الأخبارمقابلات

مرشح الرئاسة الفرنسية محمد العياشي العجرودي لـ«المجلة»:السلام والتسامح والتعايش أدواتي والمساواة بين المواطنين تحت شعار «فرنسا للجميع»

المرشح للانتخابات الرئاسية في فرنسا محمد العياشي العجرودي

الصدى – نقلا عن مجلة “المجلة” اللندنية/

حاوره في باريس  :  مصطفى الدسوقي

بعد استشارات وإلحاح شديد من نخب فرنسية تمثل قطاعات عدة من الشعب الفرنسي بكل مكوناته وثقافاته ودياناته وأصوله، قرر محمد العياشي العجرودي خوض غمار الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر عقدها في أبريل (نيسان) من العام المقبل 2022.

 

هو رجل الأعمال والسياسي المعروف العجرودي والذي يلقب بـ«ترامب فرنسا»، يستخدم أصوله الأفريقية  كـ«سلاح ناجح» لإعادة الهيبة إلى فرنسا في الاتحاد الأوروبي. فهل ينجح رجل الأعمال الذي ينحدر من عائلة تونسية،  في أن يصبح الرئيس الثاني عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة؟

 

كان طبيعيا نظرا للأصول التونسية التي ينحدر منها العجرودي أن نتساءل حول مفارقة سعيه للترشح في انتخابات الرئاسة الفرنسية وعدم خوض غمار انتخابات الرئاسة التونسية التي تعاني من فوضى منذ الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.. لكنه عاجلنا:

 

طيلة حياتي وأنا أعمل بالصناعة والتجارة، وأمتلك عشرات الشركات والمصانع في أنحاء العالم، لذا لم أجد الوقت الكافي للاشتغال بالسياسة، رغم انشغالي بها. وعندما شعرت باحتياج تونس إلى جهودي في أعقاب «النكبة» التي انطلقت شرارتها في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2011 أو ما يسمى بـ«الربيع العربي»، لم أتردد لحظة في تقديم العون لبلد ينهار، ليس لأنني تونسي الهوية فقط، بل لكوني أفريقي الأصل، وسبق أن أكدت في لقاءات صحافية أن  انتمائي لجذوري  الأفريقية يتجاوز هويتي التونسية، ومن هذا المنطلق لبيت النداء وهو واجب قومي أيضا كمواطن فرنسي من عائلة عسكرية، أؤمن بضرورة حماية المصالح المشتركة بين الجمهورية الفرنسية والقارة الأفريقية، وأسعى من خلال هذه الجهود إلى دعم الدول الأفريقية وإصلاح العلاقات مع شعوبها وإعطاء أولوية أكبر للتنمية والحكم الرشيد بالقارة السمراء.

 

الزميل مصطفى الدسوقي خلال حواره مع محمد العياشي العجرودي في باريس

وحول ما قام به إزاء بعض القضايا التونسية قال العجرودي إنه قام بواجبه الإنساني أولا، مضيفا: استضفت في أحد المستشفيات العسكرية الكبرى في فرنسا غالبية الجرحى التونسيين الذين أصيبوا بالرصاص خلال الثورة «المصطنعة» لعلاجهم، والدليل على أن هذه الثورة كانت مصطنعة أنني استضفت جرحى الثورة قبل وبعد خروج الراحل بن علي من تونس واستقراره في المملكة العربية السعودية، حيث استمر «القناصة» في إطلاق الرصاص على الشباب فقمنا بواجبنا الإنساني في تونس.

 

وعن انخراطه في المعترك السياسي التونسي، أشار العجرودي إلى قيامه في نهاية يوليو (تموز) عام  2013 بتأسيس حركة «التونسي من أجل الحرية والكرامة». ومنظمة الحوار التي تشكلت من 21 شخصية مرموقة، مؤكدا: نجحنا في حصول أربع منظمات تونسية على جائزة نوبل للسلام عام 2015، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، تقديرا للدور الذي لعبته منظمة الحوار في إنجاح الحوار الوطني التونسي، ووضع تونس على طريق الديمقراطية.

 

وأضاف: كانت التحركات التي قمت بها لدعم الدولة التونسية قد لاقت زخمًا في البداية ثم واجهت بعد ذلك عدة عقبات جراء الفوضى «المدروسة» التي عمت أرجاء البلاد، فقررت الانسحاب من الحياة السياسية، بعد وصول بعض السياسيين الجشعين للسلطة وهم يفتقرون إلى الكفاءة لإدارة الدولة ويسيطر عليهم الجشع وانعدام الوطنية.. وجراء ذلك  فقدت تونس نقاط القوة التي يمكن أن نبني بها الاقتصاد وفقدت ثقة المستثمر وكذلك الاستقرار والأمن والسكينة.

 

وقال: لم أسع من وراء دعمي لتونس منذ اندلاع «نكبة 17 ديسمبر 2011» حتى اليوم  إلى رئاسة الدولة أو أي منصب سياسي. وكان هدفي الأول وما زال هو النهوض بتونس، اجتماعيا واقتصاديا وطاقيا. ومع ذلك فأنا أشبه الوضع في تونس- رغم ما تمر به من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية طاحنة- بمريض  يعاني من «وجع بالرأس» فقط، ولا يحتاج إلا  لقرص «بنادول» ويشفى! وقد قمت بتأليف كتاب بعنوان «كيف ننقذ تونس» قدمت من خلاله خطة لـ«علاج تونس» وهي خارطة طريق سلسة وسريعة ولكنها تحتاج إلى تضامن الشعب مع سلطة واعية يثق بها.

 

فرنسا في غرفة الإنعاش

 

وحول الجزء الثاني من تساؤل «المجلة»: لماذا قررت الترشح للرئاسة الفرنسية؟ فقد قال العجرودي: إذا كانت تونس التي شهدت مولدي، لا تحتاج لأكثر من قرص «بنادول» لعلاجها ففرنسا تعاني من مرض عضال أدخلها وسط الانشغال بصراعات داخلية وبمقاومة فيروس كوفيد-19 وتداعياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية  إلى «غرفة الإنعاش». وبعد تفكير عميق في الأوضاع الحرجة التي تمر بها الجمهورية الخامسة ولقاءات مكثفة مع نخب سياسية واقتصادية وثقافية وأكاديمية فرنسية مخضرمة يمثلون قطاعات من الشعب الفرنسي بكل مكوناته وثقافاته ودياناته وأصوله، قررت- عقب مشاورات مع تلكم النخب الوطنية- دخول سباق الانتخابات على كرسي الرئاسة، باعتباره واجبا مقدسا كمواطن نشأ وترعرع في فرنسا ودرس في مدارسها وجامعاتها، إضافة إلى أعمالي التجارية وشركاتي وخبراتي والإرث  الوطني العائلي الذي أحمله، حيث كان  جدي ووالدي وعمي رحمهم الله ضباطا بالجيش الفرنسي، وأنا كذلك كنت ضابطا سابقا  في البحرية التجارية.

 

وفي هذا السياق، أشار العجرودي إلى «دراسة حديثة نشرت هذا الأسبوع»، قال إنها «أكدت أن 61 في المائة من الشعب الفرنسي يعتقدون أن فرنسا تحتاج إلى إنقاذ عاجل»، مضيفا أن «أخطر ما تواجهه فرنسا حاليا هو تفشي الخطاب العنصري الإقصائي في وسائل الإعلام- الموجه- وهو خطاب خطير جدا لا يليق بدولة فرنسا العريقة في الديمقراطية، وينبغي على الإعلام وصانعي السياسة الفرنسية تبني خطاب يدعم التعددية والشراكة بين جميع المواطنين وكل من يقيم على أراضي الجمهورية الفرنسية دون تمييز».

 

وقال في السياق نفسه إن «وسائل الإعلام تنقل الخطاب التعبوي المشحون بالعداء والحقد والاتهامات التي تهدد الوحدة الوطنية وتنذر بوقوع انقسامات داخلية غير مسبوقة. ونيجة ذلك يلاحظ خلال الأعوام الثلاثة الماضية تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بالجمهورية، وكم المسيرات المناوئة لسياسة الدولة والمظاهرات والإضرابات الاحتجاجية على إصلاح قانون العمل وقانون التقاعد وأصحاب السترات الصفراء وغير ذلك من حركات معارضة تحركها أياد معروفة من وراء الستار لتحقيق مكاسب شخصية».

 

وأشار العجرودي إلى مرشحي الرئاسة الفرنسية، قائلا: انظر إلى وعود بعض المترشحين للرئاسة الذين يتبنون سياسة الإقصاء ويبثون خطابات فئوية وعنصرية وحشية غير إنسانية لا سيما ما يتعلق بوضع اللاجئين والمواطنين غير الفرنسيين، مضيفا: «مصالح فرنسا اهتزت في عدد ليس بالقليل من الدول في أوروبا ونشاهد التوترات الفرنسية البريطانية والشكوك حول صمود المحور الألماني الفرنسي بالاتحاد الأوروبي بعد رحيل أنجيلا ميركل واهتزاز العلاقات الفرنسية بدول المنطقة بعد التراجع الواضح لدور فرنسا التاريخي في حل النزاعات الإقليمية، خاصة في أنقره وأثينا ونيقوسيا. وبدلا من ذلك دخلت فرنسا في صراع مع تركيا ورجب طيب إردوغان بشكل شخصي أدى إلى تلاسن وتبادل اتهامات بين الرئيسين ماكرون وإردوغان، إضافة إلى تقلص الدور الفرنسي في علاج الأزمة بسوريا وفي لبنان، وكان اللبنانيون ينظرون إلى الرئيس ماكرون كقارب نجاة بعد زيارته مرفأ بيروت عقب انفجاره في أغسطس (آب) 2020  ووعوده بإصلاحات فورية ودعم مالي واقتصادي وسياسي ولكن جل هذه الوعود لم يتحقق. كما تغيب فرنسا عن قضايا السلام العربي الإسرائيلي، ومع ذلك يتوهم كثير من السياسيين وبعض المترشحين للانتخابات الرئاسية أن فرنسا لا تزال الدولة المؤثرة في المنطقة وشمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط وهذا غير صحيح ولكن يمكن أن تعود فرنسا كسابق عهدها قوة فاعلة على الساحة الدولية من خلال ما أقترحه في برنامجي الانتخابي من إصلاحات…

 

وفي اعتقادي يجب على فرنسا إعادة رسم سياستها داخليا تحت شعار عنوانه «فرنسا للجميع»، وخارجيا على ضوء المتغيرات العالمية الاقتصادية والسياسية والحفاظ على التحالفات الاستراتيجية والتاريخية.

 

 

 

فرنسا والقارة الأفريقية

 

ولم يغفل العجرودي الإشارة إلى العلاقات الفرنسية الأفريقية، قائلا: أعتبر نفسي ابن القارتين الأوروبية والأفريقية، ومن خلال أعمالي في أنحاء العالم أعتبر نفسي صديقا لشعوب العالم بأسره وأرى أن إعادة الاتزان إلى الخطاب الفرنسي والتضامن والتعاون والشراكة داخل فرنسا وخارجها هي السبيل الوحيد لإنقاذ الدولة وإخراجها من «غرفة الإنعاش». وفي حال وصولي إلى سدة الحكم أبدأ بإعادة التوازن والاعتبار للعلاقات الفرنسية الأفريقية كخطوة أولى حتمية.

 

وأشار العجرودي إلى الإجراءات التي اتخذها الرئيس ماكرون لتحسين العلاقات مع دول القارة الأفريقية بزيادة المساعدات وإعادة الآثار التي سلبت خلال الحروب والحملات الفرنسية على تلك الدول وتعزيز العلاقات الفرنسية مع منظمات المجتمع المدني في بعض الدول، ودعمه التكتّل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في محاولاته للدفاع عن سياسة الانتخاب في مواجهة هيمنة العسكريين، وأقراره علنا في رواندا بفشل فرنسا في القيام بمسؤولياتها حيال الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994، إضافة إلى عقده في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قمة أفريقية- فرنسية بمدينة مونبلييه غاب عنها الرؤساء واقتصرت على حضور النشطاء والمعنيين من بينهم أكثر من ألف شاب أفريقي، وسط توترات بين فرنسا والجزائر ومالي، أراد ماكرون من عقد القمة إلى إحياء العلاقة مع القارة السمراء في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية. لكن العجرودي قال إن كل هذه الإجراءات جاءت «متأخرة جدا».

 

وبالإضافة إلى ذلك- يقول العجرودي: «كانت كل هذه المحاولات واللقاءات جامدة وعبارة عن وعود واجتماعات لم تخرج بشكل فعال إلى أرض الواقع ويلمسها المواطن الأفريقي، ولا تزال فرنسا في مرمى سهام أفريقية ساخنة ما زالت تشعر بالظلم والاحتقان بسبب الاستعلاء الفرنسي على مر التاريخ. حيث يقول أحد المفكرين الأفارقة مثلا: كثيرون منا عاصر آباؤهم زمن الاستعمار ومراراته.. وفي الماضي القريب بدأ نيكولا ساركوزي فترته رئاسته بتصريح استعلائي مهين قال فيه: إن الإنسان الأفريقي لم يدخل التاريخ حتى الآن… وإذا استمرت فرنسا على هذا النهج الاستعلائي في التعامل مع دول القارة الأفريقية فسوف تنفصل عنها 14 دولة فرنكفونية على الأقل».

 

 

 

فرنسا والنيجر

 

تركز فرنسا منذ سبعينات القرن الماضي على الطاقة النووية السلمية من اليورانيوم كبديل عن البترول في أعقاب أزمة النفط عام 1973، حيث  أعلن رئيس الوزراء بيير ميسمر عام 1974 عما أصبح يعرف باسم «خطة ميسمر» للطاقة النووية، وكانت أغلب الطاقة الكهربائية في فرنسا خلال فترة أزمة النفط، تأتي من النفط الأجنبي.

 

ومنذ بدأت فرنسا في استخراج يورانيوم النيجر الذي يمد فرنسا بـ35 في المائة من احتياجاتها من الطاقة النووية، استطاعت أن تصبح المنتج الثاني في العالم للطاقة النووية الخالية من غاز ثاني أكسيد الكربون، بعد أميركا. ولدى فرنسا 58 محطة نووية تنتج نحو 75 في المائة من الطاقة الكهربائية. ويعمل في قطاع الطاقة النووية الفرنسية، ما لا يقل عن 222 ألف شخص، وفقا لتقديرات منظمة الجمعية الوطنية للطاقة النووية.

 

وحول هذه العلاقة المهمة مع النيجر حذر العجرودي «بشدة» من تداعيات العلاقات الشائكة بين فرنسا والنيجر المصدر الرئيسي لليورانيوم، والتي «تشكل موقعا خاصا في استراتيجية الأمن القومي للدولة، وأخشى على فرنسا- دون أدنى مبالغة- من العودة إلى القرون الوسطى»!

 

رجل الأعمال محمد العياشي العجرودي

وفي هذا السياق، أشار العجرودي إلى ما حدث قبل أيام قليلة حين اعترض متظاهرون في تيرا بمنطقة تيلابيري (غربي النيجر)، قافلة تابعة للقوات الفرنسية متوجهة إلى مالي تحت حراسة قوات الدرك الوطني، وكانت القافلة علقت في بوركينا فاسو لأكثر من أسبوع بسبب مظاهرات مناهضة لفرنسا. وبعد مفاوضات مع منظمي هذه المظاهرات، تمكنت من استئناف رحلتها إلى النيجر.. «وساءت العلاقة بين باريس ونيامي في ظل تنامي النفوذ الأميركي والصيني في النيجر وفق معادلة تنموية تطبقها بكين في القارة السمراء، حيث تقايض البنى التحتية والأموال بالموارد النفطية والمعادن».

 

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن النيجر تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج اليورانيوم بعد كزاخستان عقب اكتشاف منجم إيمورارن- الذي يتوقع أن ينتج خمسة آلاف طن سنويا على مدى 35 سنة قادمة.

 

البرنامج الانتخابي

كان طبيعيا بعد أن استرسلنا في المحاججة الانتخابية والحديث عن المترشحين لانتخابات الرئاسة الفرنسية، أن نسأل العجرودي عن برنامجه الانتخابي، فقال: «ليس لدي حزب أنتمي إليه ولكنني بكل صدق أراهن على إرادة الشعب الفرنسي بكل مكوناته الذي يسعى للعيش بسلام بعيدا عن العنصرية، أسعى إلى لم الشمل لكل من يقطن على الأراضي الفرنسية. قوتنا في وحدتنا. يشهد التاريخ أن العرب والأفارقة هم من ساندوا فرنسا في كل حروبها، ولولا العرب والأفارقة لكنا نتحدث اللغة الألمانية اليوم، ولاندثرت الفرنسية. أراهن عن هذه القوة النشطة في البلاد ولا أراهن على إعلام مدفوع الثمن أو أحزاب وتجمعات أو فئات.. الأحزاب تنظر لمصالحها وأنا ليس لدي مصالح وأؤكد أن هناك تسونامي خطير جدا قادم من الخارج يمكن أن يسبب حربا أهلية».

 

وعن الإعلام قال إن «الإعلام في فرنسا لم يعد يمثل الدولة ولا صوت الشعب بل بات أداة عند رجال أعمال وكل واحد منهم عليه مديونية اليوم يشتري الإعلام لدعم مصالحه على حساب الدولة».

 

واستدرك بالحديث عن رجال الإعلام الذين يعتبر واحدا من أبرزهم، بالقول: «رغم أنني رجل أعمال، فأنا أتهم بعض رجال الأعمال الانتهازيين الذين ينفقون مئات الملايين لبث الفوضى والخطاب المتطرف لإلهاء الرأي العام عن فسادهم وقضايا الشعب المصيرية وأنا أعرفهم وأوجه نداء إليهم بالنظر إلى مصلحة الجمهورية والشعب الفرنسي وليس إلى مصالحهم قبل فوات الأوان.. يكفيني أن يدخل اسمي العربي الأفريقي ضمن قائمة المرشحين في هذه المعركة الانتخابية ولن أطلب دعما من أي أحد أو حزب؛ لدي برنامج واضح وصريح هو إنقاذ فرنسا ووحدتها ولم شملها، وأنا متأكد من أن الفرنسيين الأحرار يريدون مصلحة البلد وأنا لم أدخل السباق الرئاسي بصفتي عربيا مسلما، فأنا لا أتحدث إلا بلغة مشتركة، لغة توحد الدولة وتدعم الانتماء لفرنسا من الجميع.. الحريات هي أساس حياة المواطن الفرنسي واحترام ثقافة واعتقادات الآخر، ولن أسمح باضطهاد دين من الأديان أو أي معتقد.

 

وعن موقفه من الإسلام، قال: «أنا مع الإسلام المعتدل المبني على مباديْ القرآن الأساسية غير الخلافية. وعندما حدثت الانفجارات في فرنسا وبلجيكا قمت مع بعض الأصدقاء بدعوة عدد من الأئمة من كل العالم العربي والإسلامي ومن أفريقيا وقاموا بجولة حول العالم يعتذرون لما حصل من جرائم وقتل، وقدموا  الاعتذار، وعبروا عن الوجه الحقيقي للإسلام الذي يؤمن بالتعايش ومحبة الآخر».

 

خطة إصلاح فرنسا

 

شيدت الحكومة الفرنسية الأحياء السكنية في خمسينات القرن الماضي، خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. وكان الهدف منها تعزيز المواطنة الاجتماعية، لردم الهوة بين المواطنين الفرنسيين وفقا للمستوى الاجتماعي والاقتصادي وبين أبناء الطبقة الأكثر فقراً، وهم بالتالي، اعتبروا انتقالهم إليها بمثابة ترقية اجتماعية. ولكن بعد التوسع العمراني خلال ثمانينات القرن نفسه، تغيرت الصورة وباتت الأحياء، المقصودة، ترمز للتهميش الاجتماعي وتجميع المهاجرين والأقليات وبرزت مختلف أشكال العنف والتمرّد.

 

وحول هذا التهميش الاجتماعي، قال العياشي العجرودي: «هناك خمسة وعشرون مليون مواطن من أصول أفريقية وعربية، بينهم نحو خمسة ملايين شخص أي 7.5 في المائة من الفرنسيين مهمشون ويسكنون في أماكن تفتقر إلى الخدمات والرعاية وتسودها العشوائية والفوضى والعنف. فيجب إعادة تأهيل المناطق العشوائية وأن لا يكون التسكين حسب الهوية أو اللون أو العرق والدين. وهذا من أبسط حقوق الإنسان.. وكان نتيجة ذلك انتشار ظاهرة العنف بين المواطنين المقيمين بالضواحي التي تسكنها أغلبية من المهاجرين. والفقر في هذه المناطق يفوق بثلاثة أضعاف مستواه في سواها من المناطق، بينما الأمية أعلى بأربع مرات- بحسب المرصد الوطني للمناطق الحضرية الحساسة- ونسبة البطالة تبلغ فيها 24 في المائة في مقابل 10 في المائة تقريبا على المستوى الوطني.. وأحذر بشدة  من شبح التصدع الاجتماعي الذي يهدد السلم وينذر بمزيد من العنف بين أبناء الوطن الواحد بسبب التقسيم الجغرافي غير العادل. وأدعو من خلال حملتي الانتخابية إلى تحمل المسؤولية، لمواجهة هذا الخطر الجسيم».

 

أزمة المهاجرين والأطفال القصر

 

وحول بعض المترشحين من اليمين الفرنسي قال العياشي العجرودي: «أنا لست ضد المترشح اليميني إذا كان يدافع عن كيان الدولة، وهذا لا شك فيه. ودوري الوطني أن أحذر من المتطرف إذا عرض  الدولة للخطر ودفعها للفوضى. فالذي يطالب ببناء سجون للأطفال والمهاجرين القصر الذين يقومون بأعمال تخالف قوانين الدولة، من سن عشر سنوات ،أقول لا، بل جنده بالجيش وعلمه في مدارس داخليه وغير من سلوكه، وعلمه الحرف التي تعاني فرنسا من ندرة  في بعضها وتستعين بعمالة من الخارج لشغلها  فلماذا لا نحتضن هؤلاء الأطفال والشباب الصغير ونصقلهم ونعلمهم وندربهم ونخرجهم عناصر صالحة وقوة عاملة تنهض بالبلاد.. يجب الاهتمام بالمهاجرين وإعطاؤهم كل حقوقهم طالما أعطيتهم حق العيش على أرض فرنسا فأصبح مواطنا له ماله وعليه ما عليه، ويجب الاهتمام بهم ورعاية أبنائهم. فإذا أدخلنا الأطفال والمهاجرين القصر السجون فقد صنعنا بأيدينا قنابل موقوتة ونربي أعداء داخل الوطن فإذا خرج من سجنه سيكون مشحونا بالكراهية والعنف ومهيئا للانتقام».

 

 

التعليم والمساواة

 

واهتم العياشي العجرودي بالإشارة إلى بعض من ملامح برنامجه الانتخابي أول ما سيقوم بتنفيذه إذا ما فاز في الانتخابات، فقال: «إذا وفقت في الانتخابات الرئاسية المقبلة سيكون أول قرار جمهوري لي هو التعليم والمساواة بين كل الناس في دخول المدارس،وستكون الكليات والجامعات متاحة للجميع دون استثناء وفقا للكفاءة دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى.

 

والقرار الثاني هو الاهتمام بالصحة وإجراء إصلاحات بالقطاعات الصحية في الدولة خاصة بعد ما كشف كوفيد-19 قصورا كبيرا في الخدمات الصحية.

 

أما القرار الثالث فهو توحيد الإدارة، حيث إن كل منطقة تسلم الإدارة لشركات خاصة أي الخصخصة ولا تكون تحت الدولة وكذلك الإدارة السريعة في اتخاذ القرار».

 

الاعتذار للجزائر

 

ولم يكن ممكنا أن نترك العياشي العجرودي دون أن نطرح عليه قضية الاعتذارالفرنسي للجزائر، فقال: «السلام والتسامح والتعايش هي أدواتي الرئيسية في التعامل مع جميع الناس وسوف أتوجه بالاعتذار فورا لكل دولة كانت تحت حماية فرنسا يوما ما. وكان ينبغي تقديم اعتذار علني لتلك الدول وفي مقدمتها الجزائر وأستغرب أنه بعد مضي ستين عاما على انتهاء حرب الجزائر، باشرت الجمعية الوطنية في فرنسا نهاية الشهر الماضي مناقشة مشروع قانون (اعتذار) إلى الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي وعاشوا (مأساة) في فرنسا بعد نهاية الحرب. والمشروع عبارة عن ترجمة قانونية لخطاب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ألقاه في 20 سبتمبر (أيلول) في قصر الإليزيه في حضور ممثلين للحركيين، ويمثل اختبارا لضمير فرنسا في مواجهة (مأساة الحركيين). في الوقت الذي يرفض فيه ماكرون تقديم الاعتذار بشأن تاريخ بلادنا الاستعماري في أفريقيا، وما زال الغضب الجزائري رسميا وشعبيا مع الإصرار على أن يقدم الرئيس الفرنسي اعتذارا رسميا لبلادهم».

 

السلام الإبراهيمي و«ترامب فرنسا»

 

وحول اتفاقات السلام الأخيرة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، قال العجرودي إنه «منذ عقد الراحل محمد أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل وأنا أحلم باستكمال مسيرته في دفع عملية السلام بالمنطقة، وإذا توليت السلطة سوف أدعو الجامعة العربية إلى طاولة مفاوضات مع دولة إسرائيل لعقد اتفاق شامل ونهائي بين العرب والإسرائيليين وتقديم الحل الأمثل للقضية الفلسطينية.. ومع تأييدي الكامل للسلام الإبراهيمي  وللجهود التي قام بها الرئيس الأميركي ترامب فأرى أنه من الواجب اتباع مسيرة الشجاع السادات، وأعتبر أن السلام انطلق منذ ذلك اليوم، سلام الشجعان.. فالسلام العربي الإسرائيلي ضرورة لتنمية المنطقة وأمنها ومستقبلها. أنا قمت بمبادرة سلام من قبل وأنا عضو في الاتحاد الأفريقي فيما يخص القضية الليبية وجمعت كل رؤساء القبائل ونقلتهم على مرحلتين بطائرتي إلى الكونغو والحمد لله تمت تسوية الأمور».

 

فرنسا والسعودية ومصر

وأشار العياشي العجرودي، المرشح المحتمل في انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة إلى التطورات الأخيرة في المملكة العربية السعودية، قائلا: «عشت سنوات طويلة في السعودية ومن عاش في المملكة قبل الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان سوف يذهل من حجم التطور والتغيير الذي طرأ على بلاد الحرمين الشريفين».

 

وأضاف: «الأمير محمد بن سلمان شاب ملهم منح شعبه ما يطمحون إليه. وقام بالكثير من القرارات المصيرية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. كانت السعودية قبله تعتمد كليا على النفط. وكان النظام الاجتماعي بعيدا عن الشباب الذين يمثلون نحو 70 في المائة من الشعب السعودي. ومن خلال رؤيته منح المرأة كافة حقوقها دون تدريج في خطوة جريئة غير مسبوقة. وقام بتنويع الاقتصاد وشيد مدنا جديدة وأماكن سياحية وأثرية وتظاهرات فنية في جدة والرياض وتخلص بحكمة وسلام من الأفكار المتشددة الظلامية بالتوجية الفكري والديني المعتدل.. وأعتقد أن العلاقات بين المملكة وفرنسا شهدت أزهى فتراتها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان».

 

أما عن مصر فقال إن «أرض الكنانة محظوظة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد روى لي أحد الأصدقاء من الضباط الفرنسيين الذي عاش في مصر أنه خلال عمله بالبحرية كانت السفينة عندما تخرج من قناة السويس إلى الإسكندرية لتصل إلى الإسماعيلية كانت تقف بالبحيرات المرة من يوم إلى يومين، ولكن بعد تنفيذ السيسي مشروع توسعة قناة السويس الذي يعمق ويوسع المجرى المائي لقناة السويس بتوفير ممر مائي مواز لمرور السفن بطول 35 كيلومترا انتهت كافة مشاكل المرور وحركة الملاحة باتت سريعة للغاية وهذا ما شاهدته بعيني وهو عمل جبار وأسطوري أدخل الرئيس السيسي التاريخ من أوسع أبوابه».

 

أما العمل الجبار الآخر- يقول العجرودي- فهو «قضاء الرئيس السيسي على كل التنظيمات الإرهابية وفي طليعتها التنظيم الإخواني؛ فالإسلام بريء من هذه الجماعة المتطرفة وأمثالها من جماعات تتاجر باسم الأديان كحركة حماس التي تخدم المتطرفين الإسرائيليين ولا تخدم القضية الفلسطينية».

 

المرأة في حياة المهندس العجرودي

 

وختم المهندس العياشي العجرودي حديثه مع «المجلة» حول المرأة ودورها في حياته، قائلا: «أنا ربتني امرأة، فوالدي كان ضابطا في الجيش وتوفي وأنا عمري 14 عاما وتركنا سبعة إخوة، فربتنا الوالدة وربتنا على مبادئ الحمد لله كلنا نجحنا في حياتنا من وراء شخصية هذه المرأة وكرمني الله بأم أولادي بعيدة عن الأمور السياسية وما يحصل، وتقف وراء مصالحنا؛ فدور المرأة هو الأساس في الحياة.. وسوف أبذل كل جهدي في إصلاح أوضاع المرأة في فرنسا حال فوزي بمقعد الرئاسة وأعد  النساء بأنهن سيحصلن أخيرا على المساواة التامة والكاملة في الأجور كما في المسار المهني».

من هو محمد عياش العجرودي؟

رجل الأعمال محمد العياشي العجرودي

محمد عياش العجرودي صاحب إمبراطورية اقتصادية وعلمية من أصول تونسية قرّر الترشح لرئاسة فرنسا. وهو سياسي وناشط ومخترع، ورجل أعمال ناجح انتشرت أعماله في أكثر من بلدٍ.

 

ولد العجرودي في قابس جنوبي تونس، من عائلة عسكرية نشطت في الجيش الفرنسي في تونس والجيش التونسي بعد الاستقلال.

غادر قابس إلى ليل في فرنسا لمتابعة تعليمه وهو في الرابع عشر من عمره، حيث حصل على البكالوريا عام 1967.

انضم إلى كلية الدراسات العليا للمهندسين في ليل وتخرّج مهندساً في البحرية المدنية عام 1978.

بدأ الدراسات البحرية في سانت مالو، حيث أبحر لمدة خمس سنوات ليصبح ضابطاً في البحرية التجارية، وعن هذه المرحلة يقول: «أمضيت خمس سنوات وثلاثة أشهر و23 يومًا من الملاحة»، ثم دورة في الجسور والآلات في المدرسة البحرية متعددة الاختصاصات، تخرج منها كمهندس.

 

قصة أول براءة اختراع

ولكن رغم تفوقه إلاّ أنّه لم يحظ بفرصة عمل كما كان متوقعا، لذا قرر إنشاء مؤسسته الخاصة. كان ينقصه خمسة آلاف (5000) فرنك فرنسي عن مبلغ إجمالي قدره عشرون ألف فرنك، الحد الأدنى المطلوب لتكوين رأسمال الشركة، لكن البنوك رفضت منحه قرضا للمشروع. فقدم له والدا صديقه، وهو بدوره مهندس شاب، المبلغ الذي سمح له بإنشاء شركته الأولى (AMIS) آرتوا لخدمات الصيانة.

وهنا استطاع العجرودي تنفيذ أول اختراعاته، وهو وضع رابط مرن يمنع الانقطاعات المتكررة في خطوط الأنابيب أثناء تجميع منصات النفط البحرية. لم يفكر أحد في ذلك، في حين أن الفكرة بسيطة، إلا أن تنفيذها كان صعباً.

قام عمدة قرية  Pas-de-Calaisبتوفير مبانٍ مهجورة وغير مكيفة له مجانًا على أمل تعزيز فرص العمل للسكان. مع سبعة من أصدقاء الهندسة مثله، تمكن محمد من اختراع نموذج أولي، بكل صبر وتأن، ثم سجل براءة اختراع.

اتصل محمد فيما بعد بشركة تابعة لشركة النفط الفرنسية  Elf-Aquitaineالمتخصّصة في المنصات والحفر البحري، والتي أعجبت باختراعه وتقدّمت بطلب عشر وحدات. عندئذ، منحه البنك على الفور خط ائتمان قدره 8 ملايين فرنك، أو ما يعادل 1.2 مليون يورو لتوفير التمويل للتصنيع.

ثروة في ذلك الوقت، سمحت له بالذهاب إلى ماليزيا والغابون لمراقبة عملية تركيب الروابط بنفسه.

منذ ذلك الحين، لم يتوقف محمد العياشي العجرودي عن سلسلة الابتكارات وبراءات الاختراع والعديد من النجاحات. نمت شركته وحقق نجاحات أخرى.

 

 

 توسيع أنشطته

 

استطاع شراء شركة الأشغال البترولية والبحرية المتخصصة في مجال النفط والأعمال البحرية بعد أن كان يعمل بها منذ عام 1977.

وسّع مجال أنشطته إلى دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية. وفي تلك الفترة، اخترع نظام سقي تحت الأرض أطلق عليه اسم  «PORTUBE II»تم استعماله لإيقاف تقدم التصحر. وقد تم تتويجه بمناسبة هذا الاختراع بميدالية الاستحقاق لمدينتي مكة المكرمة وجدة.

 أسس شركة تحمل نفس الاسم لتصنيع وتسويق المنتجات، وخاصة في المملكة العربية السعودية (القصر الملكي والمطارات والطرق السريعة والزراعة).

 خلال مسيرته المهنية أصبح محمد العياشي العجرودي مالكا لأكثر من 260 شركة ومؤسسة في كل قارات العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ذاتها واليابان والصين وبريطانيا.

تشمل مؤسساته كل الميادين المربحة مثل تحلية المياه والتنقيب عن النفط والصناعات البترولية وإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى طاقة والطاقة البديلة ومقاولات البناء وتعشيب الملاعب والقصور وغيرها.

 إثر عملية الخصخصة سنة 1990 في تونس استثمر في الكثير من القطاعات داخل البلاد.

 في عام 2011، تاريخ الثورة التونسية، أصبح العجرودي عضوا في منظمة الحوار، الذي أوصل الرباعي الراعي للحوار بتونس إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام.

 في سنة 2013، اشترى العجرودي قناة «الجنوبية تي في» التي تبث رسائل تدعو للحوار بين الأديان وللتنمية الاقتصادية.

 في 2017، قام بتمويل المسيرة من أجل السلام والتسامح لإحياء ذكرى ضحايا اعتداءات السنوات الأخيرة، وقد لقي العجرودي كل التشجيع من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

 أسس حزبه السياسي «حركة التونسي من أجل الحرية والكرامة» عام 2013 وعلى الرغم من أن هذا الحزب انسحب من سباق الانتخابات التشريعية، وضح العجرودي أن معركته الأساسية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى