فضاء الرأي

مضحكة هي وجوه القطط، ماذا عن أرواحها / عبد الله محمد

عبد الله محمد / كاتب موريتاني

في مؤتمر صحفي لجمال مبارك، وكان رئيسا للجنة السياسات في حزب الحاكم ثم، ايام العز الرئاسي وأكل الوز الشعبي لمصر، سأل فتى من الحضور عن تعليق المتحدث ابن الرئيس على ما يتداول من مساعي للتغيير في وسائط التواصل والحركات الشبابية فضحك جمال وقال ساخرا مغالبا قهقهة اغترار (متفهمة في حاله ذلك البنفسجي ما قبل اصفرار العارض غير الممطر)، مشيرا إلى حسين عبد الغني مراسل الجزيرة حينها “ما اترد انت يا حْسين !”، تهكما وتندرا. في الموروث الأسطوري الخائض في روحانيات عالم الحيوان، للقطط مادة تناول عاجة بالتفاصيل العجيبة. القطط (السنوريات) هي، توسيعا لمدارك الرئيس المعارفية البسيطة، تضم عائلة معتبرة في مملكة الغاب تشمل الأسود والنمور بتفريعاتهما وتتدرج نحو القطط بتنوعاتها كمرافقات للبشر في بيئتهم القريبة منذ زمن بعيد. ليست أليفة جميعها وبها حس “بهنسة” لا يفارقها حتى على أرائك الاستهلاكية الغربية حيث تربى كفرد من العائلة..

من تلك المضامين المميزة للقطط اعتبار زغبها أداة تمرير لمفعول آلة السحر وكون أرواحها متعددة. وإذا كان ذلك الحكم على القطط حمال أوجه تأويل سلبي لحالها تشاؤوية وعدائية فإن الموروث نفسه يضعها في نسق تشريف ضمن تراتبية البهائم عند مقابلتها بالكلبيات. لذلك رسخ في الذهنية الشعبية، وللأمر ما يدعمه نسبيا في الارشيف الامبيريقي للنزاع بين القط والكلب، أن قطا يافعا يغلب زمرة كلاب لاحمة. فالقطية إذا فلسفة في بعدها الرمزي في ثقافات كثيرة، والسائد الاشهر من ذلك تعدد أرواحها وغلبتها للكلبيات المقابلة. وليس تعدد أرواحها بمتمحض السلبية تعبيرا عن شريتها، بل قد يكون تعبيرا عن ممانعتها والفرق منحصر في تحديد زاوية تشكيل النظرة “القيمية” إلى تلك التمددية في الارواح وعلى ذلك ستكون االقطط الخيرة بتعدد ارواحها ممانعة نضالية ضد شر معين هو الموت، ويكون منحاها البطولي في غلبة الكلبيات متمحضا كميزة نسبية لفئتها.

في نواذيبو،في مشهد من “ديموقراطية المشاهد” على رأي شومسكي (لكن بدرجة سوء أعمق مما أراد المفكر واللساني الامريكي فالحال هنا أنها ديموقراطية “المشوهد”، وفق تعبير المنمين البدويين، تدجينا بالجزرة وعصا الجنرالية)، وفي حشد لو غير عمود التقويم في يوميته اثنا عشرة سنة صعودا لكان المحروس بدل الحارس والباقي جمهور لم يتغيب منه إلا من غيبه الموت أو العجز ونيب عنه من العقب فتماهى السلف والخلف، اشترك عزيز هذا المصر مع ابن عزيز مصرَ في هيرتيزية نبرة الصوت، وتوبوغرافية معالم الوجه، ونو الزهو بالحشد، تهكما من معارضة النت واصفا لهم بعبارة استعصت عليه فرنجية (“فريزها” ثم “فرتلها” متجاركا لحنه)؛ لمشوش !

وإذا كان النسق السياسي (مع تجوز استسهالي في استخدام هذا الوصف) في بلادنا ممثل طرفه السلطوي في شخص الرئيس يرى أن الفعل المعارض، الذي يبدو للأسف أنه لا يميزه من الإطار المعارض في هيئته الحزبية، لعبة تخفي قططية التبرفل فإن الأمر يستحق وقوف شعر الحضور لمهرجانه ممن لديهم حس لباقة في فن التعامل مع الخصم، وذكاء الفهم المميز بين المعارضة كحالة رأي عام بارز ومتخف في قنوات التذاكي والجهل والتجاهل (كحال الحاضرين)، لكن التمس لهم عذر جرم الشاهد الذي سأله القاضي عن الواقعة فرد – وكان أصلع – لقد وقف شعر رأسي من هول ما رأيت .. فقاطعه وحكم عليه بالسجن كذبا. لا ألوم الجمع لتمريرهم للتعبير تماما كما أتفهم حكم القاضي على الرجل. في الكرنفالات الانتخابية لدينا تنعض المبادئ وحتى المعارف ببوقريس اللحظة فيلحن النحوي، ويفجر الفقيه لفظا، ويرتد لغويا السياسي المسلم، … وتسفر المحجوبة في خدرها … و …

 

لا إشكال في تقطيط المعارضة (الحس المعارض والزخم الوطني حتى من خارج الاطر الحزبية) من طرف الرئيس ولا تثريب على وجهاء الحفل في عدم وقوف شعرهم حتى لا يسجنهم قاضي القيم. لكن، أعتقد أن الاشكال في سياق خطاب الزعيم هو في جهله أو تجاهله لتنوع القطط في تراتبية الأسد، ذي الرتبة العسكرية الصامت حفظا لهيبة جاهلية كتلك التي منعت أسياد قرشيين من الدخول في الدين بعض الوقت القابل لأن يصبأ عن دين السلطة والثكنة، النمر من فئة قطط الكاكي المؤطرة بالواجب المهني لكن في حدود لباقة عسكرية معينة، القط المثقف كثير المواء على وسائل التواصل المستثير وعيا لقضية القططية الوطنية الممر عبر زغبه البسيط ومضات سحر غفلة واستطانة الشعب، القط المواطن البري الضامرة بطنه المتخشن جلده من فرط التهميش الموشك على الانضمام لقطيعه الضجر، ليس ذلك فحسب بل نزعات القططية المناضلة في مجموعاتها تلك بعد تهميش بسبب لون رقاطها واستغلال جهدها سخرة، حتى القط الداجن في كنف المخزن دياثة بهائمية المختزن غريزيا لقفزة معارض أميتت قطيته بلحم المعلبات الفاسد فحتى حي “البهائم” يرجى..

هل من مبلغ سيادته، أن القططية في المعارضة ليست بانوراما صور اليكترونية بل فيديو طبيعي متلون بطيف اشكالية تعدد الفصائل، تعدد الأرواح، ذلك ما ينبغي أن يتكفل بجعل الرئيس، وجمهوره، بناكمة في الأفق الاستراتيجي، ولنتذكر، على الاقل، منصفين لمعشر القطط، سمة المجد ضمن منظومة القيم “البهائمية” التي كرست للقطط في مواجهة خصومها النمطيين المقابلين. لا بأس، إدراجا لميزة القططية باستحضار ل أورويل في سياق اسقاط اقليدي لها على محور النظام – المعارضة، وأعني من يحكم ومن يعارض (ليس السلطة- المعارضة الرسمية الحزبية فقط). لعل القططية تفهم في واقعها الموضوعي ووجودها التلازمي مع مقابلتها. لعل الفكرة أوضح الآن. أما السخرية من الافتراضي، في عصر الرسالة الانشطارية، فأحيل سيادته فيها إلى آل مبارك وفق المؤشر الذي استهليت به هذه العجالة، والموعظة في ذلك وردت في أحسن الخطابات ، القرآن ملفتا النظر لأمم خلت وعظا لأخرى منغمسة في نعيم الغفلة على الكرسي الممغنط المسمى السلطة، ولا أحسب من وقف خلف الكرسي دهرا حارسا إلا مبتلى ببعض هواجس فقده لأنه جزء من تراجيديا فاقده وبطل لدراما التربع عليه. اكتفي بهذا القدر من المواء #إلذاك

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى