الأخبارعربي و دوليقضايا الصحة

بين ثقة روسية وتشكيك دولي… الغموض يحيط بإعلان بوتين عن لقاح كورونا

المجلة

* عرف عن العلماء السوفيات والروس تجريب اللقاحات على أنفسهم وعلى أطفالهم

* أي دواء أو لقاح جديد يجب أن يخضع لتجارب سريرية، وتشتمل على العديد من الخطوات والمراحل للحصول على الموافقة قبل طرح الدواء أو الجهاز في السوق

* حثت جمعية منظمات التجارب الطبية (أكتو) ومقرها موسكو، وزارة الصحة على تأجيل الموافقة إلى ما بعد المرحلة الثالثة من التجارب

* تقرير: العلماء الروس العاملون على لقاح كورونا تجاهلوا المرحلة الثالثة من التجارب تمامًا، ومن المحتمل أن يخاطروا بآثار جانبية قاتلة للملايين في روسيا وخارجها

* مسؤولون أميركيون وبريطانيون اتهموا روسيا بمحاولة التجسس على الأبحاث المتعلقة بلقاح أكسفورد

وسط غيمة من الغموض أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده طورت «أول»لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، مما أثار عاصفة من الانتقادات والتشكيك، وعلّقت منظمة الصحة العالمية بحذر على الإعلان مذكّرةً بأن «المرحلة التي تسبق الترخيص»،والترخيص للقاح، يخضعان لآليات «صارمة».

وقال المتحدث باسم المنظمة، طارق ياساريفيتش، خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو: «نحن على تواصل وثيق مع السلطات الروسية والمحادثات تتواصل. المرحلة التي تسبق الترخيص لأي لقاح تمرّ عبر آليات صارمة».

وأوضح المتحدث أن «مرحلة ما قبل الترخيص تتضمن مراجعة وتقييماً لكل بيانات السلامة والفعالية المطلوبة التي جمعت خلال مرحلة التجارب السريرية».

وأشار إلى أنه بالإضافة إلى المصادقة التي تمنحها الجهات المختصة في كل بلد، «وضعت منظمة الصحة العالمية آلية ترخيص مسبق للقاحات، ولكن أيضاً للأدوية. يطلب المصنعون الترخيص المسبق لمنظمة الصحة العالمية لأنه بمثابة ضمان للنوعية».

ولم تنشر روسيا حتى الآن دراسة مفصلة عن نتائج التجارب التي سمحت لها بتأكيد فاعلية اللقاح.

هذا وكانت قد أبدت منظمة الصحة العالمية شكوكاً بعد إعلان سابق لروسيا أن لقاحها على وشك الإنجاز، مذكرةً بأن أي سلعة دوائية «يجب أن تخضع لكل الاختبارات والفحوص الضرورية قبل أن يصادق على استخدامها»، وأشارت إلى أنها لم تتلق «أي شيء رسمي»من روسيا.

وقال المتحدث باسم المنظمة إنه في الوقت الحالي «من المهم للغاية تطبيق تدابير صحة عامة قابلة للاستمرار. علينا أن نواصل الاستثمار في تطوير لقاحات وعلاجات ستساعدنا في الحد من انتقال العدوى مستقبلاً»، مضيفاً أن «سرعة تطوير بعض اللقاحات المحتملة أمر مشجّع».

وتابع:«نأمل في أن تثبت بعض هذه اللقاحات أنها آمنة وفعالة».

وبحسب منظمة الصحة، ثمة 26 لقاحاً محتملاً في مرحلة التجارب السريرية (أي الاختبار على الإنسان) في كافة أنحاء العالم، و139 في مرحلة التقييم ما قبل السريري.

وبين اللقاحات الـ26، دخلت 6 أواخر يوليو (تموز) الماضي، المرحلة الثالثة من التطوير. وكان اللقاح الذي تطوره «غاماليا»الروسية مصنفاً حينها في المرحلة الأولى.

وأعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الثلاثاء، أن روسيا توصلت إلى «أول»لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، مؤكداً أنه يوفر «مناعة مستدامة»وأن إحدى بناته تلقّته.

وأكد وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو أن «الاختبارات السريرية على بضعة آلاف من الأشخاص ستتواصل».

وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، أن بلاده طورت أول لقاح يوفّر «مناعة مستدامة»،ضد فيروس كورونا المستجد (سارس كوف 2) المسبب لمرض كوفيد-19.

وقال الرئيس الروسي إن إحدى بناته طُعمت باللقاح الجديد ضد فيروس كورونا، وفقا لموقع «روسيا اليوم».

وقال بوتين- خلال اتصال عبر الفيديو مع وزراء حكومته: «تم تسجيل لقاح ضد فيروس كورونا المستجد»في روسيا،ونقل موقع «روسيا اليوم»عنه القول إن «هذا اللقاح اجتاز كل الاختبارات».

وأعلن رئيس الصندوق السيادي الروسي كيريل ديمترييف أن 20 دولة أجنبية طلبت مسبقًا «أكثر من مليار جرعة»من اللقاح الروسي، مشيرًا إلى أن المرحلة الثالثة من التجارب تبدأ الأربعاء.

وأوضح رئيس الصندوق المشارك في عملية تطوير اللقاح أن الإنتاج الصناعي سيبدأ في سبتمبر (أيلول) القادم. وقال ديمترييف إن اللقاح أُطلق عليه اسم «سبوتنيك في»Sputnik V))، وسبوتنيك هو اسم القمر الصناعي السوفياتي، وهو أول مركبة فضائية وُضعت في المدار، أما حرف «V»فيمثل أول حرف من كلمة «لقاح»في عدة لغات أجنبية.

 

تشكيك داخلي روسي!

بعد الإعلان عن اللقاح، حثت جمعية منظمات التجارب الطبية«أكتو»ومقرها موسكو، والتي تمثل أكبر شركات الأدوية في العالم في روسيا، وزارة الصحة على تأجيل الموافقة إلى ما بعد المرحلة الثالثة من التجارب.

وقالت سفيتلانا زافيدوفا، المديرة التنفيذية للجمعية، لموقع«ميد بورتال»الروسي، إن قرار إجراء تحصين شامل اتخذ بناء على اختبارات المرحلتين الأولى والثانية على 76 شخصا، ومن المستحيل تأكيد فعالية الدواء على هذا الأساس.

 

اللقاح طوره مركز «غامالاي»الوطني الروسي لعلم الأوبئة والبيولوجيا المجهرية، وأُطلق عليه اسم «Sputnik V»

 

تشكيك دولي

اللقاح طوره مركز «غامالاي»الوطني الروسي لعلم الأوبئة والبيولوجيا المجهرية، وأُطلق عليه اسم «سبوتنيك في»(Sputnik V) ، تيمناً بالانتصار السياسي والعلمي الذي حققه الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة بإرسال «سبوتنيك»أول قمر صناعي بنجاح إلى الفضاء، في مؤشر إلى طموحها الكبير في تحقيق إنجاز في مجال اللقاح.

تجدر الإشارة إلى أن أي دواء أو لقاح جديد يجب أن يخضع لتجارب سريرية، وهي تجارب يتم إجراؤها لجمع البيانات المتعلقة بسلامة وفعالية الأدوية والأجهزة الجديدة، وتشتمل على العديد من الخطوات والمراحل للحصول على الموافقة قبل طرح الدواء أو الجهاز في السوق.

والغريب أن اللقاح تم الإعلان عنه من جانب الرئيس الروسي وليس جهة علمية طبية وقد قوبل الإعلان بتشكيك مسؤولي الصحة ووسائل الإعلام في أميركا وأوروبا.

وقد شكّك الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة، بصورة جدية في أمان وفاعلية اللقاح.

ونقلت شبكة «إيه بي سي نيوز»عن فاوتشي القول: «آمل أن يكون الروس قد أثبتوا بالفعل وبشكل قاطع أن اللقاح آمن وفعال… أنا أشك بشكل جدي في أنهم فعلوا ذلك»، وأكد أن الوصول إلى لقاح وإثبات أن أي لقاح آمن وفعال هما أمران مختلفان.

وقال إن الولايات المتحدة تواصل تطوير عدد من اللقاحات، مضيفا: «إذا ما أردنا استغلال الفرصة لإيذاء الكثير من الناس أو إعطائهم شيئاً لا يعمل، فيمكننا البدء إذا ما أردنا، الأسبوع القادم، في القيام بذلك. لكن هذه ليست الطريقة التي تسير بها الأمور»، وأضاف أنه لم يسمع أي دليل يقنعه بأن اللقاح جاهز فعلاً، داعياً الأميركيين إلى فهم أن «الإعلانات الصادرة عن الصينيين أو الروس بأن لديهم لقاحاً»تختلف عن تلك الأميركية «لأننا لدينا طريقة للقيام بالأمور في هذا البلد وهي أننا نهتم بالسلامة».

وأعرب وزير الصحة الألماني، ينس شبان، عن قلقه من عدم اختبار اللقاح بشكل صحيح، وقال لوسائل إعلام محلية: «قد يكون من الخطير البدء بتحصين الملايين من الناس في وقت مبكر للغاية لأنه قد يوقف إلى حد كبير قبول (فعالية) التطعيم إذا حدث خطأ»، مضيفاً: «بناء على كل ما نعرفه لم يحدث اختبار لذلك بشكل كاف، الأمر لا يتعلق بأن تكون الأول بقدر ما يتعلق بالحصول على لقاح آمن».

وقالت إيزابيل إمبرت، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية في مرسيليا، إن الوعد بالحصول على الشفاء مبكرا جدا قد يكون «خطيرا للغاية (…) لا نعرف منهجية أو نتائج تجاربهم الطبية».

 

تجارب روسية غامضة

وفق تقرير لموقع «برينت»فإن العلماء الروس العاملين على لقاح كورونا جربوه على أنفسهم، وتجاهلوا المرحلة الثالثة من التجارب تمامًا، ومن المحتمل أن يخاطروا بآثار جانبية قاتلة للملايين في روسيا وخارجها.

ويشير التقرير إلى أن من يتابع تاريخ التجارب الطبية في الاتحاد السوفيياتي وروسيا لن يفاجأ بالتطور السريع والغامض للقاح كورونا، فقد عرف عن العلماء السوفيات والروس تجريب اللقاحات على أنفسهم وعلى أطفالهم.

وفي العقود الحديثة، تطوع الروس للخضوع لتجارب أدوية بمعايير غامضة، مما أدى إلى آثار جانبية خطيرة.

وفي أبريل (نيسان)، حقن ألكسندر غينزبورغ و100 من زملائه أنفسهم بلقاح محتمل لكورونا، حتى قبل أن يتم اختبار المادة على القرود.

وغينزبورغ هو عالم ميكروبيولوجيا يبلغ من العمر 68 عاما، ويقيم في موسكو ومدير معهد «جماليا»الحكومي المسؤول عن تطوير اللقاح، ويشمل اللقاح الذي طوره غينزبورغ «إدخال مواد وراثية من فيروس كورونا في فيروس حامل غير ضار من أجل تحفيز جهاز المناعة البشري لإنتاج أجسام مضادة»، غينزبورغ ليس قلقاً جداً حول المخاطر المرتبطة بحقن مادة لم تخضع لتجارب كافية. ويدعي هو وزملاؤه أنهم جميعا بصحة جيدة بعد أشهر من حقن أنفسهم بالجرعة الأولى.

 

واحد من عشرات اللقاحات تحت التجريب

تقول منظمة الصحة العالمية إن 28 من أكثر من 150 لقاحاً تجريبياً يجري اختبارها حالياً على البشر، من بينها ستة وصلت إلى المرحلة الثالثة وهي النهائية التي يجري خلالها اختبار المنتج المرشح على مجموعات كبيرة من الناس.

واللقاح الروسي الذي طوره معهد «غاماليا» ووزارة الدفاع الروسية، هو من بين 28 لقاحاً بلغت المرحلة الثالثة، لكن منظمة الصحة العالمية تدرجه في المرحلة الأولى.

وقالت منظمة الصحة في بيان إنها «على اتصال بالعلماء الروس والسلطات الروسية وتتطلع إلى مراجعة تفاصيل التجارب». وأضافت أنها «ترحب بجميع التطورات في الأبحاث الجارية على اللقاحات المضادة لكوفيد-19 وفي مجال تطوير اللقاحات». وقالت إنها شاركت في توجيه جهود البحث والتطوير وتسريعها منذ يناير (كانون الثاني).

وجاء في البيان أنه «ينبغي إجراء تسريع أبحاث اللقاح باتباع العمليات المحددة خلال كل خطوة من خطوات التطوير، لضمان أن أي لقاحات تدخل مرحلة الإنتاج في نهاية المطاف هي آمنة وفعالة».

 

وقالت إن «أي لقاح آمن وفعال ضد الجائحة سيمثل منفعة عالمية عامة، وتحض منظمة الصحة العالمية على إتاحة الوصول السريع والعادل والمنصف إلى أي لقاحات من هذا القبيل في كل أنحاء العالم».

وكان تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»(New York Times) أكد أن التنافس بين مراكز الأبحاث لإيجاد لقاح لفيروس كورونا انحصر الآن بين 3 مختبرات فقط، أظهرت تجاربها نتائج واعدة:

*الأول: وهو الأكثر شهرة إعلاميا، والمعروف بلقاح جامعة أكسفورد، وتتشارك في تطويره الحكومة البريطانية مع شركة «أسترا زينيكا».

*الثاني: وتقوم بتطويره شركة «كان سينو بيولوجيكس»الصينية، وقد نشرت نتائج تجاربها في مجلة «لانست»الطبية.

*الثالث: هو ثمرة مجهود مشترك بين شركة«فايزر»للأودية وشركة «بيو إن تيك»الألمانية، إضافة إلى شركة «مودرنا»الأميركية.

جميع المطورين أكدوا نجاح التجارب في إنتاج أجسام مضادة مشابهة، لتلك التي شوهدت لدى المتعافين من فيروس كورونا، غير أن التركيز الإعلامي ينصب الآن على لقاح أكسفورد، حتى إن مسؤولين أميركيين وبريطانيين اتهموا روسيا بمحاولة التجسس على الأبحاث المتعلقة باللقاح، وفق «نيويورك تايمز».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى