افتتاحية الصدىالأخبار

من أجل صحافة جادة .. لا تعادي .. لا تستجدي !!! / محمد عبد الرحمن المجتبى

محمد عبد الرحمن المجتبى /رئيس التحرير

مخجل حقا بل مؤسف ومؤلم واقع الصحافة في هذا المنكب البرزخي، لحد أنه لا يكاد يتشرف ممتهن لهذه المهنة النبيلة والمشرفة بالتشرف بممارستها ، وقد أدى هذا الواقع المرير لعزوف بعض العقول والوجوه  الصحفية البارزة عن ممارسة هذه المهنة التي اصبح حقلها طاردا وموبوءا بجيوش الدخلاء الغرباء ، لما تتسم به ممارساتهم من مسلكيات مشينة ومشوهة للصحافة والصحفيين.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو من المسؤول عن واقع مريب كهذا ؟

بلا شك تقع المسؤولية المباشرة علينا كممتهنين لهذه المهنة الشريفة والمشرفة في كل بلدان العالم ، فيجب  علينا في كل الظروف أن نكافح من أجل تنقية حقلها ، و جلب الاقلام المتمرسة مهنيا واخلاقيا للتتصدر المشهد، ولا نترك الحبل على الغارب لجيوش الظلام المهني تسرح وتمرح في حقل لا ورقة  لها فيه ولا قلم.

صحيح أنه خلال السنوات الماضية سال حبر كثير في معالجة هذه الاشكالية ، وانعقدت ورشات وملتقيات ، وحاول الصحفيون تصحيح ، الوضع وبذل المستحيل من اجل استعادة حقلهم المختطف لكن هيهات، يبدو أن “الجيش” لديه إمدادات غير مرئية تجعله يكسب المعركة لغاية لحظة الصحافة هذه.

نعم يجب أن نضع النقاط على الحروف ونحمل مسؤولية الواقع الصحفي المزري للدولة بوصفها السلطة المعنية باصلاح كقطاع الصحافة كأي قطاع حيوي في الدولة.

صحيح أن الدولة قدمت الكثير  من الدعم المادي والمعنوي خلال السنوات الماضية ، لكن صحيح أيضا ونقولها بكل صراحة أن الدولة ممثلة في بعض المتنفذين تقف وراء الحالة الصحفية المخجلة في البلاد ، هناك وزراء ورؤساء حكومات كانوا وراء التسيب الاعلامي والانفلات المهني حيث دفعوا بعشرات الطبالين والغوغائين والهمازين والمشائين الى حقل الصحافة، لكي يمجدوهم ويفرغوا شحنات صراعاتهم السياسية والقبلية من خلالهم.

أنهم بذلك ينسفون كل مجهود حكومي لتنقية الحقل، وتمكينه من الاسهام في العملية التنموية في البلاد بكل مهنية وموضوعية وصدق ومصداقية.

نعم ينسفون جهود الحكومة ويبددونها لتكون بلا جدوى وبلا فائدة ، فعندما تخصص الدولة مبلغ 200 مليون أوقية قديمة من أموال دافع الضرائب الموريتاني لدعم الصحافة، تذهب هذه الاموال سدى لأنها ستوزع على مئات “التراخيص” التي لوكانت تمثل مؤسسات صحفية حقيقية و جادة ومهنية لكان وضع البلاد مختلف جدا، خاصة على مستوى الشفافية ومحاربة الفساد، لانها ستكون بالمرصاد للمفسدين ، لكن الكارثة أن المفسدين هم من تسببوا في تناسل هذه العناوين والتراخيص لاسقاط المصداقية عن الصحافة والصحفيين في البلاد، ولتحويل الصحافة الى سخافة .

عندما ننظر للدول المجاورة (ونحن المغرمون بالمقارنة معها )نجد واقع الصحافة مختلف جدا ، فالصحافة في هذه البلدان شريك محوري وحيوي في العملية التنموية ، لإدراك السلطات في تلك الدول أهمية ومحورية الدور الذي تضطلع به الصحافة ولعل هذا ما جعل الرئيس السينغالي ماكي صال يفاجئ الناشرين السنغاليين مؤخرا حين طالبوه  بتعجيل الافراج عن الدعم الحكومي الذي تقدمه الحكومة سنويا للصحافة والمقدر ب 700 مليون فرنك افريقي نظرا لظروف “كورونا” وحاجة الصحف والصحفيين للموارد ، فكانت مفاجئة الرئيس صال لهم أن استقبلهم ليعلن لهم عن مضاعفة المبلغ ليصبح مليار واربعمائة ألف فرنك افريقي.

يحدث ذلك ومذكرة تعميم او تجويع الوزير الأول السابق يحي ولد حدمين للصحافة لا تزال سارية المفعول  بأمر من المفتشية العامة للدولة

ويحدث ذلك والصحف تعاني من تعطل المطبعة الوطنية من حين لآخر  (رغم وضعيتها المرضية حاليا لكنها غير دائمة )وغياب شركة للتوزيع الصحف والحرمان من الاشتراكات والإشهارات

و يحدث ذلك ونحن نتفرج على حرمان الصحفيين من الولوج لمصادر الاخبار، وغياب معايير موضوعية لاختيار الصحفيين للتغطيات الرئاسية ، و غياب الاسناد الاجتماعي كالضمان الصحي مثلا.

يحدث ذلك و نحن نتفرج على غياب الارادة الجادة لتجسيد الرؤية التي عبر عنها الرئيس غزواني خلال لقاءه مع نقابة الصحفيين ، حيث أكد انشغاله بأهمية اصلاح قطاع الصحافة ودعمها لتضطلع بدورها المحوري الذي لا غنى عنه.

فمتى يدرك القائمون على الشأن العام أن إصلاح الصحافة يمثل اللبنة الاولى لأي تنمية جادة ومستديمة “فلا تنمية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون صحافة حرة ” (كما هو “مانشيت” الصدى الثابت منذ تأسيسها)

ومتى يدرك الصحفيون ان كفاحهم ونضالهم وتأجيل خلافاتهم والتنسيق الدائم بينهم ، عوامل لن يتأتى أي اصلاح للقطاع ما لم تتحول الى قناعات راسخة لدى الجميع.

عندها يحق لنا ان نتحدث عن صحافة جادة لا تعادي ولا تستجدي

 وما لم يتحقق ذلك فسيستفحل هذا الوضع الذي يحول الصحافة الى سخافة.

 

المصدر : صحيفة الصدى الورقية الاسبوعية  (زاوية “قليل من التصفيق” )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى