مقالات و تحليلات

فقه الكراهية / مالك عبيد

مالك عبيد / إعلامي سعودي بارز

حالة الكراهية والتشنج المخيفة التي باتت تسيطر على الشارع العربي بجميع مستوياته وتفاصيله، أمر لا يستطيع أحد تجاهله.. ولا تجاهل صور وأسماء صناع تلك الحالة ولا حاملي لواء التسويق لها، ونشرها في كل مكان. مجموعة من المتطفلين على الشأن العام، صنعتهم الصدف فأقحموا الدين بالسياسة برفع لواء التدين والغيرة على الأمة، المهددة وفقاً لشعاراتهم دائماً بدينها ودنياها من قبل (الآخر)، الذي لا ينفك يتوعد الأمة الإسلامية من ألفها ليائها بالويل والثبور، ويحيك لها المؤامرات سراً، دون تحديد هوية هذا (الآخر) ولا مكان تواجده، ولا الأسباب التي تقف وراء قيامه بذلك.

هذه الحالة من التأجيج للمجتمع قام، وما يزال يقوم بها، مجموعة تمثل طابوراً خامساً من الفقهاء والمنظرين في ترتيب صفوف التأثير وقيادة المجتمع على جميع المستويات، سواء كانت قيادة رأي عام أو فكر أوسلوك. فحياء بعض الحكومات وسياسة المجاملة بالتعامل مع هذه الفئة من الناس على مدى سنوات، بالإضافة إلى وجود فضاء الإعلام المفتوح، ووفرة وسائل التواصل الإجتماعي غير المنظمة، كان له الدور الأكبر في تمكين هؤلاء الفقهاء من القفز على مركزية الدولة وتجاوز مؤسسات المجتمع، وخصوصاً الدينية منها. الأمر الذي هيأ لصناعة فقه التطرف، ونشر فتاوى التشنج، وإقحامها بحياة الناس اليومية بكل تفاصيلها، من مأكل ومشرب وملبس ولغاية قضايا المجتمع الكبرى ومصير وجوده وقيمه وتحولاته وتفاعلاته الطبيعية، ضاربين بعرض الحائط المؤسسات الدينية العريقة. كل ذلك أدخل إنسان هذه المنطقة الجغرافية من العالم في حالة من هلع الأسئلة المفتوحة على الضجيج والفوضى والتناحر دون الحصول على إجابات تهدئ من روعه أو تخفف من قلقه وتبعد عنه شبح المطاردة في كل أرض! يأتي هذا بعد أن تحول هذا الإنسان البسيط – بالدرجة الأولى قبل غيره – إلى الضحية والجلاد.. وأمسى هو المشكلة الإنسانية الكبرى، والشغل الشاغل لكل سكان الكرة الأرضية، والطرف المتهم مسبقاً في كل العمليات الإرهابية حول العالم خلال العشرين سنة الماضية، هذا إن لم تثبت التحقيقات فيما بعد أنه هو حقاً الطرف الذي يقف وراء الجريمة ويداه ملطختان بدماء الأبرياء.

أزمة إنسان هذه المنطقة من العالم مع نفسه أولاً، ومع الشعوب الأخرى ثانياً، هي النتيجة الحتمية لسنوات من العمل على تحطيم بوصلة السلام والأمن والتسامح النفسي والفكري على أيدي فقهاء الصدف والكراهية، و(الهامش). وهي أيضاً حصيلة عمل دؤوب على خلط الأوراق والتنويم المغناطيسي، بهدف إعادة تشكيل المجتمع وفقاً لأجندات وقضايا جديدة، هامشية بأغلبها وشخصية، دفعت المجتمع – وما تزال تفعل وبلا هوادة – للانشغال بها، وبصراعات من يقف خلفها دون غيرهم. ليتم بذلك فرض واقع جديد من الأولويات والقيادات خارج إطار “مؤسسات الدولة المركزية” بكل أشكالها، سواء كانت دينية أوسياسية أواقتصادية أو ثقافية، بحيث يتم أيضاً ضبط الإيقاع العام لحياة الناس والاستئثار بالمجتمع بعيداً عن النظام العام لمفهوم الدولة.

فتسليط الضوء لسنوات عديده على شخصيات دينية هامشية، كالقرضاوي على سبيل المثال، وتقديمه كنجم هداية فريد من نوعه، كان له الدور الرئيسي في فتح باب الفوضى الفقهية التي نعيشها اليوم، بعد أن ساهم هو -والكثير ممن ينتهجون منهجه – بشن الهجوم تلو الآخر، ولسنوات أيضاً، على كل المؤسسات والهيئات والحوزات الدينية الرئيسية ورموزها، على طول وعرض العالم الإسلامي، بهدف إفراغها من محتواها بالتشكيك بها حيناً، وسلبها لدورها في تعزيز تماسك المجتمع، ووقايته من الوقوع فريسة التناحر والانقسام، أحيانا أخرى.

نحن نعيش زمن المزايدات بلا سقف.. والانقسام بلا حد، للدرجة التي أمسى معها لون دماء الأبرياء لا يعدو كونه لوناً يشبه كل الألوان الأخرى في حصص الرسم المدرسي. وليصبح تناثر أشلاء المسلم وغير المسلم، بسكاكين المسلم، هو المشهد الطبيعي الذي يلقى القبول العام كأننا نعيش في “محل جزارة” بحجم الخارطة العربية والإسلامية..

فقه الكراهية الذي يعمل على صياغته ونشره وتداوله مجموعة كبيرة من مشايخ وخطباء (وفقهاءالهامش) بات هو الخطاب المسيطر على الشارع، وهو المحرك الحقيقي والدافع الرئيسي لكل عمليات القتل وأكل الأكباد والقلوب، التي قام، وما يزال يقوم بها، شبابنا حول العالم منذ أحداث سبتمبر وحرب أفغانستان والشيشان والصومال ولغاية العراق اليوم.. وهو نتيجة حتمية لأكبر عملية تنويم مغناطيسي بالتاريخ قام بها أولئك المشايخ، ودفعت بمن هم بعمر الحلم والطموح بالنجاح في صناعة الحياة، لترك أوطناهم وأهلهم ومنجزاتهم ليصبحوا ضحية التورط بحرب دموية شاملة، قائمة ضحاياها وتداعياتها بلا نهاية.

المصدر : مدونة الكاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى