الأخبارتقارير ودراساتعربي و دولي

هل الصين قادرة على ملء الفراغ؟

كتب : تاج الدين عبد الحق

وجدت دعوة البعض للتوجه نحو الشرق، وللصين تحديدًا، كخيار يتيح الانعتاق من العقوبات الأمريكية، أو للإفلات من الحصار الذي تفرضه واشنطن، على العديد من الدول، صدى شعبويًا، لدى بعض المتابعين، لتداعيات الخلاف الصيني الأمريكي، بشأن فيروس كورونا المستجد.

 

وقد حاول البعض، في زحمة الحديث عن الوباء، وما نتج عنه من تلاسن بين واشنطن وبكين، تصوير هذا الخلاف، كفرصة، ومدخل، للرهان على البديل الصيني، واللجوء إليه كعلاج ناجع، ووسيلة مأمونة لمواجهة آثار العقوبات الأمريكية بشقيها التجاري والمالي.

 

وبغض النظر عن الخفة السياسية، والسطحية التي يتسم بها مثل هذا الطرح، فإن هناك أسبابًا موضوعية تجعل من ذلك الرهان رهانًا صعبًا إن لم يكن مستحيلا.

 

فالصين رغم التغير الهائل في دورها على الساحة الدولية، وبرغم التطور الكبير الذي  شهده اقتصادها، لا تزال بعيدة عن أن تكون بديلا كامل الدسم للولايات المتحدة.

 

صحيح أن الإمكانيات الاقتصادية للصين تتطور بسرعة وبوتيرة عالية، إلا أنها لا تستطيع في المدى المنظور أن تعكس هذا التطور على علاقاتها السياسية مع الخارج، ولا تستطيع لأسباب عديدة أن تكون حليفًا سياسيًا بديلاً عن الولايات المتحدة، ولا شريكًا اقتصاديًا قادرًا على ملء الفراغ الذي قد تسببه العقوبات والإجراءات الأمريكية بحق العديد من الدول والقوى ”المارقة“ حسب التوصيف والتصنيف الأمريكي.

 

والذين يعتقدون أن التوجه إلى الشرق، ما هو إلا قرار سيادي، بتغيير اتجاه البوصلة لا أكثر، وأن الأمر برمته يرتبط بتوفر الإرادة السياسية في الدول المتضررة من العقوبات الأمريكية، يخطئون التقدير، أو يتجاهلون عن غفلة، أو عمد، المعطيات الموضوعية التي تجعل من هذا الخيار خيارًا انتحاريا أو قرارًا خاطئًا.

 

فبكين ليست راغبة ولا قادرة- في المدى المنظور على الأقل- على أن تكون بديلاً لواشنطن؛ لا في السياسة ولا الاقتصاد، فمقارعة العقوبات الأمريكية عملية محفوفة بالمخاطر، لا بالنسبة للدول التي تلجأ إلى هذا الخيار، بل حتى بالنسبة للصين نفسها.

 

ولو كانت بكين قادرة على اختراق العقوبات، وتجاوزها، لفعلت ذلك كرمى لعين حليفتها الأقرب، وهي كوريا الشمالية التي تتقاسم معها الجغرافيا والأيديولوجيا، فضلا عن تاريخ طويل في مقارعة الهيمنة الأمريكية في جنوب شرق آسيا.

 

ولو كانت الصين قادرة على أن تصبح بديلا اقتصاديًا مكافئًا للولايات المتحدة، لفعلت ذلك مع فنزويلا، التي لها عداء مزمن مع واشنطن، جعلها تخضع لعقوبات قاسية منذ عقود، حرمت خلالها من تصدير ثروتها النفطية، ومن مخزونها من الذهب الذي يعد مصدرًا للعملة الصعبة، وبعيد عن هيمنة الدولار على التجارة العالمية.

 

الصين، التي تحسنت تجارتها العالمية وتعاملاتها المالية الخارجية وصناعاتها، لا تزال بشكل أو بآخر مرتبطة بحبل حياة اقتصادي بالولايات المتحدة، وأي مواجهة سافرة بين البلدين، تعني المقامرة باستثمارات هائلة للصين في الولايات المتحدة، فضلا عن أنها تعد مغامرة تؤدي إلى انسحاب الاستثمارات الأمريكية في الصين، وهي استثمارات قد تضر بالصناعة والتجارة الصينية.

 

يضاف إلى ذلك كله أن الحسابات الصينية ليست حسابات اقتصادية صرفة، فأي مواجهة اقتصادية مع الولايات المتحدة لن تظل محصورة بالشق الاقتصادي، وستمتد حتمًا، في حال ترك الحبل لها، إلى مواجهة سياسية وربما عسكرية، وهو ما سيجعل بكين تتردد- الآن- في الاستجابة إلى أي مطالب خارجية تحمل اختراقًا للعقوبات الأمريكية.

 

واهم من يرى في تحسن المكانة التي وصلت إليها الصين على الساحة الاقتصادية الدولية دليلاً على أن الصين باتت مؤهلة لأن تأخذ مكان الولايات المتحدة على المسرح العالمي؛ فالولايات المتحدة لديها من التحالفات والأوراق؛ ما يجعل أي مسعى صيني في هذا الاتجاه محفوفًا بمخاطر سياسية واقتصادية يمكن أن تطيح بكل ما أنجزته الصين اقتصاديًا خلال العقود الثلاثة الماضية، فضلا عن أنها قد تدفع إلى مواجهة سياسية مع واشنطن، لتنقلها إلى مستويات ومخاطر لا تبدو بكين مستعدة لها.

المصدر : إرم نيوز/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى