مقالات و تحليلات

من يجرؤ على (السلام)؟ / زياد الدريس

زياد الدريس/
كاتب سعودي؛ سفيراً سابقا للمملكة لدى منظمة اليونسكو

كان السؤال الشهير في عقودٍ مضت: من يجرؤ على الكلام؟

عندما اشتعل العالم بالحروب في شرقه وغربه، و «الحرب أولّها كلامُ»، أصبحنا نبحث عمن يملك الشجاعة، لا في الكلام، بل في الدعوة إلى السلام، من دون أن يُتهم الداعي إلى ذلك بالتخذيل أو الخضوع والانكسار لسلطة القوي أو التواطؤ مع المعتدي والاستسلام له.

 

ليس خوض القتال وحده الذي يحتاج إلى شجاعة، بل حتى خوض السلام يحتاج إلى ذلك، وربما أكثر. إذ نخوض القتال عادةً مع آخرين يشاطروننا همّ الشجاعة، لكننا نخوض السلام وحدنا.

 

الشيخ عبدالله بن بيّة يخوض (معركة سلام) في أحلك الظروف القتالية التي تشهدها منطقتنا الآن.

 

يقود مبادرة تلو أخرى، يحاول ويجرّب طرقاً، ويبدّل طرائقه وأدواته، بغية الوصول إلى هدف واحد محدد هو (تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة)، هذا المنتدى الذي بات منصة دولية للحديث عن سبل تحقيق السلم، ليس في المجتمعات العربية أو المسلمة فقط، كما قد يبدو من اسم المنتدى، بل لكل مجتمع إنساني يعاني من خلل في السِّلْم الاجتماعي.

 

يحظى العلاّمة بن بيّة بخصال فريدة تخوّله ليكون الأقدر على خوض هذه المغامرة، والأوفر حظاً للنجاح فيها، فهو عالِم ديني مستقل وغير محسوب على طيف حزبي أو فكري معين. كما أنه ينتمي إلى دولة نائية، جغرافياً، لكن أيضاً نائية فكرياً وسياسياً عن خصومات وتناحرات دول المشرق والمغرب العربي. كما أنه غير متهم بالعمل على الإفادة من مبادراته في زيادة نفوذ دولته (موريتانيا) التي لا يشغلها هذا التنافس في النفوذ العربي أو الإسلامي. كما أن العمر المتقدم للشيخ بن بيّة (تجاوز الثمانين) يجعل من المستبعد التشكيك في مساعيه إلى البحث عن مجد شخصي أو سياسي أو مالي، بعد هذا العمر.

 

الحقيقة المؤكدة، التي يدركها الشيخ عبدالله بن بيّة قبل أن يعرفها الآخرون، أنه مهما بلغ حدّاً رفيعاً من النجاح في مهمته فإنه لن يستطيع إيقاف الحروب والصراعات في هذا العالم، ولن يستطيع تحويل هذا العالم إلى فردوس أرضي لم يستطع الأنبياء عليهم السلام صُنعه.

 

لكن هذه الحقيقة المؤكدة لا تنفي حقيقةً أخرى، هي في إمكانية نجاحه في ثلاثة مواطن: في إيقاف بعض الصراعات والتناحرات، أو في تخفيف وطأتها وتقليص ضحاياها، أو في نزع فتيل أسباب حدوثها قبل أن تقع.

 

تعرّفتُ على هذه الحقائق من خلال (المنتدى) الذي تحتضنه مدينة أبوظبي وتنطلق إشعاعاته شرقاً وغرباً، وقبل ذلك من خلال الزيارة التي قام بها (شيخ السلام) منتصف هذا العام إلى منظمة اليونسكو.

 

المناوئون لهذه المبادرة الإنسانية ليسوا تجار السلاح فقط، ولكن أيضاً تجار الكراهية.

التهم واللوائم لا تطارد دعاة الحرب فقط، بل حتى دعاة السلام!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى