مقالات و تحليلات

إفريقيا.. فظائع السِّياسة وفضائح الكرة / خالد عمر بن ققه

خالد عمر بن ققه / كاتب وصحفي جزائري

ما أصاب إفريقيا فى حقبة ما بعد الاستقلال، وما يصيبها اليوم عند اقتراب دول العالم من حرب عالمية ثالثة أصبحت وشيكة، وما ينتظرها نتيجة تبعات سفاهة بلغت درجة الشطط فى المستقبل، يبدو أكبر بكثير فى مأساته لدرجة التيه والضياع من حالها خلال قرون سابقة قضتها فى التخلف والعبودية، حين كان التعاطف معها مؤسَّسا على ظلم الاستعمار ونهبه وجرائمه.

فى إفريقيا تصرخُ الأرض مستنجدةً ببعض من أبنائها حاملى الوعى.. إنهم بقيَّة من مناضلين ووطنيين لم تلوِّثهم السياسة، أما غالبية أبنائها فهم فى غيّهم يلعبون، تحرك معظمهم مصالح فرديّة متناقضة، بل وعدائية لمصالح دولها، الأمر الذى جعلها بعيدة عن حديث القارات، حيث التكتلات العالميَّة، ما يعنى أن كل الخُطب التى نسمعها، هى: هزل ولهو وخوض مع الخائضين، بما فيها تلك الصادرة عن منظّماتها الجماعية من مثل: منظمة الوحدة الإفريقية فى الماضى، أو الاتحاد الإفريقى فى الوقت الراهن، حيث التغير فى القول والاستمرار فى خيبة الفعل.

المدهش أن هذا الخطاب ـ الذى يعرف أصحابه أنه نابع من قلوب شتَّى، حتى لو جاملهم الآخرون أو زيَّفُوا وعيهم ـ يشملُ كل مجالات الحياة، متَّخذا طريقه على مستوى العلاقات الدولية ظاهرا وخفيّا، بشكل تخطَّى البشاعة إلى الفظاعة فى بعده السياسى، حيث التقهقر الواضح للقيَم التى ترسو عليها النظم المعاصرة، فعدد الانقلابات فى القارة وأحجامها مرعب، ونتائجها، من فوضى داخلية وتبعية خارجية، أصبحت هى الثَّابت المعادى للمتغيّر دوليّا، الأمر الذى أدَّى إلى الحجر على الواعين من أبناء القارة، واتّساع مساحة السفهاء، وما أكثرهم.

قارَّتُنا، اليوم، لم تعدْ فى حاجة لاكتشافنا لها، ليس فقط لجهْلنا بها أو حجودنا لكل ما قدمت من حماية، عبر ثروات طائلة هى محل صراع من طرفنا ونهب وخطف من الغير، وإنما لكونها انتهت إلى عجز مطبق أفقدها القدرة على المواجهة والتَّصدى، نتيجة للفشل الذى أصاب أبناءها ـ فردى وجماعات، شعوبا وحكومات ـ حتى باتت اليوم مثل قرى الأمم السَّالفة خاوية على عروشها.. هنا تحضرُ السياسة من حيث هى نظام حكم وَاهٍ، وإن بدا لنا ـ انطلاقا من ترويج أصحابه ـ سطلةً راهنةً تسير فى فلك العصر، وتخضع لشروطه، كونها متفاعلة كُرْها مع الاختيار الدِّيمُقراطى.

لا شك أن إفريقيا ـ والحديث هنا يخصُّ الأرض ـ تبكى سوء أحوالها، وتغير أجوائها، وعقوق أبنائها وعجزهم، وهجوم كل أمم الدنيا عليها، وسيكون وضعها أسوأ بعد أن تحل مجاعة عالمية منتظرة لن تجدى فيها مقايضة الخيرات الإفريقية وما أكثرها بالغذاء، وهى ـ إفريقيا ـ القادرة على إنتاجه ليس فقط لأبنائها وإنما لسكان العالم كله.

الوضع الإفريقى، فى ماضيه القريب وحاضره الرّاهن، أمر لا يخصُّ السَّاسَة وحدهم، وإن كانوا يتحملون الوزر الأكبر كما هو ظاهر فى فظائع مواقفهم وأفعالهم، بل يشمل العامّة من الشعوب أيضا، فى حالة القبول عبر خنوع تام، أو فى حالة الرفض الذى تحول، فى كثير من الأحيان، إلى حرب أهلية.

نحن الأفارقة اليوم ـ دولا وشعوبا ـ مثل الشّاة القاصيّة، المعرَّضة للأكل من ذئاب شتَّى، وتلك الذئاب بتنوّعها وتعددها تتربص بالجميع حتى فى مجال الرياضة وتحديدا فى كرة القدم، لدرجة كشفت عن سوء تقدير لتبعات الصراع الكروى الراهن كما فى الحالتين: «الجزائريّةـ الكاميرونية، والمصرية ـ السّنغاليّة» مثلا، والحالات الأخرى لصراع النوادى فى البطولة الإفريقية، كتلك التى تدور رحاها هذه الأيام بين «الأهلى» المصرى و«الوداد» المغربى، فى انتظار ما ستسفر عنه المقابلة فى الثلاثين من مايو الجارى.

حالات الصِّراع السابقة، وغيرها فى مجال كرة القدم، تبدو فى ظاهرها رياضة، لكنها فى حقيقتها هى فعل سياسى بالأساس، فكما استنجد قادة القارة بالدول الخارجيَّةـ بما فيها العَدوَّة ـ لحل صراعاتهم من أجل الحكم واستعباد شعوبهم، ستستنجد الاتحادات والمنتخبات والفرق والمشجعون بالاتحاد الدولى لكرة القدم، وهذا الأخير غير مبالٍ بما يحدث فى إفريقيا، وربما يرى أهلها غير مؤهلين لأن يكونوا شريكا مع الغرب فى هذا المجال.

إفريقيا اليوم مكشوفة فى ضعفها أمام العالم كلِّه، وتتجه من جديد نحو صراع عرْقى، نراه فى ذلك الاعتقاد الظاهر أو الخفى لدول عربية لا تنتمى للقارة إلا سكنا، لكنها من ناحية الوجود الحضارى، والانتماء الثقافى، ترى نفسها بعيدة كل البعد عنها، لذلك يخيّم خوف شديد على كثيرين لاعتقادهم بطول أمد الصراع، وقد تنتقل الخلافات الكروية إلى صراع عرقى، وتمييز عنصرى، بغض النظر عن الجهة التى يصدر منها.

عندها، لا غرْوَ أن يقول السفهاء منا مثلما هو يحدث اليوم فى مجال السياسة: لنحتكم إلى الغرب فى كل أمور حياتنا، وأنَّى لنا أن نحظى بقبول أو اعتراف؟!.

ربما سيأتى يوم ـ حين تنتفى الحاجة لوجودنا ـ نجد فيه أنفسنا فى عزلة وإبعاد، مثل المصير الذى يواجهه اليوم الذين هاجروا إلى الغرب، أوروبا خاصة.. فاعتبروا أيّها الأفارقة، سواء السياسيين الذين يلعبون بمصير الدول، أو الرياضيين، الذى يُسيِّسون أهواء الجماهير والمشجعين، وعليكم أن تُدركوا أن إفريقيا اليوم هى فى شكلها الظاهر والمستتر قارة للفظائع وللفضائح، والمطلوب منا جميعا الخروج من هذا الوضع، حتى لا تغرق القارة فى طوفان الصراع الوجودى بين أبنائها.

 

المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى