افتتاحية الصدىالأخبارمقالات و تحليلات

غزواني … سنتان من الصخب الصامت / محمد عبد الرحمن المجتبى

محمد عبد الرحمن المجتبى /رئيس التحرير

خلال الايام الماضية سال حبر كثير في المشهد الاعلامي والسياسي الوطني بمناسبة الذكرى الثانية لوصول الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني لكرسي الرئاسة في البلاد عبر صناديق الاقتراع رغم ما كان كان بحوزته  خلال السنوات العشر الماضية من صهوات الدبابات التي يمكنها اختصار  الطريق الى الحكم في اقل من نصف ساعة ، لكن الرجل الذي لم يعدم من “حكماء السياسة” في البلاد من ينصحه بذلك خلال تربعه على قيادة الجيوش كان ينظر للامور من زاوية أخرى ويطبخ مشروعه الرئاسي على نار سياسية هادئة تتحول سخونتها الى أشعة مضيئة تضيئ عتمة ليل صديقه (السابق) في لحظات “التورط” السياسي وما أكثرها خلال عشرية ولد عبد العزيز الطويلة

اعتمد ولد الغزواني استراتجية الصمت والهدوء، والمباغتة الودية لأصدقاءه و حتى لأعداءه الذين لا يعترف بوجودهم، إلى أن وصل لسدة الحكم بالاسلوب الذي ما زال ماثلا للعيان رغم ما شابه من منغضات كادت تعصف بمشروع الرجل لو هو توقف عند تفاصيل تلك المنغصات المفخخة ، لكنه قرر المضي للامام ولملمة الجراح في وقت لا حق…

وبفعل هذه الاستراتيجية التكتيكية تمكن الرجل من التربع على كرسي الرئاسة في البلاد متجنبا إغراءات واكراهات  الانقلابات العسكرية المحلية والدولية

في غضون ذلك ظلت  الآلة الاعلامية “للصديق” تصور الرجل أنه مجرد ظل غير ظليل لسلفه واسقطت عليه من صفات الدمى ما لا حصر له لكن الصمت الصاخب والمزعج للرجل جعل هؤلاء يستشعرون بعد فوات الآوان  خطورة ما أنتجته ماكيناتهم الدعائية من اشاعات و “تسريبات” تتعمد الاساءة للرئيس غزواني وتشوه نظام حكمه وتصفه بالعاجز والنائم الخ …

وكانت المفاجئة قاتلة عندما شاهد الجميع تلك الاجراءات التي لم تكن تخطر على بال أي موريتاني والمتمثلة في مسار تحقيقي في فساد العشرية بدأ بتشكيل لجنة برلمانية غير مسبوقة وينتظر أن ينتهي بأحكام قضائية تعيد للخزينة العامة مسروقاتها من المتهمين بالفساد وعلى راسهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وبعض كبار معاونيه

إن هذا الملف بالنسبة لي هو أهم إنجاز سياسي واقتصادي وإجتماعي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال السنتين المنصرمتين واعتقد – والأمور بخواتمها- أنه سيكون أهم انجاز له خلال  مأموريته، ومأموريات  من سبقه من رؤساء البلاد باستثناء الرئيس المؤسس المختار ولد داداه الذي كانت سرقة المال العمومي في عهده مسبة وفضيحة (تؤدي بمسؤول بسيط غرر به أحد التجار أن ينتحر…)

نعم اعتقد جازما أن موريتانيا بحاجة لمعاجة قضائية واخلاقية لظاهرة سرقة المال العمومي ، وما لم يكن هناك رادع حقيقي امام المسؤولين لن تتأتى لموريتانيا أي تنمية ناجعة ، ومن العبث أن نتوقع حضورا معتبرا للمستثمرين الدوليين ، وستظل اوضاع البلاد تتدهور للأسوء يوما بعد يوم ، فالعقلية السائدة هي أن “اللي اتول ش ظاكو” او بلعه دفعة واحدة وهذا في الحقيقة خطير جدا على واقع ومستقبل البلاد ، واعتقد ان من يتولون المهام التسيرية في البلاد اليوم لن يستمتعوا باختلاس المال العام وهو يشاهدون الرئيس السابق وبعض وزراءه ومقربيه يجرجرون أمام القضاء وتلاحقهم تهم فاضحة تتعلق بسرقة المال العام والفساد وسوء التدبير ..الخ

طبعا لا تعني إشادتي بفتح التحقيق في ملفات العشرية وما شابها من تلاعب خطير وفاضح بالمال العمومي أن اوضاع البلاد اليوم سمن على عسل , ولكن أردت فقط أن أسجل للرجل هذا الانجاز غير المسبوق مع ما يضاف له من تهدئة سياسية جعلت  البعض يتسائل عن وجود المعارضة في البلاد

إن ما تشهده البلاد من صخب سياسي صامت هو ما رشح بعضه مؤخرا للمشهد السياسي مؤخرا خاصة عندما يتحدث سياسي بقامة الرئيس مسعود وبولخير عن الشرائحية والجهوية والطائفية ، وهو الخطاب الذي استنكره البعض وتحفظ عليه البعض وبكل تأكيد رحب به البعض الآخر لكنه في نهاية المطاف يؤكد أن الحوار السياسي المتزن والنابع من مصلحة البلاد من أجل مناقشة قضاياها الكبرى امر لا مناص منه ولكن يجب أن يكون حوارا من أجل اللاقلاع بموريتانيا من عقلياتها السياسية الحالية لعلقيات ارحب و”أنظف” لا أن يكون حوارا من أجل الحوار أو من أجل إسكات صخب أمعاء بعض المغاضبين أو المصفقين في المشهد السياسي

حفظ الله البلاد والعباد

المصدر : صحيفة “الصدى” الورقية الاسبوعية الصادرة بتاريخ الاثنين 14محرم 1443الموافق 23أغسطس 2021م

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى