مقالات و تحليلات

مفارقة موريتانيا / محمد ولد المنى

محمد ولد المنى / كاتب صحفي مقيم بالامارات

الحكومة الموريتانية منزعجة من التقرير الأخير الصادر عن رابطة «شاربا» الفرنسية الناشطة في مكافحة الجرائم الاقتصادية، والذي تحدثت فيه عن «انتشار وبائي للرشوة والفساد في موريتانيا»، إلى حد «يعرقل ويعوق تنمية هذا البلد ذي الخيرات الوفيرة». لذلك ردت نواكشوط بتوجيه تهم التربح والارتشاء إلى «شاربا»، والقول بأنها تحصل على التمويلات عبر «تأجير تقاريرها من طرف جهات معينة لتصفية حسابات مع جهات أخرى معادية لها» (أقلام حرة )!

ومكمن الخطورة في تقرير «شاربا» يتمثل في ناحيتين؛ أولاهما كونه يذكر أمثلة كثيرة للملفات السياسية والاقتصادية المحرجة، ونماذج عديدة لسوء إدارة وتسيير الموارد العمومية، بما في ذلك بعض الصفقات الغامضة والمشكوك فيها أصلا، مثل صفقة المطار الجديد الذي «أسند تشييده لشركة يديرها مقربون من الرئيس»، و«إسناد بناء المحطة الكهربائية المركزية في نواكشوط للشركة التي قدمت أغلى عرض في المناقصة». فضلا عن غموض وغرابة الاتفاق الموقع في مجال الصيد البحري مع شركة «بولي هونونغ» الصينية «المشهورة ببيع الأسلحة الصينية غير الشرعية في الخارج».. إلى غير ذلك من الممارسات التي يحذر التقرير من أنها «ستشل اقتصاد هذا البلد في وقت قريب إذا لم يتم تدارك الموقف».

أما الناحية الثانية لمكمن الخطورة في التقرير، فتتمثل في كون رابطة «شاربا» التي أعدته، قامت أيضاً بتوجيه نسخ منه إلى شركاء موريتانيا وممولي مشروعاتها وبرامجها، مؤكدةً في متن التقرير على أن التمويلات الضخمة التي ما فتئت مؤسسات التمويل الدولية تقدمها لموريتانيا، ما فتئت بدورها «تغذي نظاماً مغلقاً للرشوة وتبديد الثروات، مساهمةً بذلك في تبذير الموارد العمومية لهذه البلاد».

وحين يلاحظ تقرير «شاربا» أن بلادنا تتميز بثرواتها الهائلة وعدد سكانها القليل، لكنها رغم ذلك «توجد ضمن قائمة الدول الأقل تقدماً، بل يدرجها صندوق النقد الدولي في موقع مخيب للآمال ضمن مؤشراته الخاصة بانتشار الرشوة»، فإنه بذلك يتفق تماماً مع ملاحظات «بسام عبد السميع»، زميلي العائد من رحلة أخذته مؤخراً صحبة فريق من الأمم المتحدة إلى نواكشوط والنعمة وباسكنو، إذ يسْرد جملة من الملاحظات والاستنتاجات المريرة والصادمة، كما يتوقف هو أيضاً عند تلك المفارقة المحيرة ذاتها، أي وجود أعلى مستويات للفقر والبطالة والبؤس في بلد ذي كتلة سكانية محدودة وذي ثروات طبيعية ضخمة مثل موريتانيا! وبوصفه صحفياً اقتصادياً متمرساً ومطلعاً على الآثار الوخيمة لغياب الشفافية في تجارب دول العالمي «النامي» وآفاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهو لا يتردد في القول إن وراء المفارقة الموريتانية ومظاهر البؤس التي أوجدتها في حياة الموريتانيين، هناك «فساد منظم، كبير وواسع»!

 

نقلا عن صفحة الكاتب على الفايسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى