مقالات و تحليلات

قيادة إنسانية تتفاعل مع مشكلات المواطنين وهمومهم / أ.د.جمال سند السويدي

أ.د.جمال سند السويدي / مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

«إن القائد الحقيقي هو الذي ينظر إلى شعبه نظرته إلى أفراد أسرته، يلاحظها دائماً ويتابعها ويسأل عنها». هذه المقولة للقائد المؤسس والمعلم المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تجسّد فلسفة متفرّدة للحكم والعلاقة بين القيادة والشعب في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتضيف أبعاداً جديدة إلى مفهوم القيادة المتعارف عليه في العلوم الاجتماعية.

 

ولا شك في أن نظرة سريعة إلى المبادرات التي أقدمت عليها القيادة الرشيدة، في دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال السنوات الماضية، وصبَّت كلها في هدف واحد هو خدمة المواطن الإماراتي، وإزالة أي أعباء عن كاهله، أياً كانت طبيعتها ومصدرها، سواء في الداخل أو الخارج، تؤكد ذلك بوضوح، وإذا كانت هذه السلسلة من المقالات تركز منذ بدايتها على مبادرات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي صنعت -وتصنع من خلالها، التاريخ في المنطقة- فإن مساحة هذا المقال لا تمكّنه من الإحاطة بجميع المبادرات التي تعكس إنسانية قيادتنا في التعامل مع هموم المواطنين وتطلعاتهم، ولذلك فسوف أكتفي بالإشارة إلى بعض المبادرات البارزة، وفي مقدمتها مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في ديسمبر 2011، الخاصة بإنشاء صندوق برأس مال مقداره عشرة مليارات درهم يتولى دراسة قروض المواطنين المتعثرة ومعالجتها، وإجراء تسويات للقروض الشخصية المستحقة عليهم، وذلك بالتنسيق مع المصرف المركزي والمصارف الدائنة في الدولة، على اعتبار أن هذه المبادرة تعبِّر عن الحس الإنساني والتعاطف الأبوي لدى قيادتنا الرشيدة في التعامل مع أبناء الوطن، وتنطوي على الكثير من المعاني والدلالات العميقة في علاقة القائد بالمواطنين في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتجسد قناعة قيادتنا الرشيدة بقيمة الاستقرار الاجتماعي والأسري، وتؤكد في الوقت ذاته أن دولة الإمارات العربية المتحدة في أرفع مستوياتها القيادية ليست بمنأى عن احتياجات مواطنيها، وأنها تتلمَّس المشكلات وتعالجها بطريقة عاجلة تتماشى مع إلحاح هذه المشكلات وتتناسب مع رغبة حثيثة في تلبية أي احتياجات ترسم الابتسامة على الوجوه وترفع المعاناة والهموم عن القلوب، ولا سيما أن الجميع يدركون الأعباء النفسية المترتبة على القروض والديون، ومن هنا تتضاعف أهمية هذه المبادرة التي أسهمت خلال مرحلتها الأولى، في معالجة أوضاع المواطنين المتعثرين في سداد قروض تقلُّ عن مليون درهم، من خلال صندوق تسوية المديونيات المتعثرة للمواطنين ذوي الدخل المحدود. وفي مرحلتها الثانية عالجت المبادرة أوضاع المواطنين لمَن تقل مديونياتهم عن خمسة ملايين درهم وتسويتها، سواء كانوا موقوفين على ذمة قضايا أو صدرت في حقهم أحكام قضائية. وفي إشارة إلى البعد الإنساني العميق لهذه المبادرة كان لافتاً للنظر أنها ركزت في بداية تنفيذها على المقترضين الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية، أو الذين ينتظرون صدور مثل هذه الأحكام، في لفتة نبيلة، تؤكد بجلاء حرص قيادتنا الرشيدة دوماً على تحقيق الاستقرار الأسري والاجتماعي للمواطنين، وبث الأمل في نفوسهم دوماً، وتحفيزهم على الانخراط بفاعلية في مسيرة العمل الوطني.

 

إن مبادرة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، بتسوية مشكلة المديونيات المتعثرة للمواطنين المحدودي الدخل، تعبّر عن رؤية ثاقبة وإدراك عميق للآثار السلبية لهذه المشكلة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، كونها تمسُّ بشكل مباشر الحياة الأسرية والمجتمعية لأبناء الوطن الذين يواجهون بعض المشكلات المالية، ولهذا فإن التحرك السريع لمعالجة هذه المشكلة واحتواء الآثار السلبية التي قد تنجم عنها، ينطوي بلا شك على نتائج بالغة الأهمية: أولاها على الصعيد الاجتماعي، فقد أسهمت هذه المبادرة في تحقيق الاستقرار للكثير من الأسر وجمعت شملها وفتحت أمامها آفاقاً جديدة للمستقبل بعيداً عن تبعات الديون وقيودها. ويُحسب لهذه المبادرة الإنسانية أنها أخذت في الاعتبار الظروف التي أدت إلى تعثر المواطنين، سواء تلك الخاصة بعدم وعيهم باللوائح والأنظمة البنكية الخاصة بالقروض، أو تعثرهم في إدارة المشروعات لاعتبارات خارجة عن إرادتهم، وأوجدت لهم نافذة جديدة للعودة مرة أخرى إلى المجتمع، ومواصلة حياتهم العملية والأسرية بشكل طبيعي، وخاصة أن بعضهم كان موقوفاً على ذمة هذه القضايا ومهدداً بالحبس، وهذا هو نهج قيادتنا الرشيدة دوماً، حيث تستهدف في كل قراراتها وسياساتها مصلحة المواطنين، وتخفيف معاناتهم. ثانيتها أن هذه المبادرة تعمّق ثقافة الادخار، من خلال ترشيد الاستهلاك، وربط النفقات بمستويات الدخل، من خلال توعية المواطنين جميعاً، وليس المتعثرين فقط، بمخاطر الاقتراض المفرط، والتقليل من الإقبال على الاقتراض لأغراض الإنفاق على السلع غير الضرورية، والابتعاد عن الثقافة الاستهلاكية التي تقف في الغالب وراء تعثر كثير من المواطنين في التزام سداد القروض في المواعيد المحددة لها. وثالثتها من الناحية الاقتصادية، حيث دعمت هذه المبادرة القطاع البنكي في الدولة، لأنها أعادت إلى البنوك ديوناً مشكوكاً فيها أو معدومة، كان من الصعب تحصيلها، كما دعمت السيولة المتوافرة لديها، عن طريق الحصول على سيولة جديدة من خلال تسديد هذه القروض، وهذا يسهم في إيجاد بيئة مصرفية صحية، ومن ثم يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني بشكل عام، الأمر الذي من شأنه أن يوفر تمويلاً أكبر لمشاريع التنمية ودفعاً لمسيرة الاقتصاد الوطني في الفترة المقبلة.

إن مبادرة تسوية ديون المواطنين تندرج ضمن نهج عام لقيادتنا الرشيدة في الاهتمام بالمواطنين، والتفاعل الدائم مع مطالبهم واحتياجاتهم، ولعل نظرة سريعة إلى سلسلة المبادرات الكريمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، خلال الأعوام الماضية، تكشف عن ذلك بوضوح، بداية من إنشاء «صندوق خليفة لتمكين التوطين»، الذي تم إنشاؤه عام 2011 ويستهدف توفير الموارد المالية اللازمة لدعم برامج وسياسات تشجع المواطنين على الالتحاق بسوق العمل، وخاصة في القطاع الخاص، وتمكينهم من استغلال فرص العمل التي يتيحها لهم هذا القطاع، ومبادرة «أبشر» التي انطلقت عام 2012 واستهدفت توظيف 20 ألف مواطن في القطاعين الحكومي والخاص خلال خمس سنوات، التي قال عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إن «مبادرة (أبشر) متميزة وعظيمة وتهدف إلى خدمة الكوادر الوطنية».

 

وعلى المستوى الاجتماعي، أصدر صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، في عام 2011 مرسوماً ينص على منْح الجنسية لأبناء المواطنات الذين استوفوا الشروط اللازمة لاكتسابها، والعمل على دمج أبناء المواطنين المولودين خارج الدولة من أمهات أجنبيات في نسيج المجتمع، كما أن هناك الكثير من المواقف التي تفاعلت فيها القيادة الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مع حاجات لمواطنين خارج الوطن، وإرسال طائرات خاصة إليهم لنقلهم إلى أرض الوطن، سواء بسبب المرض أو بسبب التعرض لحوادث مرورية أو غيرها من الأسباب، إضافة إلى سياسات الارتقاء بالتعليم والصحة والتوظيف، وغيرها كثير، وهي سياسات تصب في تحقيق هدف واحد، هو تعميق الشعور بالأمان الاجتماعي لدى المواطنين، على أساس أن ذلك يُعدُّ جانباً رئيساً من مرحلة التمكين التي أطلقها صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وتستهدف في جوهرها خدمة المواطن الإماراتي، وتنميته، ورفع مستواه، وتوفير مقومات العيش الكريم له على المستويات كافة، بما يضمن له الاستقرار المجتمعي والاقتصادي.

 

إن مبادرات القيادة الرشيدة الخاصة بمعالجة المشكلات التي ترتبط بالاستقرار الأسري والاجتماعي للمواطنين، وفتح آفاق جديدة أمامهم كي يشاركوا بفاعلية في مسيرة التنمية والتطور التي تشهدها الدولة على المستويات كافة، تؤكد تفرُّد دولة الإمارات العربية المتحدة، بما تمثله من نموذج في الحكم الرشيد، وقيادة حكيمة تُعلي من مصالح المواطنين، وتضعهم في المرتبة الأولى ضمن أولوياتها، باعتبارهم أغلى ثروات الوطن وأعزها، ولهذا كله فعندما توصف قيادتنا الرشيدة بوصف «القيادة الإنسانية» فإن هذا لم يأتِ من فراغ، وإنما من سجل حافل بالأعمال التي تتمحور حول إسعاد الإنسان وتكريمه، ليس فقط داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وإنما خارجها أيضاً، وذلك منذ عهد المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، الذي عمَّق البعد الإنساني ورسخه في سياسة الإمارات، الداخلية والخارجية، وهو ما جعل من الإمارات نموذجاً للعطاء الإنساني الذي لا يعرف الحدود أو الحواجز الجغرافية والثقافية والعرقية والدينية، من أجل تقديم المساعدة إلى المحتاجين إليها والإسهام في تحقيق التنمية والاستقرار والسلام في العالم كله.

 

نقلا عن الاتحاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى