مقالات و تحليلات

متغيرات السلطة والمعارضة في العالم العربي / إبراهيم أبراش

متغيرات السلطة والمعارضة في العالم العربي / إبراهيم أبراش

لم تقتصر تداعيات الأحداث، التي يشهدها العالم العربي في السنوات الأخيرة، على الواقع السياسي والجيوبولتيك؛ بل تجاوزتهما لتُحدِث تغييرا بل انقلابا مفاهيمي في قضايا مفصلية للمجال السياسي، وخصوصا: الدولة الوطنية، السيادة، الثورة، الديمقراطية والمشاركة السياسية، والمعارضة السياسية، والتغيير لم يقتصر على المفاهيم والتصورات المُسبقة بل يتعداها إلى الأدوار والأولويات.

 

ما سنقاربه في هذه المقالة هو التغيير أو التحول في مفهوم المعارضة ودورها السياسي؛ ذلك لأن معادلة السلطة ليست أحادية الجانب بل لها وجه آخر وهو المعارضة. وهكذا، وكأنها مُسَلَمة أو حقيقة لا تقبل النقاش فقد وقَرت في عقل ووجدان الجماهير الشعبية صورة نمطية عن النظام السياسي والسلطة، حيث يتداخل مفهوم النظام السياسي والسلطة والحكومة كشيء واحد، وهو عالم الشر والفساد، في المقابل تتموقع المعارضة كحالة مضادة ومعادية للنظام وهي عالم الخير والفضيلة وتمثل كل ما يطمح إليه الشعب ويتصوره من حرص على المصلحة الوطنية والمصداقية والطهرية السياسية والنبل والأخلاق إلخ.

 

انطلاقا من هذا التصور المُسبق، فعند إصدار أحكام أو عمل تقييم لنظام الحكم في دولة عربية ما من حيث مدى التزامه بالمعايير والقيم الديمقراطية وبمصلحة الشعب أن يقتصر التقييم والحكم على السلطة القائمة ونخبتها، مع تجاهل الوجه الآخر من معادلة السلطة وهو قوى المعارضة ومدى استعدادها لتولي السلطة ومدى أهليتها للحكم وبناء نظام سياسي أفضل مما هو قائم.

 

من حيث المبدأ، فإن وجود استقرار نسبي في بلد ما لا يعني أن من حق النخبة الحاكمة الاستمرار في السلطة إلى ما لا نهاية؛ بل عليها أن تُشرِك الآخرين في السلطة، ومن حق المعارضة السياسية أن تستفيد من تداول ديمقراطي توافقي وسلمي على السلطة.

 

لكن لا تأخذ الأمور شكل الحتمية أو الضرورة بأن من حق المعارضة تولي السلطة أو المشاركة فيها انصياعا لمبدأ التغيير والتداول على السلطة،بل هو حق مشروط بأن تكون المعارضة وطنية ديمقراطية وتملك برامج إصلاحية وتنموية أفضل مما تقدمه السلطة القائمة وأن تمنح أملا بمستقبل أفضل وتحوز على أدوات وطنية للتغيير

 

عندما قال ونستون تشرشل مقولته: (لو لم تكن المعارضة لخلقناها)، وكرر قوله الكُتاب والسياسيون إنما كان يقصد معارضة في نظام ديمقراطي تكون أحزاب المعارضة فيه شرعية وملتزمة بالدستور وبثوابت الأمة وتمارس عملها سلميا وفي إطار القانون، وليس أية معارضة سياسية.

 

فمنذ بداية فوضى ما يسمى الربيع العربي أصبح مفهوم المعارضة ملتبسا وسلبيا، حيث تسعى جماعات معارضة مسلحة إلى إسقاط النظام القائم دون أن تؤمن هذه الجماعات بالديمقراطية أو تمتلك برامج تنموية وإصلاحية واضحة، هذا ناهيك أن كثيرا من هذه الجماعات مرتبطة بأجندة خارجية غير حريصة على تطبيق الديمقراطية ولا على الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية.

 

أغلب هذه القوى تمارس العنف والدموية ومرتبطة بالخارج وأغلب مكوناتها لا تؤمن بالديمقراطية والشراكة السياسية، ولم تجلب للشعوب إلا الدمار ولا تمنح أملا بمستقبل أفضل للشعوب. بالمقابل، ارتفع رصيد الدولة الوطنية والسلطة القائمة، إلى درجة أن كثيرين من قطاعات الشعب باتت تترحم على زمن ما قبل الربيع العربي وأنظمته؛ فهذه الأخيرة حتى وإن كانت غير ديمقراطية، فعلى الأقل كانت تحافظ على وحدة المجتمع والدولة وتفرض الأمن والاستقرار، وتسير في طريق تنمية وتطور حتى وإن كان بطيئا ومتدرجا.

 

سلوكيات أغلب قوى المعارضة غيّرت كثيرا من نظرة الشعوب إلى السلطة وإلى المعارضة. لم تعد السلطة القائمة عالم الشر والفساد المطلق وأنها ضد مصالح الشعب ومعادية له، ولم تعد المعارضة تُحيل إلى عالم الأخلاق والوطنية والتعبير عن مصالح الشعب، حتى تهمة التبعية والخضوع للخارج التي كان يتم توجيهها إلى السلطة الحاكمة أصبحت اليوم موجهة إلى قوى المعارضة.

 

هذا لا يعني أننا نمنح شهادة براءة وحسن سلوك للأنظمة العربية القائمة أو التي جرى إسقاطها بتدخل خارجي أو بفوضى الربيع العربي، فالتغيير كان مطلوبا حتى باللجوء إلى الثورة أو العنف الثوري الشعبي والوطني؛ ولكن الذي جرى أن مخططي فوضى الربيع العربي صنعوا معارضات غير وطنية وغير ديمقراطية وبعضها إن لم يكن أغلبها قام على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وعشائرية، تعادي بعضها البعض بما لا يقل عن معاداتها لسلطة الدولة مما جعلها أكثر سوءا من الأنظمة القائمة وأكثر خطرا على الشعب والدولة من النظام نفسه.

 

كل ذلك لخلق الفتنة والفوضى وقطع الطريق على إرهاصات الديمقراطية والتنمية الذاتية المتدرجة من خلال الإصلاحات التي كانت تباشرها الأنظمة تدريجيا نتيجة الضغط الشعبي، أو من خلال التغيير الذي كانت تناضل من أجله قوى المعارضة الحقيقية الديمقراطية والوطنية.

 

وعليه، عندما تصبح المقارنة بين الأنظمة ما قبل فوضى الربيع العربي أو التي لم تصلها الفوضى من جانب وغالبية المعارضات المسلحة القائمة الآن من جانب آخر؛ فالكفة ستميل إلى صالح الأولى، وهذا هو التغيير الرئيس في مفهوم السلطة والمعارضة.

 

لا يعني ما سبق رفضنا لمبدأ الثورة على الأنظمة الاستبدادية والفاسدة، فأحيانا تصبح الثورة أمرا لا مفر منه؛ لكن ليس كل من حمل سلاحا يعتبر ثائرا، وليس بالضرورة أن كل من ينتقد النظام السياسي أفضل من النظام. حتى لا تنقلب الثورة إلى فوضى وحرب أهلية؛ فالأمر يحتاج إلى معارضات سياسية ديمقراطية ووطنية وغير مرتهنة أو تابعة لأجندة دول أجنبية أو لأيديولوجيات إسلاموية مشبوهة.

 

[email protected]

 

المصدر 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى