الأخبارتقارير ودراسات

وكالة الأنباء السودانية تنشر ملفا خاصا عن نضالات المرأة السودانية

الصدى – (سونا) – (فانا)/

ارشيفية من النت تخدم النص

كانت العلامة الفارقة في كل نجاحات التغيير والثورات علي طول تاريخ السودان الحديث هو خروج المراة ومشاركتها في الفعل الثوري، حتى ان الانظمة القمعية كانت تترقب خروج النساء لتستيقن ان التغييرواقع لا محالة.

في الماضي كان خروج امراة واحدة كفيل بقلب الموازين مثلما حدث في اكتوير (1964) ومايو (1969) وابريل (1986)، ومن ثم فلم يكن نجاح الثورة السودانية في ابريل – يونيو 2019 الا يقينا وقد كان ثلاثة اخماس من يشعل فتيل الثورة ويزيد اوارها من النساء.

لذلك لم يكن مستغربا ان تخرج جحافل النساء في السودان ابان الثورة التي اقتلعت احد اعتى الانظمة العربية واشدها قهرا وبطشا وطول عمر ( 1989-2019) وهي ثورة تؤسس لنظام يتحرى انبات شعارات الثورة (حرية-سلام- وعدالة) واقعا يمشي بين الناس وسنام ذيانك ان لا تبتئس المراة ولا تضام وان تكون حادية الركب تصان حقوقها وتنمى وتزكى فوق مكاسبها التاريخية المقتلعة اقتلاعاً منذ فجر التاريخ السوداني البازخ و قد جلست الكنداكات على راس المملكة (الكنداكات- اي الملكات النوبيات الرافلات في ثياب الجبروت والجمال) على (الككر-اي كرسي الحكم الذي لا ينازع) ذلك حبل التاريخ الذي لاينفصم منذئذ.

ارشيفية من النت تخدم النص

جماع ذلك انه لما اعطت الثورة للعالم اول رئيسة قضاء واول وزيرة خارجية واول امراة مسيحية في قمة هرم الدولة السيادي كانت خطوة تاكيدية لتطور تاريخي ماض في ازالة كافة انواع القهر وتثبيتا لقمة من همالايا الحقوق انتزعتها المراة السودانية قوة واقتدارا.

وتواتر خروج النساء ابان غليان براكين الثورة السودانية منذ ديسمبر (2018) وحتى انفجارها في ابريل (2019) ليشكل خيطا منظوما من لؤلؤ العطاء و ليزيد من حظوظ النساء لامشاركة رمزية بل فعلا ثابتا اصبح بينه والثورة الفرنسية الاشهر اواصر وشبه و رمزية. لهذا فان تيرموتر الفعل الصاعد لتثبيت حقوق النساء ما زال يعلو ونحن نرى مداميك الحقوق والمشاركة منفتحة اذا ارتقت نسبة مشاركة النساء في العمل السياسي والبرلماني لتصل 25% وفق تثبيت اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيروبي عام 2005 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، لترتقى صعودا الى 40% في الوثيقة الدستورية الموقعة بعد ثورة ديسمبر بتاريخ 18 أغسطس (2019).

فما عادت المسالة المشاركة رمزاً اوسدا للزرائع ومنعا لانتقاد من منظمات المجتمع الدولي -والسودان فيها اصيل لا ضيف، بل اصبح الامر مناصفة وتخليقا لسياسات جديدة وتمحيصا لمواقف ومبادي تمنع السودان ان ينزلق الي عهود ظلم وانتهاك لحقوق وغياب لعدالة.

تلاقح النضال الفردي والجمعي قادته المرأة في الثورة فهل جاء بيان ذلك في الوثيقة الدستورية؟ منصب رئيس القضاء أيحسب تقدم؟

دكتورة زحل محمد الأمين أستاذ القانون الدستوري و الدولي رئيس قسم القانون الدولي كلية القانون جامعة النيلين تقول: إن الوثيقة الدستورية “لم تظلم المرأة” بل على العكس في كثير من نصوصها كانت في جانب المرأة خاصة على مستوى المجلس التشريعي حيث منحت نسبة ال40% من المقاعد التشريعية وعلى مستوى الحقوق أيضا أقرت الوثيقة بحقها في المشاركة الفاعلة و المنصفة في كل قطاعات الدولة وحقها كذلك في العمل وهناك تقدم حدث في القانون الجنائي فيما يتعلق بختان الإناث.

ارشيفية من النت تخدم النص

تضيف د. زحل إن وضع المرأة في السودان يشهد تطوراً ملحوظا لاسيما توليها لمنصب رئيس القضاء وهذا لحدوثه لأول مرة بالسودان كذلك منصب وزيرة الخارجية تولته أيضاً لأول مرة.

اذا فقد تسلمت المراة بجدارتها ومساهمتها في الفعل الثوري في حكومة الثورة الانتقالية بقيادة د.عبد الله حمدوك ولاول مرة في تاريخ السودان رئاسة القضاء وكان حاديها القاضية نعمات محمد عبد الله لتعطي العدالة مضاءا ورحمة وجلالا وجمالا وقطعت الطريق امام اي تلكوء كان لا يطيق حتى مشاركة المراة في مجلس القضاء فما بالك بتسنم زروته وقد مهد لها الطريق تولي احسان محمد فخري، منصب قاض عام كأول امراة في افريقيا تتولى القضاء (1961) وكانت كذلك اول امراة تتولى منصب قاضي محكمة عليا وقد وكرمتها الامم المتحدة عام (1980) كونها أول قاضية سودانية.

ثم زادت الثورة من الشعر بيتين عندما قلدت كل من عائشة موسى ورجاء نيكولا عبد المسيح، منصب عضوين في مجلس السيادة وهو قمة الهرم السيادي في البلاد.

ثم اتى الجهاز التنفيذي اثر السيادة والقضاء حين تولت اسماء محمد عبد الله وزارة الخارجية وجلست الاستاذة ولاء عصام الدين البوشي على مقعد وزيرة الشباب والرياضة ووقفت الاستاذة لينا الشيخ فارعة تسوس وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كما تولت البروفيسور فدوى عبدالرحمن علي طه في سابقة اخرى قياد جامعة الخرطوم الجامعة الاعرق في القطر السوداني (1902).

وتقول الدكتورة سامية الهادي النقر، ناشطة حقوقية في المجتمع المدني، إن نضال المرأة من أجل حقوقها والتي قادته المجموعات النسوية بدأ منذ أمد بعيد يرجع إلى أربعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من وجود فترات ديمقراطية إلا أن النساء ظللن مستمرات في النضال وإستخدمن إستراتيجيات مختلفة لتحقيق تلك الحقوق. وهنالك حقوق تحصلت بالفعل مثل الحقوق السياسية، وأُخرى اقتصادية فيما يتعلق بالتساوي في الإجور منذ (1964) وكذلك إجازات الأمومة.

و لكن وبمجيئ النظم الدكتاتورية عملت على تعطيل السيدات في المطالبة بحقوقهن إلا أن النضال لم يتوقف، حتى فترة الديمقراطية (1985- 1989) وما فتئت هذه الكيانات تأخذ أنفاسها حتى جاء الحكم الإسلامي، حيث تم فتح التسجيل لمنظمات المجتمع المدني في (1991) حينها كانت الأحزاب ممنوعة فأنخرط عدد كبير من السيدات الحزبيات في عمل منظمات المجتمع المدني لاجل حقوق المرأة وكان “فعلا حراك كبير جدا” .

وإستمر العمل النضالي دون توقف لتحصل الكثير من الحقوق كان أهمها تجريم ختان الإناث الذي بدأت مناهضته منذ (1979) إلى أن أُجيز الأن، وهنا لابد من توضيح علاقة الختان بحقوق المرأة حيث إعتبرته الدكتورة أول ممارسة من الأسرة والمجتمع تعلم البنت الخضوع وتعطيها رسالة بأن جسدها ليس ملكا لها ولا تستطيع أن تتخذ فيه قرارا.

وكانت الثورة ايضا فرصة سياسية وإجتماعية للنساء من لأجل أهداف أهمها إزالة القوانين والسياسات والممارسات التي تمييز ضد المرأة وتقييد حريتها وتنتهك حقوقها الإنسانية، كذلك تأمين كل الحقوق المكفولة بواسطة المعاهدات الدولية للمرأة كإنسانة ومناهضة الفكر الذكوري وثقافة التمييز المتجذرة في المجتمع.

تقول الدكتورة النقر “إن هذا النضال ليس فقط من أجل إحقاق حقوق المرأة؛ ولكن أيضا لتحرير النخب السياسية في المجتمع المدني وفي الأحزاب السياسية خاصة المستنيرين منهم لكي تكون ممارساتهم من أجل بناء الوطن فيها العمق والفهم الصحيح لأهداف الثورة وشعاراتها في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والعدالة والسلام.”

وهذا التطور الحادث الان لم يات ضربة لازب ولا خبط عشواء انما هو ثمرة لغرسةٍ بدات منذ عهد الرائد الشيخ بابكر بدري الذي اسس مدارس لتعليم البنات في كل من رفاعة -جنوبي الخرطوم- والعاصمة السودانية (1907) ليشاهد قطوف ما زرع عندما دخلت اول دفعة طالبات جامعة الخرطوم عام 1930م وتخرجت اول طبيبتين،هما زوري سركسيان وخالدة زاهر من كلية الطب (1953).

ذلك في مجال التعليم اما ريادة المجالات مما كان يعتبر حكرا على الرجل فقد شاهد اهل الخرطوم السيدة / النقية فرح ابو زيد/ تقود اول سيارة سودانية (1924) بينما قادت عائشة الفلاتية اول فرقة موسيقية لها وسجلت اسطوانات غناء (1942) تلك امثلة وشذرات لا استقصاء وشموول.

اما جرد السياسة فقد ثبت حق المراة السودانية فيه منذ قرون وان كان ما تحقق دون ما تصبو اليه. اذ نالت المراة السودانية حق التصويت (1953) وضمت اول لجنة لصياغة دستور سوداني عام 1953 امرأة هي ثريا الدرديري ،ونالت حق الترشيح في الانتخابات في كل الاجهزة السياسية بعد ثورة اكتوبر (1964)، ودخلت اول امراة للبرلمان هي فاطمة احمد ابراهيم عام (1965) ، كما نالت الاجر المتساوي مع الرجل عام (1969).

في عهد حكم الرئيس جعفر نميري (1969-1985) تقلدت أمرأتان مناصب وزارية لاول مرة في السودان هما نفيسة احمد الامين،عام 1971 والدكتورة فاطمة عبدالمحمود (1973) في منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية. تلك شذرات في السياسة والتعليم مما بزت فيه المراة السودانية كثير من زميلاتها في الوطن العربي والمحيط الافريقي و هي حقوق اصبحت جزءا لا يتجزأ من دستور البلاد وقوانينها الراسخة فقد اشارت اتفاقية نيفاشا عام 2005 ، في المادة (32) الى حق المرأة والطفل وفق دستور السودان الانتقالي للعام 2005 ، الى ان” تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي في التمتع بالحقوق المدنية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، بما فيها الحق في الاجر المتساوي للعمل المتساوي وللمرأة الحق في تولي المناصب السياسية الرفيعة “.

ولم تكن هذه الانجازات لتتحقق لولا تضحيات عظيمات وجسيمات من المراة السودانية التي تعرضت لكافة انواع القهر والبطش وسلاح الاغتصاب والتحرش، الذي استخدم لترويض النساء- ولكن هيهات- خاصة في مناطق النزاعات،وداخل معتقلات جهاز امن حكومة العهد البائد لكنه ما زاد نضال المراة الا اشتعالا حيث ازدادت حركة المجموعات النسائية في مواقع التواصل الاجتماعي وظهرت مجموعة “منبرشات” هي مجموعة الكترونية فائقة النشاط فضحت عددا كبيرا من المخبرين السريين لجهاز أمن نظام البشير مما سرع بتهاويه وافوله.

وفي ارض الاعتصام و الذي نفذ قرب مباني القيادة العامة للجيش بالخرطوم من السادس من ابريل (2018) وحتى الثالث من يونيو (2019) برزت المرأة بشكل لافت وشاركت في كافة اللجان المنظمة للاعتصام، في اذاعة الاعتصام، والندوات والمسارح والفرق الموسيقية. وهنا برزت قيادات وشخصيات نسوية سلطت عليها الاضواء الاعلامية كالناشطة ” الاء صلاح ” التي تحولت لايقونة للثورة، بعد أن انتشرت صورها عبر الانترنت، وهي تقود الهتافات في رداء سوداني أبيض اللون، وتقف فوق سطح سيارة خارج مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم غير عابئة بان ينتاشها صائد او قناص من فوق احدى البنايات المجاورة لباحة الاعتصام المدني.

وصرحت وقتها للاعلام عن نضال المراة السودانية قائلة “هذا جزء من تاريخنا منذ مملكة مروي القديمة، حيث كانت السيدات ملكات ويطلق عليهن اسم “كنداكة” وهو ما استخدم في حراك ديسمبر”.

وبرز عدد من التنظيمات النسوية في اعتصام القيادة، تهتم بالتنمية والسلام وبناء القدرات ورفع الوعي، كالاتحاد النسائي ومجموعة “لا لقهر النساء ” ومجموعة “نساء يصنعن القرار” والمجموعة النسوية المدنية “منسم” وهذه المجموعات وقعت علي اعلان الحرية والتغيير الذي شكل الحكومة الانتقالية وكان للمرأة حضور لافت في لجان النواة الاولي لتجمع المهنيين السودانيين الذي تولي قيادة الثورة السودانية، فتواجدت بفعالية في لجان الاطباء والمعلمين والمحامين والصحفيين والمهندسين وساهمت ربات البيوت في المواكب ودعم المتظاهرين بالاطعمة والمياه .

وحول (منسم) هذه كمثال لتحالف المراة تقول الدكتورة سامية الهادي النقر انه و لأول مرة في تاريخ النساء في السودان يحدث تحالف بمستوى كبير بين المجموعات النسائية يضم 20 منظمة مجتمع مدني، و17 مجموعة مدنية، و16 مجموعة سياسية، ولديها 3 أفرع في الولايات، و3 أفرع خارج السودان. بالإضافة إلى أنه يضم كذلك مجموعة كبيرة من النساء المستقلات أكادميات وخبيرات في مجالات مختلفة.

ولكن تظل ابرز التحديات التي تواجه المراة السودانية في المرحلة الحالية هي تحديات تحقيق السلام في مناطق النزاعات في دارفور وجبال النوبة بغربي السودان، والنيل الازرق بشرق السودان، اذ ان النساء يتحملن اغلب تبعات الحروب، وكذلك ضرورة عودة النساء من مناطق النزوح واللجوء الى قراهن الاصلية ولا يتاتى ذلك الا بزيادة فرص التعليم والتدريب للنساء خصوصا في الارياف ومناطق الحروب والنزاعات.

وفي ذلك تشير الدكتورة سامية الهادي النقر قائلة:” وقد وجدنا في الثورة فرصة سياسية وإجتماعية للنساء من لأجل أهداف أهمها إزلة القوانين والسياسات والممارسات التي تمييز ضدد المرأة وتقييد حريتها وتنتهك حقوقها الإنسانية، كذلك تأمين كل الحقوق المكفولة بواسطة المعاهدات الدولية للمرأة كإنسانة ومناهضة الفكر الذكوري وثقافة التمييز المتجذرة في المجتمع.”

(اعد المادة: نهلة خليفة- سعيدة همت- تقوى فتح الرحمن –فهمي السيد-جارة الخير بابكر- عبد الله بابكر- وحررها محمد عثمان ادم)

وكالة السودان للانباء ( سونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى