مقالات و تحليلات

نموذج الانفتاح الإماراتي / د. شملان يوسف العيسى

د. شملان يوسف العيسى / أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت

نشرت مجلة «أرابين بزنس» (Arabian Business)، في عددها الصادر يوم الرابع والعشرين من سبتمبر المنصرم، تقريراً مطولاً عن أهم 50 شخصية هندية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن قراءة التقرير، نلاحظ ذلك الوجود القوي للجالية الهندية في الإمارات، والدور المهم الذي يلعبه رجال الأعمال الهنود في الاقتصاد الإماراتي. وهذه الشخصيات الخمسين كلهم مُلاكٌ لشركات كبرى في قطاعات مختلفة، منها القطاع الصناعي، وقطاع المقاولات، وقطاع الصحة، وقطاع التجارة وبيع المفرق، وحتى قطاع الخدمات القانونية، وقطاع الإعلام، وقطاع الصناعات البتروكيماوية.

وكمواطن خليجي مهتم بقضايا التنمية في منطقة الخليج، فرحتُ لهذا الإنجاز الكبير الذي حققته دولة الإمارات العربية المتحدة بانفتاحها على الآخرين، مما يدل على الرؤية الثاقبة لدى القيادة السياسية لدولة الإمارات، لكني تحسرت على بعض دولنا الخليجية الأخرى لغياب الرؤية الاقتصادية المنفتحة لديها، حيث ركزت هذه الدول على قضايا الأمن لدرجة تم فيها «إغلاق» بلدانها أمام المستثمرين الأجانب. فالموضوع هنا ليس الجالية الهندية التي لها تاريخ طويل من العمل والإقامة والتجارة في دولة الإمارات، إذ من المؤكد أن هناك أيضاً جاليات أخرى تعمل في الدولة، ولها دور فعّال في الاقتصاد الإماراتي. والسؤال المهم هو: لماذا تميزت الجالية الهندية، وغيرها من الجاليات الأجنبية الأخرى، في دولة الإمارات أكثر من أي دولة خليجية أخرى؟

من الواضح أن رؤية النخبة السياسية والاقتصادية في دولة الإمارات تجاه الجاليات المقيمة تختلف عن الرؤى بهذا الشأن في بقية دول الخليج، حيث تنظر العديد من الدول الخليجية للجاليات الأجنبية نظرة شك وريبة، أو بالأحرى نظرة سلبية تعتقد أن هؤلاء الأجانب «الضيوف» إنما قدموا من أجل سرقة خيرات البلاد والاستحواذ على الوظائف فيها ومنافسة أبناء البلد.. وعليه فقد تبنت هذه الدول سياسات مجحفة وغير عادلة، خاصة في قضايا الإقامة وقوانين العمل والاستثمار، مما حرَمَ الأجنبي من الاستقرار النفسي.

 

ففي العديد من الدول الخليجية هناك قوانين تمنع دخول زوجات الأجانب إلا إذا كان دخل الزوج المقيم مرتفعاً، كما أن «نظام الكفيل» يقيد حركة الأجنبي المقيم في هذه الدول لجهة اختيار وظيفة أخرى إذا ما سنحت له الفرصة لتحسين وضعه المادي. كما يواجه الأجنبي المقيم مصاعب في موضوع تجديد الإقامة، وفرض رسوم عالية على التجديد. بل إن العمالة الأجنبية تتظاهر في بعض الدول الخليجية لأن أصحاب العمل لا يدفعون رواتب عمالهم لعدة أشهر، وهذا ما يدفعهم للشعور بالإحباط، وعدم الاستقرار، ومن ثم عدم الإنتاج والعطاء كما هو مطلوب.

 

فلسفة كل دولة خليجية ورؤيتها فيما يتعلق بالتعامل مع الأجنبي المقيم على أراضيها، هي ما يحدد تعامل هذا الأجنبي مع الدولة المضيفة ذاتها. فالدولة التي يشعر فيها العامل الأجنبي بالأمن والاستقرار، وبأنه موضع ترحيب، حيث يتم تسهيل أموره المعيشية، مثل تملك العقار، والحصول على الرخص التجارية، وإجراءات الإقامة.. تجعل هذا المقيم يزيد من عطائه واستثمار أمواله في البلد.

 

لذلك يمكن للدول الخليجية الأخرى الاستفادة من النموذج الإماراتي، وهو نموذج أثبت نجاحه في تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى