الأخبارمقالات و تحليلات

“أنا رجل”!/ الوزير السابق محمد فال ولد بلال

محمد فال ولد بلال / وزير وسفير سابق

هذا العنوان ليس من عندي، وإنما هو لصحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحية عددها بتاريخ 14 مايو 2011 حول الانتفاضات التي اجتاحت بعض الدول العربية في الفترة ما بين 2010-2012. وقد اندهش العالم كله آنذاك بمشاهدة لافِتَة تحمل عبارة “أنا رجل” في إحدى المظاهرات الشعبية؛ لافِتَةٌ عجيبة التُقِطت في بنغازي ولفّت صورتها أرجاء الأرض في ثواني معدودة، وكانت موضع اهتمام كبير وفحص وتحليل في كبرَيات الصحف العالمية والمراكز الدراسية العربية والأجنبية. فِعلاً، لقد ارتَبك العالم واحْتارَ في تلك اللافِتَة وشعارها، واعتبرها المحللون والمراقبون تلخيصا لجَوهَر الحراك الشعبي المعروف باسم “الربيع العربي”. واتفقوا جميعا على أنها تختَزِل الواقع الرّديء الذي أجّجَ لدى الشعوب في المنطقة شعورا عميقا بالإذلال والكبت والإكراه؛ شعورٌ هزّ أحاسيس ودَواخِل ذلك الرجل البنغازي، ودفعه إلى الخروج من خَيمَته والنزول إلى الشارع فقط ليقول لنفسه وللناس: “أنا رجل” لديّ إحساس، لديّ قِيّم، لديّ طموحات ومطالب، لستُ طفلا ولا صبِيّا؛ “أنا رجل”!

والغريب في الأمر أنه لم يخرج في المظاهرات ليقول: أنا “حر”، أو أنا “مظلوم”، أو أنا “ثائر”، أو أنا “مواطن”! ولَم يخرج ليهتف مع المتظاهرين: “الشعب يريد إسقاط النظام”، ذلك أنّ همّه الأساسي والوحيد حينئذ لم يكن طلب الحرية والعدالة والثورة والمواطنة؛ وإنما التعبير فقط عن كونه رجلا، أي إنسانا بالِغا! والسبب واضح، وهو أنّ المسكين، لطول ما تعرّض له من تخدير وظلم واضطهاد وتسطيح للعقل، ولّى صبيا أو طفلا أو نصف رجل،، وفجأة اهتزت الأرض وربت تحت أقدام الشعب، صحى وأحسّ بأنه “موجود”؛ فخرج، وقال: “أنا رجل”! وحسناً فعل، إذ كيف السبيل إلى الحرية والعدالة والثورة والمواطنة قبل أن يشعر الإنسان بأنه إنسان؟ وكيف يتحرّر الإنسان مما هو فيه من ذُل وهَوان إذا لم يَرمِ ثَوب الخنوع والخضوع والاستِكانة ويشعر بالتكليف؟ وحدَه الإنسان العربي في هذا العالم يُعَدُّ خروجه إلى الشارع عملا بطوليّا وشجاعا باعتباره تحدًّ للقمع وتأكيد للذّات واسترجاع لشيء من الْعِزَّة والكرامة… وما من أحد فينا ولا منّا، أنا وأنتَ وأنتِ وهو وهي ونحن جميعا في الوطن العربي الكبير، إلاّ وهو بحاجة إلى الخروج بلافِتَة تقول للناس “أنا رجل”! ولا أدري هل فيكم مَن سأل نفسه متى سيخرج؟ أما أنا فقد سألت نفسي أكثر من مرّة: متى سأنزل إلى الشارع لأقول “أنا رجل”؟ وفي كل مرّة تقول لي: ستخرج يَومَك “رجل”!

تنويه مهم: حتى لا يفهم كلامي غلطا من قِبَل الأخوات والصديقات الماجدات، أنوِّه إلى أنّ الأمر هنا يعني المرأة بقدر ما يعني الرجل، أو بالأحرى أكثر مما بعني الرجل، لانه يخاطب الإنسان كإنسان؛ وإحساس المرأة بوجودها وبإنسانيّتها أهمّ بكثير وأجدى من وعي الرجل بأنه رجل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى