فضاء الرأي

وقفة التناقضات / محمد محفوظ الحارث

مع كل  إشراقة شمس .. ومنذ القدم .. يتوافد معظم الناس من كافة أنحاء العاصمة نواكشوط المترامية الأطراف ، بمختلف اشكالهم ، وتعدد الوانهم ، وتباين مآربهم، إلى ملتقى طرق قديم بجواره مستشفى تليد يسمى “العيادة المجمعة”، أو “اكلينك” كما يدعوها العامة ، وهي كلمة فرنسية تعني “المصحة” ، هناك تقف سيارات الأجرة لتفرغ حمولتها، أو لتستعيدها بين الفينة والأخرى ، بحكم الحركة التجارية النشطة طوال اليوم،

إذ توجد عدة اسواق تجارية متقاربة في الجغرافيا ، متباعدة في البضائع، كقلوب اصحابها المتنافرة، كما يوجد التباين في شتى صوره واشكاله.. في البشر والحجر .. في الشكل والجوهر.. كلٌ يغدو .. فبائع بضاعةً .. أو مشتر أخرى … من تاجر مخادع مخالب… يبحث عن تاجر صغير حديث عهد بالتجارة يأتي من أقصى المدينة…إلى طبيب نحار .. يجيد البحث عن سقيم مغفل… إلى مريض عليل يبحث دون جدوى عن طبيب نصوح… إلى سائق أجرة منهك يرمق بعينيه من يعود إلى حيث أتى … يرمقه بشدة شرطي يتلمظ من خلفه وآخر من أمامه… إلى صاحب سيارة فاخرة لا يبالي بالجميع…

هناك يقف متسول أعرج على أعواده المثلثة .. يمد يده الصغيرة السفلى لعل وعسى أن يجد عُشر أوقية أو خُمسها … ومن فوق رأسه مكبر صوت يصيح بتحويل الملايين إلى جميع الولايات والمقاطعات… ومن خلف ظهره سلسلة حوانيت تبيع بالجملة… ومن أمام عينيه تمر بسرعة فائقة آخر صيحات الموضة في عالم السيارات… لك الرحمان يا متسول …

في طرف المستشفى أسس مسجد يرتاده مصلون سنيون مالكيون… يتحدث فيه دعاة مخلصون عن الإيمان بالغيب ..عن العقيدة الصحيحة…عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… ومن خارج سوره في الجهة الشمالية يقف بائع أفلام إباحية ودينية ، ناثرا بضاعته التي هي أقراص مدمجة، تتحد في الشكل وتختلف في المضمون، من أفلام عن واد الهجرة .. وعن  واد الذئاب، إلى أخرى لراقصات وماجنات من قلب أوربا… أما جنوب المسجد فقد اصطف السحرة في طابور طويل، ناثرون ــ هم أيضا ــ بضاعتهم المتنوعة (قرون حيوان ، وأذناب ماعز ، وقطع محار، ولحاء شجر، وجداول وطلاسم)… وغرب المسجد فهناك ــ من بين ما هناك ـــ طابور من الحدادين المتخصصين في ضرب التمائم التي يكتبها السحرة لروادهم الكُثر…

شوارع ضيقة مكسوة … لكن ليس بالأرصفة.. ولا السجاد الأحمر … بل بما ألفته النفوس وتعودت عليه العيون … مياه الصرف الصحي الحالكة السواد … التي ترسل روائحها الكريهة للغاية لتختلط برائحة الشواء المنبعثة من مأذنة شَواءٍ هنا وهناك…برائحة قطع الكعكة التي أجادت صناعتها أياد نسويه تبيعها على قارعة الطريق…وأي طريق ..ذاك الذي يسلكه الكل من رواد “وقفة التناقضات”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى