الصدى الثقافيفضاء الرأي

مقترح النشيد الجديد.. هنات بعدد رمل عالج / محمد الأمين ولد لكويري

محمد الأمين ولد لكويري / كاتب وأديب متخصص في التراث الموريتاني

خيب نص النشيد الجديد الأمل لجمهور عريض من الشعب كان “لبى أجل” منادي التصويت بنعم لصالح التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي من بينها تغيير النشيد الوطني القديم.

فقد علق الجمهور أمله ” ذا اللون الباهت” على لجنة صياغة النشيد البديل، وإن كان من بين هذه اللجنة من كانت صياغة النشيد الجديد في غنى عنه، لأن بعضهم الشعر منه براء براءة أمنا عائشة رضي الله عنها من الإفك، كما بينت في تدوينة فور إعلان أسمائهم.

فإن من بين أعضاء هذه اللجنة شعراء متمكنين، من كلفهم بصياغة النشيد كان أعطى القوس باريها، كما سطرت في التدوينة ذاتها.

إن كون اللجنة تحوي شعراء متمرسين لهم تاريخهم الشعري الوضاء، لم يحل دون استغراب المراقبين استدعاء آخرين كانوا ضمن لجنة النشيد، نحن نعلم حالهم، وإقصاء أبناء بجدة هذا الفن الذين يجيدون النحو والصرف، والشعر عروضه وقوافيه، والكلام بيانه وبديعه، وهو ــ فعلا ــ أمر يعز تفسيره.

حبس الجمهور أنفاسهم ينتظرون النشيد الجديد، فهو نشيد لدولة عربية لا تنتج إلا الشعر وعلومه، نشيد يحتمل أن ترثه الأجيال عن الأجيال، نشيد من المفترض أن يكون خلاصة لتفكير ثمانية وثلاثين شاعرا طيلة شهر من الأخذ والرد.

فوجئ الجمهور المتابع ببعض المواقع الألكترونية تنشر نصا من المتقارب ركيك المعانى والمبانى ــ باستثناء الآية الكريمة طبعا ــ مختلف الأعاريض والأضرب، فلم يصدق أحد أن ما نشر هو النشيد الذي كان ينتظر، وراجت شائعات تنفي كون النص المنشور هو نص النشيد الجديد.

إلا أن الأمر لم يطل كثيرا حتى ثبت رسميا أن النص هو نص مقترح النشيد البديل، وتم تقديمه إلى مجلس الوزراء ليصادق عليه، في انتظار أن يقدم إلى البرلمان حتى يصبح النشيد الرسمي للبلاد.

كتب شعراء ونقاد كثر ينتقدون النص الجديد، وقد كان أكثرهم محقا وأحسن الحز في المفصل، وانبرت قلة تدافع عنه وقد جانبت الصواب، وفي كلا الفريقين من لا يحق لمثلهم الحديث عن الشعر وتقويم نصوصه، وإنما هم يهرفون بما لا يعرفون.

والحقيقة أن في مقترح النشيد الجديد من الهنات ما هو أوضح من الشمس في رابعة النهار، فلم يتقيد هذا النشيد بمعيار النص الواحد المتماسك المعاني، مما يجعل تغيير أماكن أبياته بتقديم بيت وتأخير آخر أمرا سهلا على من رامه.

فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن يحل البيتان (السادس والسابع) محل البيتين (الرابع والخامس) كما يمكن أن يحل البيت العاشر من النص الجديد محل البيت الثامن أو التاسع وهكذا…

ثم إن معاني البيت الواحد من النشيد الجديد لم تكن هي الأخرى متماسكة ولا متجانسة، فقد ظهر شبه تنافر المعاني في بداية أول بيت حيث كان الأولى ــ وهو أيضا على سبيل المثال لا الحصر ــ أن تكون كلمة “الهداة” سبقت كلمتي “الأباة الكرام” لأن العلاقة المعنوية بين الكلمتين الأخيرتين أقوى من العلاقة بينهما مع سابقتهما، ولأن مكانة الهداة أعلى عندنا وأشد تقديسا ــ معاشر المسلمين ــ من مكانة الكرام والأباة، ومكانة الكل عالية.

اختلفت أضرب وأعاريض النشيد الجديد اختلافا، ففي الأبيات الثلاثة الأولى كان كل من العروض والضرب مقصور “فعولْ //..” بينما كانا في الرابع والخامس محذوفين “فعو //.” ليأتيا في السادس والسابع صحيحين على “فعولنْ //./.” ولم يؤثر عن شاعر عربي إنشاء نص واحد مختلف الأعاريض كما هنا.

كثرة الزحافات في نص النشيد الجديد بشكل مشين، فنجد فيه ــ مثلا ــ نحو عشرين حالة من زحاف القبض، وهو حذف النون من “فعولن //./.” فتصبح “فعولُ //./” ومنه على سبيل المثال: (ريتان ــ السماح ــ حماك ــ ونحن ـ رباك ـ بدور ــ سماء ــ وشمس ــ جبين ــ عدو ــ نقاو ــ ــث جاس ـ).

ومعلوم أن الزحافات بشتى أنواعها توجد بكثرة في الشعر العربي، إلا أن الأصل عدم الزحاف، وكلما كانت الزحافات أقل كان البيت أعذب وأكثر انسيابية والعكس صحيح، وكثرتها بهذه الدرجة، وفي أبيات قليلة مثل النشيد الجديد، تفقد النص تأثيره الإيقاعي، خاصة وأنه إنما أنتج ليلحن.

ورود ما يعرف بالسناد في النص الجديد، وهو ــ أي السناد ــ أحد عيوب القافية المعروفة، فقد أسند من أنتجوا النص الجديد في البيت الخامس، حيث جاؤوا بالحرف الذي قبل الروي من هذا البيت مفتوحا وهو حرف الذال من “الأَعْذَب” بعد أن جاء في البيت الرابع مضموما وهو حرف الراء من “يَعْرُب”.

كما حصل سناد في تاسع الأبيات، حيث تم كسر الحرف الذي قبل الروي، وهو الحاء من “الحمى” بينما كان في الثامن مفتوحا وهو السين من “السما” إلا أن يكون الروي هنا الألف.

قد يقول قائل إن أشعار العرب زاخرة بالسناد، ولكنا نقول إن ذلك لم يحل دون استهجانه، فقد عده علماء القافية من العيوب المشينة، والمخلة بجمال النص وانسيابيته، وكثيرا ما عيب على الشعراء، وطالما اجتهد مجيدوهم في اتقاءه والاحتراز منه.

تم نظم البيت الثالث والآخير بصورة محيرة للمتلقي، فلم يرد هذان البيتان بروايتين محتلفتين تؤكد أن كليهما بيت مستقل بذاته، ولا هما وردا برواية واحدة، فيحكم أنه بيت تم تكريره.

لم يكن المقصود بالشطر “وحصن الكتاب الذي لا يضام ” واضحا للمتلقي، فالكتاب عند المسلمين إذا أطلق فمعناه القرآن الكريم، والقول بأن بلدا ما أو مجتمعا ما حصن للقرآن أمر فيه نظر، لأن القرآن تكفل الله عز وجل بحفظه، ولم يكله إلى أحد من خلقه، كما بينه في تنزيله.

كما أن المقصود بــ “لغز السلام” ليس ـ هو الآخر ـ واضحا، فاللغز الأمر المحير والذي يستعصي فهمه واستيعابه، وكون السلام في هذه البلاد لغزا أمر لن نسلمه، فساكنتها مجتمعات مسلمة مسالمة، عرفت بالتحلي بما يوصي به الدين الإسلامي من التواد والتلاحم وإفشاء السلام.

ولا يتوفر في ساكنة هذه البلاد عامل واحد ــ والحمد لله ــ من عوامل التنافر والتباغض والتقاتل، حتى يكون وجود السلام بينها محيرا، كما هو مفهموم من مقتضى نص مقترح النشيد الجديد.

فالكل يعلم أن وجود السلام في هذه الربوع ليس لغزا، بل من الواضح الجلي أنه نتيجة حتمية لطبيعة المجمتع، وهذا مصدر فخر لنا، ينبغي أن نتيه به ونبأى، وأن نعمل على تعزيزه وتوريثه لأبنائنا، لا أن ننعت شعبنا المتآخي والمتسامح، بنعت مشين وهو منه براء.

وقد راج مؤخرا أن كلمة “لغز” أبدلت بكلمة “ثغر” وهو ما لم يوفق فيه صائغوا النشيد، وهذه أكبر من تلك، فمن يرجع إلى دلالات كلمة “ثغر” في كتب اللغة علم أن إضافتها إلى السلام، تدل على افتقاده وعدم حصوله أكثر من دلالتها على وجوده واستتبابه.

لم يوفق هؤلاء أيضا في قولهم: “نقاومه حيث جاس…” وربما لم يلقوا بالا لمعنى “جاس” في كتب اللغة، لأن من تفاسير قوله تعالى (فجاسوا خلال الديار):

ــ ترددوا بينها بالإفساد.

ــ تملكوها، وانصرفوا جائيين وذاهبين لا يخافون أحدا.

ــ طافوا في خلالها ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه.

فمن وُصِف بأنه “جاس” معناه أنه قد تغلب وتمكن من إخضاع أعدائه، بل وإبادتهم عن آخرهم، وعليه فإن من استطاع أن يجوس في بلد، فمعناه أن اهل البلد ضعاف لا يستطيعون أن يقاوموا عدوهم، وكان الأولى أن تتم مقاومته والتصدي له حيث هم أن يفعل، لا بعد أن فعل.

جاءت الآية الكريمة ــ بغض النظر عن إقحامها ــ في حالة تضمين لا في حالة اقتباس، وهو ــ وغيره ــ ما لم يوفقهم الله فيه إلى محاذاة العلامة بابه ولد الشيخ سيديا، الذي جاء بقوله تعالى: (فلا تمارِ فيهم إلّا مراء ظاهِرا) اقتباسا، ولم يسقه تضمينا كما فعل ناظمو مقترح النشيد الجديد.

والفرق بين الصورتين هو أن ما وردت إشارة إلى أنه من القرآن الكريم، أو الحديث الشريف فقد تم تضمينه، أي أن التضمين هو أن يأتي الكاتب أو الشاعر… بقرآن كريم أو حديث شريف مع إشارة إلى أنه كذلك، وفي كلمة “نرتل” ما يكفي.

ويجيز العلماء تغيير لفظ النص تغييرا خفيفا، إذا كان الشاعر أورده اقتباسا، والأمثلة كثيرة لا يسمح المقام بسياقتها هنا، فليرجع إليها في محالها، فإذا كان لا بد من أن يلحن نص يحوي آية من القرآن ويغنى، فينبغي أن تكون وردت في صورة اقتباس، لما سلف، لا في صورة تضمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى