الأخبارفضاء الرأي

انه”التدوير”في ظل الاستقرار../ أحمد عبد الرحيم الدوه

أحمد عبد الرحيم الدوه / كاتب ومحرر صحفي بصحيفة الصدى الموريتانية المستقلة

يقول أحد المفكرين: (عندما يأمن الموظف من العقاب سيقع في الفساد، ويسوم الفقراء سوء العذاب)

الحرب الحقيقية على الفساد يجب أن تكون جزءاً من منظومة سياسية متكاملة، قائمة على الإصلاح السياسي والاجتماعي وفاعلية الرأي العام.

لا أعتقد أن الأنظمة السياسية  التي سيطرت علي  بلادنا -حينا من الدهر- لا تعرف مكامن الفساد، أو أسماء المفسدين ومسالكهم وحِيلهم ومواقعهم، إن لم يكن كثير من تلك الأنظمة جزءاً منهم، أو راعية بشكل مباشر أو غير مباشر لمنظومات الفساد التي تعج بها حكوماتنا المتجددة،والتي تغيب فيها معايير الشفافية والعفة والنزاهة.والصدق والوطنية

-تأتي لحظات في بعض الدول الغارقة في الفساد فيصحو فيها النظام ويكشّر عن أنيابه- خصوصاً في المراحل الانتقالية- فيقود حملة لتطهير البلد،من الفساد تحت شعارات” مكافحة الفساد والمفسدين” ويستبشر الناس خيرا، معتقدين جدية ذلك، وأن أيام الفساد باتت معدودة، وأنهم أصبحوا أمام “عهد جديد”وأنهم وجدوا ضالتهم في”المنفذ المتتظر”، لكن سرعان ما تتحطم آمالهم، وأحلامهم فتتحول الي(كسراب بقيعة بحسبه الظمان ماءا ) ويعود الوضع كما كان، وربما أسوأ، ليكتشف الناس أن ما جرى هو إعادة تدوير الفساد والمفسدين، وتبادل الادوار وليس بالامكان احسن مما كان انه “التدوير في ظل الاستقرار”

من هنا يجب التنبه إلى موجات “صحوة الضمير” التي تهب على بعض الأنظمة المتغلبة علي نفسهاوفي بداية تغلبها علي مفاصل الدولة،والتأكد من أنها حقيقية وراسخة، وليست غضبا وانتصار “للاأناً” بسبب وقوع الفساد بعيداً عن سطوتها، أو جزءاً من صراع الفاسدين فيما بينهم، أو صراع أجنحة داخل نظام “المخزن” اوصراع بين متنفذي اليوم والامس ، من أجل إزاحة فريق من الساحة لاستفراد آخر، أو تهيئة لنزول فريق جديد

 فمن الضروري الحذر الحذر فمن التفاؤل  المفرط من هذه المناورات التي غالباً ما تأتي في ظروف  استثائية كالتي نعيشها الآن من يوم تشكيل “لجنة التحقيق البرلمانية” “ومسار العدالة” وأخيرا “تدوير الفاسدين وظيفيا”، فلا يمكن الاستبشار بها قبل التأكد من أن الإجراءات المتخذة لتي يجب تعبِّر عن نهج ثابت، وقائمة على قواعد راسخة ومن منظومة قانونية وعقداجتماعي متفق عليه يحكم الجميع ويحتكم واليه الجميع  لاظلم فيه ولاهضم ،وليست موجة عابرة، أو مشروعاً شخصياًلتصفيةالحسابات الآنية، أو غطاء لأجندات خاصة.

-لا يمكن الاعتماد في مكافحة الفساد على وجود قوانين فقط، فغالباً ما تكون الدول التي يتنامى فيها الفساد تمتلك منظومات تشريعية شبه مكتملة بهذا الشأن، بل إن أنظمة وقوانين محاربة الفساد تكاد تتشابه في أغلب الدول، خصوصاً مع ارتباطها بالمنظمات العالمية والاتفاقات الدولية التي تُوجب على الدول سنَّ التشريعات ،التي تحدُّ من الفساد، لجب التمويلات وطمئننة المستثمرين، فعلى سبيل المثال نجد القوانين الجزائية ، قد تضمنت أغلب جرائم الفساد التي تنص عليها اتفاقيات الأمم المتحدة، لكن ذلك وحده لم يعد كافياً لمحاصرة الفساد، إذا لم تكن السلطة خاضعة للرقابة الشعبية،ومبدأ المراقبة  والمحاسبة.

التي تملك حق اختيار وعزل ومحاسبة الحكومات، وهذا يستلزم وجودمؤسسات تتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار، فضلاً عن توافر الجدية والإرادة الصادقة من الأنظمة في تطبيق تلك التشريعات، وعدم الالتفاف عليها.

-ان التحايل في محاربة الفساد له عدة أشكال وصور، أبرزها: إعاقة سير العدالة في قضايا الفساد، وهو أخطر من الفساد نفسه، لأن الفساد يكاد يقع في جميع الأنظمة، لكن التمايز بينها يكون في مدى تمكين العدالة من أخذ مجراها، وعدم خضوع المؤسسات القضائية والرقابة البرلمانية للإملاءات السياسية، ودوائر المتنفذين.

-إن الحرب  الجادةعلى الفساد، يجب أن تكون جزءاً من منظومة سياسيةواجتماعية متكاملة، قائمة على الإصلاح السياسي ومنظومة قانونية وفاعلية الرأي العام “سلطة الصحافة”، من خلال تعزيز حرية التعبير،والشفافية في التعاطي مع ملفات الجرائم الاقتصادية، وتمكين قوى ومؤسسات المجتمع المدني،من لعب دورها بعيدا عن المزايدات السياسية وتكريس سلطة “المسؤول الاول” وذالك بكشف و تفكيك شبكات المتنفذين، وإطلاق الحريات السياسية، وسيادة القانون و دولة المؤسسات، وتعزيز قيم النزاهة والمكافئةوالمحاسبة والشفافية،

 بعد ذلك يأتي دور المؤسسات المستقلة والتشريعات المنظِّمة

وفي ظل غياب كل ذلك لا يمكن التفاؤل بديمومة، واستمرار موجات محاربة الفساد، التي تهب  من طرف الحاكم بشكل مؤقت، وترتبط بشخصيات محددة، لتأتي وتذهب حسب المزاج والظروف ،لقد اهتزأت حتما لدي الجميع ً كُل ادعاءات وحملات وشعارات مكافحة الفساد بتدوير المفسدين “ان الذين  يحاربون الفساد يجب عليهم تنظيف أنفسهم اولا”

 ننتظر تطورات هذه الايام  من استدعاء العدالة للرئيس السابق والمسؤولين  في نظامه فيما يعرف بالتحقيق في ملفات جرائم الفساد .

تنتظر ماتجود به الايام القادمة “وان غدا لناظره قريب  “

 

المصدر : الصدى الورقية الأسبوعية الصادرة بتاريخ 24رجب 1442هـ الموافق 08/03/2021م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى