افتتاحية الصدىمقالات و تحليلات

لا تطوير للاقتصاد مع “تدوير” أباطرة الفساد …!!! / محمد عبد الرحمن المجتبى

محمد عبد الرحمن المجتبى / المدير الناشر رئيس التحرير

لا حديث في موريتانيا هذه الأيام إلا عن سوء وإساءة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (لإساءته للإسلام والمسلمين) أو عن  ، تدوير النظام الحالي لنفايات الفساد والمفسدين الذين عاثوا في الأرض فسادا وخرابا ، بكل استحقار لهذا الشعب ولتاريخه وحاضره ومستقبله

فمن يدرك أن أجيال موريتانيا الذين لم يولدوا  بعد تطالبهم الصناديق الدولية ومؤسسات المنح والقروض بملايين الدولارات ، يدرك جيدا أن النخب التي مارست العمل التنموي والسياسي في هذا المنكب المنكوب بنخبه المتآمرة عليه ، اقترفت جرائم شنيعة في حق البلاد والعباد ترقى للخيانة العظمى ،

ولا شك أن الشعب الموريتاني بكل أطيافه السياسية ومكوناته الاجتماعية استبشر خيرا بجو الهدوء والانفتاح الذي شهدته البلاد مع وصول الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني ، بعد عشرية عاصفة سياسيا ، ماحقة اقتصاديا ، سافرة أخلاقيا ، كارثية تنمويا

نعم استبشر الشعب خيرا بهدوء والرجل وأخلاقه الجمة وخطابه السياسي  المتسم بالصرامة والمسحة الاخقية والصدق والمصداقية ، وقد اعطى هذا الخطاب مفعوله السحري في المشهد السياسي حيث كادت المعارضة التقليدية ان توقع للرجل على بياض ، تشجيعا لأسلوبه في الحكم المختلف كليا عن أسلوب سلفه ورفيق دربه  محمد ولد عبد العزيز

وبلغت نشوة التعاطي مع الإشارات الايجابية للنظام الجديد ذروتها على امتداد القارعة الوطنية عندما ظهرت اللجنة البرلمانية لتقصي عبث وفساد العشرية المنصرمة ، لكونها سابقة حميدة في تاريخ البلاد أن يقول البرلمان الوطني لا للفساد ، من باب أولى أن يتحرى وتقصى الجرائم الاقتصادية الكارثية التي شهدتها البلاد في عهد ولد عبد العزيز

كثيرون شككوا حينها وقالوا في “المحمدين” أكثر مما قال مالك في الخمر ، لكن مع ظهور تقرير اللجنة البرلمانية بدون تدخل من السلطة التنفيذية ، واحالته للسلطات القضائية التي باشرت عملها في استقلالية تامة عن السلطات التنفيذية ، وبعد إقالة الحكومة على خلفية هذا التحقيق ، وجرجرة الرئيس السابق ولد عبد العزيز لمخافر الشرطة ،للتحقيق معه ومع مقربيه من الوزراء والمدراء ، كل تلك الأحداث اعطت بما لايدع مجالا للريبة والتشكيك مصداقية لما اعلن عن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من سعيه الصارم في محاربة الفساد وعدم التعاطف مع أي مفسد مهما كانت علاقته الشخصية او الاجتماعية به

كما أن إطلاق الخطط التنموية المتعددة “كتعهداتي” وخطة مواجهة جائحة كورونا  وخطة الاقلاع الاقتصادي ، كلها مؤشرات تشي بمسؤولية كبيرة لدى الرجل وبرؤية استشرافية صادقة للعبور بالبلاد للضفة الأخرى وانتشالها من ضفة التخلف والردح التنموي بمقدراتها المادية والبشرية

وكنا في “الصدى” وعبر هذه الزاوية رحبنا بهذا التوجه الرائع ،  رغم التوجس الذي تفرضه السيطرة التامة لرموز الفساد على المرفق الحكومي حتى يوم الناس هذا ، وكتبنا  أكثر من مرة أنه ” لا إقلاع للاقتصاد قبل الاقلاع عن الفساد”

وها نحن اليوم نعود لنفس الموضوع بعد موجة الاستياء التي ولدتها صدمة “تدوير” مفسدين جدد في أهم الادارات الحيوية في البلاد ، وبعد ما أبانت عنه زيارة الرئيس لمدينة إزويرات من رؤية استراتيجية مبشرة ، ومن شطحات أباطرة النفاق والفساد التي لم يسلم منها الحجر بعد البشر ، حيث نقشت عبارات التزلف الكئيبة على صخور تيرس وكداها ، في طبعة جديد من التزلف والتخلف والضحك على ذقون البؤساء المطحونين جراء سياسات الغبن والنهب الممنهج لخيرات البلاد والعباد

فمتى يدرك النظام أن هؤلاء المفسدين المحيطين به لا يرجى صلاحهم و لا خير في قربهم وتدويرهم ، ومكانهم الطبيعي هو السجن من أوسع أبوابه بعد استرجاع مسروقاتهم التي قد تغني موريتانيا من التسكع على موائد المانحين وهي البلاد الغنية ذت الشعب الفقير

وهل يدرك النظام أن موريتانيا اليوم بعد أكثر من سنة لتوليه مقاليد السلطة تشبه ذلك القصر المنيف الذي كان مترهلا وتميم ترميمه من تلميعه و تجميله بالنقوش والزخارف من الخارج ، لكنه من الداخل لا يزال كما هو ، نظرا لتمركز العابثين الفاسدين المارقين على كل القيم الاخلاقية والوطنية اتجاه الدولة والشعب

لا نريدها ثورة حالمة لاجتثاث هؤلاء  لكننا نريد تطهيرا للواجهات الحكومية الرسمية كالوزارات والادرات المركزية  من هؤلاء وأمثالهم ، وهذا حقنا على النظام ، وحق النظام على نفسه إن اراد لرؤيته الاصلاحية أن تتجسد على الواقع المعيش

وإلا فإننا سنصبح إمام احتمالين اثنين إما أن النظام غير جاد في ما يعلنه من رؤى تبعث على الأمل وتبشر بغد أفضل ، وما يقوم به مجرد ذر للرماد في العيون ، ومسكنات لأوجاع وطن مأزوم منذ عقود ، وهذا ما يروج له الكثير من أعداء النظام حاليا ، أو أن النظام يعتمد مقاربة للاصلاح بهؤلاء معتقدا أن خبراتهم يحتاجها الوطن ومحاسبتهم قد تتم لاحقا ، وهذه في الحقيقة استراتيجية قد تكون أعطت بعض النتائج الايجابية في السنة الأولى من عمر النظام ، خاصة في تهدئة المشهد السياسي ، و تسهيل مهمة لجان التحقيق المعلنة والسرية ، لكنها لم تعد ناجعة  و لامقنعة اليوم بعد أن دخل النظام سنته الثانية وبدأت فضائح هؤلاء تتكشف يوما بعد يوم لأري العام الذي بدأ يفقد الأمل في وعود النظام بسبب اشراف هؤلاء المفسيدين على السياسات التنموية الرائعة ظاهريا والماحقة باطنيا بسبب اشراف من دمروا البلاد اقتصاديا وتنمويا  على تنفيذها

حفظ الله البلاد والعباد

المصدر : صحيفة الصدى الاسبوعية (زاوية قلم رشاش) الصادرة بتاريخ 25 ربيع الأول سنة 1422هـ الموافق 11/11/ 2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى