فضاء الرأي

عن الخمسة المبشرين بالسجن / محمد الأمين ولد الفاضل

محمد الأمين ولد الفاضل / كاتب ومحلل سياسي موريتاني

يبدو أن النظام القائم جاد في محاربة الرشوة وفي معاقبة كل من تلقى مالا قل أو كثر من “الدولة البوعماتية المعادية”، ولذلك فلن يكون من المستغرب أن يلقى في السجن كل من ثبت تلقيه أموالا من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، مع مصادرة تلك الأموال من خلال المكتب الجديد الذي تمت المصادقة على مرسوم إنشائه في بيان مجلس الوزراء الأخير.

 

لن يكون غريبا أن يلقى بهؤلاء الخمسة في غياهب السجون، إذا ما كان النظام جادا في معاقبة كل من تسلم مالا من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، والخمسة هم :

 

1 ـ الوزير الأول يحيى ولد حدمين

 

أكد مصدر مقرب من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو تحدث لوكالة الأخبار المستقلة يوم الخميس الموافق 14 سبتمبر 2017 بأن الوزير الأول الحالي كان قد استلم أيام كان وزيرا للتجهيز والنقل “هبة” تصل إلى 30 مليون أوقية (ما يمنحه ولد بوعماتو يسمى في القاموس الرسمي بهبة إذا كان المستلم مواليا وبرشوة إذا كان المستلم معارضا). هذه الهبة المتواضعة جدا (30 مليون أوقية) سلمها محمد ولد الدباغ ليلا، وفي مكان ما غير بعيد من مبنى السفارة الأمريكية، للوزير الأول الحالي (وزير التجهيز والنقل حينها)، وكان معالي الوزير الأول يرتدي وقت التسليم زيا رياضيا. مشهد تسليم هذه الهبة و بتفاصيله الدقيقة هذه يثير أكثر من شبهة. شيء آخر يثير الشبهة أكثر وهو أن مانح هذا المبلغ هو محمد ولد الدباغ والذي كان يشغل رئيس مجلس إدارة شركة “إير ويز”، ومن تسلم المبلغ هو الوزير الأول الذي كان حينها وزيرا للتجهيز والنقل، أي أنه هو المعني بملف الشركة التي سيعلن عن إفلاسها في مطلع العام 2012. أما التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ والذي قيل بأن المبلغ قد منح في إطاره، فمن المعروف بأنه كان قد ألغيَّ.من خلال بيان أصدرته وزارة الداخلية مساء الخميس الموافق 07 ـ04 ـ 2011.

 

2 ـ وزير العدل الحالي إبراهيم ولد داداه (والذي كان قد جمع في وقت سابق بين المحاماة لرجل الأعمال ولد بوعماتو والاستشارة القانونية للرئيس ولد عبد العزيز) . هذا الوزير الذي كان في وقت سابق هو المستشار القانوني ل”المحمدين” ، والذي من المفترض بأنه هو من قدم مشروع المرسوم الذي يقضي بإنشاء مكتب تسيير الأموال المصادرة، أغلب ممتلكاته هي عبارة عن”هبات” من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، والذي يبدو أنه كان يتكفل حتى بنفقات دراسة أبناء الوزير..فهل ستكون ممتلكات معالي وزير العدل هي أول ممتلكات سيصادرها هذا المكتب الذي من المفترض نظريا أنه مقترح من طرف وزير العدل؟ سؤال آخر : هل سيعمر هذا المكتب حتى يصادر ممتلكات من كان وراء الاقتراح الفعلي لهذا المكتب، أي الرئيس محمد ولد عبد العزيز؟

 

3 ـ وزير الاقتصاد السابق السيد سيد أحمد ولد الرايس الذي استلم منزلا في العام 2009 من طرف رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو ، وهو المنزل الذي يقيم فيه حاليا معالي الوزير السابق حسب ما نشره موقع وكالة الأخبار المستقلة.

 

4 ـ مستشار الوزير الأول المكلف بالإنتاج الصناعي سيد امين ولد أحمد شل، والذي استفاد من منزل وسيارة عقب إقالته من منصبه السابق،والمنزل يقع خلف “موري سانتر” و يوجد به الآن مقر “التحالف الفرنسي”.

 

5 ـ رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي اعترف في برنامج حواري بثته التلفزة الموريتانية الرسمية بأنه تلقى 20 مليون أوقية من طرف رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو في العام 2007. لم أستطع أن أصف هذا المبلغ بأنه هبة ولا بأنه رشوة، وذلك لأني لا أعرف إن كان النظام القائم يعتبر الرئيس مسعود في الفترة الحالية معارضا أم يعتبره مواليا؟

 

كثيرون هم أولئك الوزراء وكبار الموظفين في نظام ولد عبد العزيز الذين تلقوا هبات ـ ولم أقل رشا ـ من طرف رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو ، ولكن تم تجاهلهم هنا، كما تم تجاهل ما تسلمه أكبر مستفيد من “هبات” رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، أي الرئيس محمد ولد عبد العزيز. لم أتحدث عن المنزل الذي “وهبه” رجل الأعمال للسيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، ولا عن المليارات التي وهبها لحملته في العام 2009، لم أتحدث عن كل ذلك لأننا بحاجة لأن نستثني الرئيس في الوقت الحالي وذلك حتى يطبق القانون على وزيره الأول وعلى وزير عدله وعلى وزراء آخرين تسلموا أموالا من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، وتم استثنائهم في هذه التسريبات لنفس الأسباب التي جعلت إدارة الأمن تستثني هي بدورها أشخاصا آخرين من اللائحة التي سربتها للإعلام.

 

فاصل إعلاني ونواصل

 

تعودنا أن نسمع في الإعلانات والإشهار عن منتج ما يجمع بين ميزات منتجين أو ثلاثة أو أكثر.. جديد “موريتانيا الجديدة” هو أنه قد أصبح بإمكاننا أن نقدم فاصلا إعلانيا من نوع آخر، إنه فاصل إعلاني لمنتج يجمع بين مساوئ منتجين أو أكثر، وإليكم هذا الفاصل الإعلاني :

 

نظام ولد عبد العزيز أسوأ مما تتخيل ..نظام ولد عبد العزيز يجمع بين مساوئ ثلاثة أنظمة سابقة..رياضيا يمكننا أن نختزل هذا الإعلان في المعادلة التالية :

نظام ولد عبد العزيز = مساوئ نظام سيدي+ مساوئ نظام معاوية+ مساوئ نظام ولد هيدالة

فنظام ولد عبد العزيز قد أعاد نفس أخطاء سيدي ولد الشيخ عبد الله والتي كان يبرر بها انقلابه، فالرئيس ولد عبد العزيز كان يقول بأن من مساوئ الرئيس سيدي أنه كان كثير الأسفار، وبأن أسفاره كلفت خزينة الدولة أموالا طائلة…السؤال هنا هو : أيهما كان أكثر أسفارا سيدي أم ولد عبد العزيز؟ للمساعدة يمكنكم أن تعودوا لبرنامج أسفار الرئيس ولد عبد العزيز خلال الأسبوعين الماضيين.

 

والرئيس ولد عبد العزيز كان يقول بأن من مساوئ نظام سيدي التي أدت إلى انقلاب 6 أغسطس تعطيله لمحكمة العدل السامية ، الطريف في الأمر هو أن الرئيس ولد عبد العزيز لم يكتف بتعطيل محكمة العدل السامية بل قرر إلغاءها.

 

والرئيس ولد عبد العزيز كان يقول بأن من مساوئ نظام سيدي التي أدت إلى انقلاب 6 أغسطس الانسداد السياسي الذي وصلت إليه البلاد في عهده…بالله عليكم أي الوضعيتين أكثر انسدادا : موريتانيا صبيحة 5 أغسطس 2008 أم موريتانيا صبيحة 5 أغسطس 2017؟

 

والرئيس ولد عبد العزيز كان يقول بأن من مساوئ نظام سيدي التي أدت إلى انقلاب 6 أغسطس تأسيس هيئة ختو واستغلالها للنفوذ ولأموال الدولة..يمكنكم أن تقارنوا بين حجم ممتلكات هيئة ختو وهيئة الرحمة، ويمكنكم أن تقارنوا أيضا بين مستوى نفوذ الهيئتين.

 

والرئيس ولد عبد العزيز كان يقول بأن من مساوئ نظام سيدي التي أدت إلى انقلاب 6 أغسطس أن الرئيس سيدي لم يتعامل مع كارثة الطينطان بما يلزم ، وأنه اكتفى بأن جاء إلى المدينة وأهلها “غامسين” وتركها أيضا وأهلها “غامسين”. صاحب هذا الكلام هو نفسه الرئيس الذي سيبخل حتى بمجرد زيارة خاطفة لقرى لبراكنة ولعصابة التي حلت بها كارثة أدت حسب بيان وزارة الداخلية المنشور يوم 5 سبتمبر 2017 إلى وفاة 15 شخصا وإصابة 41 شخصا بجروح، بل أكثر من ذلك فقد قرر الرئيس ولد عبد العزيز أن يترك البلاد في اليوم الموالي للكارثة.

 

من خلال ما سبق يمكننا أن نقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأن كل مساوئ نظام سيدي التي تم بها تبرير انقلاب 6 أغسطس قد تمت إعادة “تدويرها” وإنتاجها بشكل أسوأ في العهد الحالي.

 

هذا عن مساوئ نظام سيدي، أما عن مساوئ نظام ولد الطايع فإنه يمكننا أن نُذكر بحجم التزوير الذي عرفه استفتاء 5 أغسطس 2017، والذي ربما يكون أكثر بشاعة من التزوير في عهد ولد الطايع، ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن تدخل الإدارة في العملية الانتخابية، وعن التضييق على المعارضين، وعن تشابه الزيارات الكرنفالية في العهدين، وعن احتكار الإعلام الرسمي، وعن تمجيد ورعاية ثقافة التملق والتطبيل والتصفيق.

أما بالنسبة لمساوئ نظام ولد هيدالة فيكفي أن نذكر بالارتجال في اتخاذ القرارات، وأن نذكر كذلك بالمرسوم الصادر يوم الخميس الماضي والمتعلق بإنشاء مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تدعى “مكتب تسيير الممتلكات المجمدة والمحجوزة والمصادرة وتحصيل الأصول الجنائية”، وهو ما يعني بأن قصة رجل الأعمال حابه ولد محمد فال ستتكرر مع رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو. والآن هل صدقتم بصحة وصدق المعادلة الرياضية التي تقول :

 

نظام ولد عبد العزيز = مساوئ نظام سيدي+ مساوئ نظام معاوية+ مساوئ نظام ولد هيدالة؟

 

تسعة عشر تكفي

 

من قبل أن أختم هذا المقال فلا بأس من تقديم عملية حسابية بسيطة وهي مستوحاة أيضا من تدوينة لمدير وكالة الأخبار المستقلة..تقول هذه العملية الحسابية بأن ( 33 -13 =20)، ومن المعروف بداهة بأن الرقم 20 هو أكبر من الرقم 19.

 

تعني هذه العملية الحسابية البسيطة، بأنه حتى ولو صدقنا جدلا بأن هناك ثلاثة عشر شيخا قد قدم لهم رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو رشوة، وبأن ذلك هو ما جعلهم يصوتون ب”لا” على التعديلات الدستورية، حتى لو صدقنا بذلك الاتهام غير الدقيق، والذي لم تستطع التحقيقات ولا التسريبات أن تثبته صحته، حتى ولو صدقنا بكل ذلك فستبقى : 33 -13 =20، وهو ما يعني بأن هناك عشرين شيخا لم تستطع تلفيقات الأمن ولا القضاء أن تلصق بأي منهم تهمة تلقي رشوة من رجل الأعمال ولد بوعماتو مقابل التصويت ب”لا” على التعديلات الدستورية، ويعني ذلك بأن التعديلات الدستورية التي يكفي لإسقاطها أن يصوت 19 شيخا ب :”لا” قد سقطت في يوم السابع عشر من مارس من العام ألفين وسبعة عشر، وأن كل ما جرى من بعد ذلك هو تخبط في تخبط وارتباك في ارتباك ..إنه مجرد رقصة جنونية لديك مذبوح.

 

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى