مقالات و تحليلات

هذا شيء مصطنع/ أحمد ولد الشيخ

أحمد ولد الشيخ/ المدير الناشر لصحيفة القلم

في ما يسمى بقضية “بوعماتو وآخرين”، صدر قرار المحكمة العليا الذي ظل كان يتظر منذ أكثر من شهر. ولم يكن مفاجئا. إن الطعن بالنقض الذي قدمه محامو السناتور محمد ولد غده، استنادا إلى المادة 50 من الدستور التي تنص على أنه لا يرخص في متابعة عضة من أعضاء البرلمان ولا في البحث عنه ولا في توقيفه ولا في اعتقاله ولا في محاكمته بسبب ما يدلي به من رأي أو تصويت التي أثناء ممارسة مهامه، قد تم رفضه. بعد رفضه من قبل غرفة الاتهام، التي أعلنت أنها “غير مختصة”، لتبطل أم لا الدعوى المقامة ضد السناتور. ولذا، تعود الكرة إلى مرمى قطب القضاة الذين آلت إليهم القضية ويستطيعون أن يصدروا قرارا بأنه لا محل للمتابعة أو إحالة المتهمين إلى المحاكمة أو مواصلة التحقيق. ويخضع كل ذلك لإرادة النظام في اختيار التهدئة أم لا، لأنه من الوهم أن نعتقد، للحظة واحدة، أن القضاة سينطقون بالقانون. وكما هو الحال مع كل شيء آخر، فإن ولد عبد العزيز، منذ وصوله إلى السلطة، قد جعل من القضاء ذراعيه المسلحين لتصفية حساباته الشخصية. ففي عام 2009، لم يتردد في حبس عشرة المعارضين في إطار قضيتي الخطوط الجوية الموريتانية والأرز التالف الشهيرتين، وذلك أنهم رفضوا بكل بساطة وشجاعة انقلابه العسكري ضد رئيس منتخب. وكان الإفراج عنهم موضع مفاوضات مريرة، قبل التوقيع على اتفاق داكار. وفي أوج القضية، بينما كان التحقيق على قدم وساق، تخبط ولد عبد العزيز في تناقضاته، خلال مهرجان في روصو، حيث صرح بأنه لم يتدخل في سير القضاء، قبل أن يعلن، بعد بضع دقائق، أنه مستعد لإطلاق سراح ولد الوقف “إذا قبل أكل كمية صغيرة من الأرز التالف”. وقد استفاد جميع المتهمين من الحرية المؤقتة. كما حدث مع ولد الدباغ، نائب رئيس مجموعة بوعماتو شركة مخفية الاسم (BSA) في عام 2013. وحتى الآن، ترقد ملفاتهم في دهاليز قصر العدالة، وهي مثل السيف المسلط على رقابهم ويمكن تحريكها في أي وقت. فكيف نستطيع الحديث إذن عن استقلال القضاء؟ إن سجل أعضاء مجلس الشيوخ والصحفيين والنقابيين ينبع من هذا المنطق. لقد وضعوا تحت الرقابة القضائية حرموا من حريتهم في التنقل منذ أكثر من ثلاثة أشهر، مع أنهم لم يفعلوا شيئا سوى سواء لقاء طريق محسن كريم، أصبح خطيرا ويجب الفرار منه منذ قطعه الجسور مع النظام الحالي. لكن لكل شيء مساوئه. إن تجنيد القضاء وتكبيل الحريات وانتهاك سرية المراسلات وإبقاء المواطنين في السجن بشكل يحتقر القوانين، لم تعد مقبولة في عالم أصبح الآن قرية صغيرة. إن اجتماع البرلمان دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي والاتحاد الأوروبي، الذي سينتهي يوم 20 من الشهر الجاري في هايتي، يستعد لاعتماد عدد من القرارات التي يحملها نواب أوروبيون، تدين موريتانيا، لأسباب من بينها، “التدابير القمعية المستمرة ضد المعارضة واستخدام قوات الأمن للتعذيب والاعتقالات التعسفية والحبس الانفرادي للأشخاص الموضوعين قيد الاعتقال الاحتياطي المطول […] وانتهاكات حرية الصحافة وتكوين الجمعيات والضمير وجميع أشكال الرق […]، وانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها النعارضون السياسيون ومختلف مجموعات المناضلين، بمن فيهم من يشاركون في محاربة الرق”… وتدعو القرارات السلطات الموريتانية إلى “احترام حقوق الإنسان، بما فيها حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع وتجنب الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين”. وسواء اعتمدت هذه القرارات أو رفضت لأن تضامن الديكتاتوريين في دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي قد أثر لصالح عزيز، فإن ذلك لا أهمية له في نهاية المطاف القليل من الأمور. لقد قيل كل شيء وكل ما بقي مصطنع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى