسسة العسكرية الجزائرية بالحياد منذ مرض الرئيس بوتفليقة عام 2013.

الحراك السياسي الدائر في الجزائر اليوم المتعلق بالحديث عن بوتفليقة مؤسس على مطالبة البعض بالفصل قانونيا في المسألة استنادا إلى 102 من الدستور، التي حدّدت ظروف عجز الرئيس عن أداء مهامه، فالمعارضة تطالب بتفعيلها نظرا لاعتلال صحة الرئيس، أما أنصار بوتفليقة فيرونه لا يعاني عجزا، وأنه مازال الآمر الناهي، وهو الذي يسيّر الشأن العام ويحضر اجتماعات مجلس الوزراء بنفسه، إلى جانب استقبال نظرائه من الرؤساء والقادة، لكن ما موقف الرئيس بوتفليقة من هذه التطورات؟

رغم الإشارات المؤيدة لترشيحه للانتخابات الرئاسية في 2019، التي جاءت من بعض مناصريه في السلطة، إلا أن الرئيس بوتفليقة لم يظهر ما يشي بأنه يُحضِّر نفسه للترشح للمرة الخامسة، بل إنه، عبر مؤسسة الرئاسة، نفى بشكل قاطع ما ذهب إليه المحامي فاروق قسنطيني في تصريح السبت 18 نوفمبر الجاري، قال فيه “التقيت بوتفليقة الأسبوع الماضي وتناولت معه قضايا راهنة وأخرى حول الآفاق المستقبلية، ولمست لديه رغبة كبيرة في الترشح لولاية خامسة، وهذا من حقه ونحن معه.. الرئيس بوتفليقة أعرفه جيدا، ويريد أن يبقى في خدمة بلده إلى أن يتوفّاه المولى عز وجل؛ فهذا طبعه، خدوم، ويبقى تحت تصرف وطنه”.

وأضاف قسنطيني “لاحظت خلال لقائي ببوتفليقة، أن حالته جيدة وتحليله للوضع السياسي دقيق جدا، الأمر الوحيد الذي يُعطَّله أن صوته تراجع، وأنه يتحرك بصعوبة، لا سيما رجليه، وهو مقعد فوق كرسيّه المتحرك”.

ما جاء في بيان الرئاسة المتلفز الأحد الماضي (19 نوفمبر الجاري) من نفي “أن يكون الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة التقى سابقا أحد الحقوقيين البارزين وأبلغه رغبته في الترشح لولاية خامسة عام 2019، كما صرح الأخير لوسائل إعلام محلية، ونفيه أيضا التصريحات التي تناقلتها مواقع إلكترونية وصحف، الثلاثاء والأربعاء، حول لقاء مفترض خصّ به الرئيس بوتفليقة، المحامي فاروق قسنطيني، وتناول معه قضايا راهنة وأخرى حول الآفاق المستقبلية”، يثير العديد من التساؤلات، أهمها: ما مدى صدقية فاروق قسنطيني؟، وهل نفي الرئاسة محاولة لمعرفة ردود الأفعال عن التحضير لترشيحه؟، ولماذا تأتي تصريحات قسنطيني الآن؟

التصريح الذي أدلى به قسنطيني يعتبرُ صحيحا في نظر المراقبين حتى حين نفت الرئاسة لأنه لا يمكن له الادعاء بمقابلة الرئيس، ويكشف علاقته الطيبة مع بوتفليقة، والفقرة الآتية تبين ذلك “أعرف الرئيس منذ نحو 40 سنة، وعلاقتي به لم تنقطع يوما، حيث أقوم بزيارته من حين لآخر، والمرة الأخيرة التي زرته فيها كانت منذ أسبوع، بإقامة الرئيس بزرالدة“.

ويبدو أن نفي الرئاسة مرتبط بضغط قوى حول الرئيس، وبموقفه من رجال الأعمال، وبالحديث عن صحته بما يفيد عجزه، وهذا يعني أنه لن يترشح لإنتخابات 2019، لكن من الواضح أيضا أنه يرتب الوضع لمن اختارهم لخلافته، ويبدو أن الأقرب لهذا هو أخوه السعيد، وهذا صعب الحدوث، ويتطلب تحضيرات أوسع من تلك التى نراها اليوم، وسيصبح كل تخطيطه في خبر كان بمجرد خروجه أو غيابه أو رحيله عن السلطة.

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى