مقالات و تحليلات

بن زايد العربي السوري… نموذجاً / أحمد عبد العزيز الجارالله

أحمد عبد العزيز الجارالله / رئيس تحرير السياسة الكويتية

في زمن الشَّدائد تظهرُ المعادنُ الحقيقية، وتسقط الحسابات السياسيّة الضيِّقة لترتفع القيم السامية، وعلى هذا الأساس يمكن قياس المبادرة التضامنية التي أطلقها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بشأن سورية، واتصاله برئيسها بشار الأسد معلنا التضامن مع دمشق ووضع الإمكانات كافة في مواجهتها وباء “كورونا”.

في السنوات العشر الماضية كثرت المواقف المبنية على حسابات لا تتطابق مع الواقع، خصوصا في ما يتعلق بتبني بعض الدول العربية قضية إسقاط النظام السوري، بحجة أن الشعب يريد ذلك، غير أن هذا الأخير لم يوكل أمره إلى أي دولة، بل رأينا غالبية كبيرة منه تتمسك بالحكم القائم.

في المواجهة العسكرية ترك السوريون ضحية تدخلات تركية-إيرانية- روسية- عربية، وغيرها من دول كبرى استفادت من عذاباتهم، فيما كانت حيتان البحار تلتهم أجساد مهاجريهم، وتسجن بعض الدول نازحيهم في معسكرات تفتقد لأبسط مقومات الإنسانية.

اليوم في ظل جائحة”كورونا” التي تكتسح العالم، مسجلة مئات آلاف المصابين وعشرات آلاف الضحايا، تخلت كثير من الدول عن مواقفها الحادة وذهبت إلى التعاون في سبيل مكافحة هذا الوباء، واضعة إمكاناتها بتصرف الدول الموبوءة، أو تلك التي تعاني من نقص المستلزمات الطبية والدوائية.

ومما لا شك فيه أن سورية بعد عشر سنوات من حرب طاحنة طالت كل أرجائها، هي اليوم بحاجة ماسة إلى كل ما يعينها على مواجهة الوباء، كي لا يقاتل شعبها على جبهتين، من جهة الإرهابيين والاحتلالات الإيرانية والتركية والتدخل الروسي، والجماعات المدعومة من دول عربية وإقليمية أخرى، وجهة أخرى “كورونا”.

لن يكون مستغربا في ظل الانتشار الواسع للوباء، أن تطلب بعض الدول من المهجَّرين والنازحين السوريين العودة من حيث أتوا، فيما لا تزال الحرب مشتعلة في بلادهم، ما يعني ترك الملايين من هؤلاء يواجهون مصيرا أسود، إذ لا يمكن أن يعودوا إلى بلادهم في ظل الوضع الحالي.

لذلك ينظر إلى خطوة الشيخ محمد بن زايد على أنها شجاعة كبيرة، وهي بالاتجاه الصحيح، بل لا شك تساعد على تغيير المزاج السياسي العربي الذي بات عليه اليوم أن يعيد النظر بمواقفه من حرب انغمست فيها بعض الدول، واستنزفتها.

إذا كان المطلوب فعلا تحصين الأمن القومي العربي، وحماية المنطقة من التوغل الإيراني والتركي، وعدم منح روسيا مجالا للسيطرة في الإقليم، فإن الحل الأمثل اليوم دحض حجج التدخلات تلك عبر إعادة سورية إلى البيت العربي، وأن تتحول خطوة ولي عهد أبوظبي مبادرة خليجية وعربية شاملة.

المصدر : السياسة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى