الأخبارمقالات و تحليلات

هذا الحضور الموريتاني.. ما أجمله! / خالد عمر بن ققه

خالد عمر بن ققه / كاتب وصحفي جزائري

حين يأتي الحديث على ذكرها.. نذهب معها بعيداً، قاطعين مسافات تتجاوز البصر والبصيرة، حيث سطوة التاريخ منذ هجرة العرب الأوائل، وأولهم حمير.. إنها من ناحية الوجود وعلم الأناسة، وعبقريَّة المكان وحركة الزمان بالليل والنهار، ابنة شرعية للعرب العاربة وبارَّة بهم، وظلَّت عصيَّة على الآخرين حتى عندما امتزجت دماً وصهراً بالعنصر الأفريقي.. إنها موريتانيا أو بلاد شنقيط، كما يحلو الانتساب لكثير من علمائها وفقهائها وسياسييها وشعرائها.

 

تعود اليوم لتأكيد حضورها من خلال صناعة أبنائها لتاريخ جديد، حدوده العالم، مستندة إلى الحضارة الموريتانية القديمة الممتدة، والتي آوت وجمعت المغرب العربي كله قبل أن يحدد انتماءه ودينه وعلاقته بالأمم الأخرى على المستوى الحضاري، أي يوم أن كانت هي حضارة قائمة بذاتها.. عودة موفَّقة في مجالات: السياسة والدبلوماسية والإعلام والفن ـ السينما تحديداً ـ والفقه والفكر، والأدب، والرياضة، وتلك جميعها أوجه للقوة النّاعمة، وكذلك في مجال القوة العسكرية لجهة الانخراط في محاربة الإرهاب.. إنها تنصّب نفسها اليوم فاعلاً رئيساً، لا ينتظر من الجيران الأقربين، ولا الذين يفصل بينه وبينهم البحر، الاعتراف بالدور والمكانة، ولكنه يجذبهم نحو عالم الصحو، لجهة القول: لقد انتهى زمن الحكمة الموريتانية المحاطة بسياج المحلية، لتغدوّ تلك الحكمة نفسها ذات بعد عالمي.

 

اليوم، تكرس موريتانيا دورها الثقافي والسياسي على الصعيد العربي، ولأنها غنية على طول تاريخها بفكر تنويري، حافظ في أصعب المراحل وأخطرها على تعمق ديني جنبها عنف وإرهاب الجماعات الإرهابية، فهي تغنينا – في الوقت الرّاهن ولا تلهينا ـ برؤية أكثر صواباً من مناطق أخرى في عالمنا الإسلامي تملك مؤسسات مالت إلى التنظير وتخلت عن «الشرح على المتون».. موريتانيا تصدّر اليوم من خلال علمائها إلى دول عربية ومسلمة فكراً إسلامياً سليماً وإن بدا هادئاً.

 

مرحباً بهذا الأخ الذي حنكته التجارب وكبر مع الأيام.. اليوم، واليوم فقط يحق لنا القول: إن الموريتانيين هم وجهنا الجميل الهادئ في المغرب العربي، المشبع بالحكمة وبالمعرفة، والمواكب للمدنية الرّاهنة، لقد ظُلموا كثيراً لأننا لم نقدرهم حق قدرهم، ومن الإنصاف دعم تجربتهم التعددية في المجال السياسي حتى لو كانت ناقصة، فتلك هي البدايات، والفرح بمشاركتهم الرياضية بغض النظر عن نتائجها.. فيا أيها الحضور الموريتاني ما أجملك!

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى